الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فإن اللسان جرم صغير، ولكن خطره كبير ولهذا قالوا في المثل: المرء بأصغريهº قلبه ولسانه، فقرنوا اللسان بالقلب.
وقد دعا موسى - عليه السلام - رب العز والجلال أن يهبه ما يؤدي به واجب البلاغ المبين فقال: (وَاحلُل عُقدَةً مِن لِسَانِي يَفقَهُوا قَولِي)، ثم قال - عليه السلام - باثاً مخاوفه من عقبة عدم القدرة على البيان: (وَيَضِيقُ صَدرِي وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرسِل إِلَى هَارُونَ) ثم طلب بعد ذلك معيناً له على تأدية مهمته ممن منّ الله عليهم بنعمة البيان فقال: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرسِلهُ مَعِيَ رِدءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ).
واللسان نعمة امتن الله بها على الإنسان فقال: (أَلَم نَجعَل لَهُ عَينَين ولساناً وَشَفَتَينِ) وهذه النعمة سلاح ذو حدين، إن استعمل في الخير كان سبباً لرضوان الله وإن استعمل في الشر كان سبباً لسخط الله, قال - تعالى -في أمر الإفك: (إِذ تَلَقَّونَهُ بِأَلسِنَتِكُم وَتَقُولُونَ بِأَفوَاهِكُم مَا لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ وَتَحسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)، وقال - تعالى - مبيناً رضاه عمن استعمل لسانه في طاعته: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعيُنَهُم تَفِيضُ مِنَ الدَّمعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكتُبنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لا نُؤمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الحَقِّ وَنَطمَعُ أَن يُدخِلَنَا رَبٌّنَا مَعَ القَومِ الصَّالِحِينَ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ, تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ المُحسِنِينَ)، وجاء أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: \" إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضوَانِ اللَّهِ - تعالى - ما كَانَ يَظُن أن تَبلُغَ مَا بَلَغَت يَكتُبُ اللَّهُ - تعالى - لَهُ بِهَا رِضوَانَهُ إلى يَومِ يَلقاهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ - تعالى - ما كانَ يَظُنٌّ أن تَبلُغَ مَا بَلَغَت يَكتُبُ اللَّهُ - تعالى –ب ِها سَخَطَهُ إلى يَومِ يَلقَاهُ\".
فليحذر الإنسان من لسانه وليعمل جاهداً أن يكون لسانه قائده إلى الجنة وموصله إلى رضوان الله، فإن كل ما يقول محسوب، إما له أو عليه، قال - تعالى -: (مَا يَلفِظُ مِن قَولٍ, إِلَّا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وجاء في الحديث أن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال للنبي صلي الله عليه وسلم: \"يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم\" وقد عرّف النبي صلي الله عليه وسلم المسلم الحق الذي استسلم لله ظاهراً وباطناً، فقال: \"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده\" وإن شهوة الكلام من أكثر الشهوات غلبة للناس حتى لا تكاد تجد من يكبح جماحها، وما النجاة إلا لمن وفقه الله فألزم لسانه حدود ما أراد الله - تعالى -، عن عقبة بن عامر قال: \"قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك\" قال أبو عيسى هذا حديث حسن.
فإذا كان اللسان أول أسباب النجاة فانظر إلى واقعنا لتعرف مقدار الناجين ثم لا تعجب ممن هلك كيف هلك ولكن العجب ممن نجا كيف نجا، ولذا فإن الجوارح كلها تعنف اللسان وتوبخه كل صباح وتذكره أن نجاة سائر البدن به إن استقام، وهلاك الأعضاء كلها به إن انحرف، عن أبي سعيد الخدري رفعه قال: \"إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا\".
وقد كان السلف على ما بهم من حرص في كلامهم يتهمون ألسنتهم، وروي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رأى أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - وهو يمد لسانه بيده فقال له: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟! قال: هذا أوردني الموارد، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته.
فهل نحن عن آفات اللسان منتهون ولشهوة اللسان كابحون ولما يرضي ربنا طالبون؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد