وأما الشفقة و الرأفة و الرحمة لجميع الخلق فقد قال الله - تعالى- فيه:(عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) [سورة التوبة / 9، الآية: 128].
و قال - تعالى -: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [سورة الأنبياء / 21، الآية: 107].
قال بعضهم: من فضله - عليه السلام - أن الله - تعالى - أعطاه اسمين من أسمائه، فقال: بالمؤمنين رؤوف رحيم.
عن ابن شهاب، قال: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة، و ذكر حنيناً، قال: فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفوان بن أمية مائة من النعم، ثم مائة، ثم مائة.
قال ابن شهاب، حدثنا سعيد بن المسيب أن صفوان قال: و الله لقد أعطاني ما أعطاني و إنه لأبغض الخلق إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي.
و روي أن أعرابياً جاءه يطلب منه شيئاً، فأعطاه، ثم قال: أحسنت إليك؟.قال الأعرابي: لا، و لا أجملت.فغضب المسلمون و قاموا إليه، فأشار إليهم أن كفوا، ثم قام و دخل منزله، و أرسل إليه، و زاده شيئاً، ثم قال: [أحسنت إليك؟ ] قال: نعم، فجزاك الله من أهل و عشيرة خيراً.
فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنك قلت ما قلت و في أنفس أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عليك. قال: نعم. فلما كان الغد أو العشي جاء، فقال - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا الأعرابي قال ما قال، فزدناه أنه رضي، أكذلك؟ قال: نعم، فجزاك الله من أهل و عشيرة خيراً. فقال - صلى الله عليه وسلم -: مثلي و مثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً، فناداهم صاحبها: خلوا بيني و بين ناقتي، فإني أرفق بها منكم و أعلم، فتوجه لها بين يديها، فأخذ لها من قمام الأرض، فردها حتى جاءت و استناخت، و شد عليها رحلها، و استوى، و إني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار.
وروي عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم و أنا سليم الصدر. و من شفقته على أمته - عليه السلام - تخفيفه و تسهيله عليهم، وكراهته أشياء مخافة أن تفرض عليهم، كقوله: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء. و خير صلاة الليل. و نهيهم عن الوصال. وكراهته دخول الكعبة لئلا يعنت أمته. و رغبته لربه أن يجعل سبه و لعنه لهم رحمة بهم و أنه كان يسمع بكاء الصبي فيتجوز في صلاته. و من شفقته - صلى الله عليه وسلم - [40] أن دعا ربه و عاهده، فقال: أيما رجل سببته أو لعنته فاجعل ذلك له زكاة و رحمة، و صلاة و طهوراً، و قربة تقربه بها إليك يوم القيامة. ولما كذبه قومه أتاه جبريل - عليه السلام -، فقال له: إن الله - تعالى -قد سمع قول قومك لك، و ما ردوا عليك، و قد أمر ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداه ملك الجبال و سلم عليه، و قال: مرني بما شئت، و إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده و لا يشرك به شيئاً.
وروى أبن المنكدر أن جبريل - عليه السلام - قال الن بي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله - تعالى -أمر السماء و الأرض و الجبال أن تطيعك. فقال: أؤخر عن أمتي لعل الله أن يتوب عليهم. قالت عائشة: ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما. و قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا.
وعن عائشة أنها ركبت بعيراً و فيه صعوبة، فجعلت تردده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عليك بالرفق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد