13 شعبان 1274هـ - 30 مارس 1858م:
دخل الإسلام إلى شبه الجزيرة الهندية أيام الدولة الأموية عندما فتح القائد الشاب محمد بن القاسم بلاد السند سنة 92هـ، ومن يومها وطئ الإسلام تلك البلاد والوهاد الشاسعة، وتقلب حكم المسلمين فيها بتقلب وضع الخلافة المركزية، ولكن ظل الإسلام وحكم المسلمين عند بلاد السند، ولم يتوغل داخل القلب الهنديº حتى قامت عدة ممالك قوية وعظيمة الشأن بهذا الدور نيابة عن دولة الخلافة التي أصابها الوهن والضعف الشديد، من هذه الدول الدولة الغزنوية وقائدها الكبير محمود بن سبكتكين الغزنوي، والدولة الغورية وقائدها البطل الشهيد شهاب الدين الغوري، ثم قامت بعد ذلك مملكة دهلي الإسلامية الزاهرة، وقامت موازية وتابعة لها عدة ممالك إسلامية أخرى في الغرب والشرق، في حين بقي الجنوب الشرقي بيد الهندوس، وكانت منطقة صحراوية قاحلة([1]).
ثم دخلت دولة الإسلام بعد ذلك طوراً جديداً انقسم المسلمون فيها على أنفسهم، واقتتلوا فيما بينهم، ودخلت دولة الإسلام بالهند عصر أمراء الطوائف وهو شديد الشبه مع عصر الطوائف الأندلسي، وجاء القائد الغشوم الظلوم «تيمورلنك» فأكمل على المسلمين، ودهم مملكة دهلي سنة 805هـ، ودمرها تدميراً شاملاً، وظل وضع المسلمين بين إقبال وإدبار حتى جاء السلطان محمد بابر شاه من أفغانستان إلى الهند فأعاد وحدتها بعد معارك هائلة وطاحنة مع الهندوس ومن وافقهم من المسلمين، وأعلن قيام دولة المغول الإسلامية سنة 933هـ والتي استمرت قائمة حتى سنة 1274هـ، وتعاقب على حكمها ثمانية عشر سلطاناً بين قوي وضعيف، وصالح وفاسد، وعالم ومبتدع ضال.
يعتبر السلطان أكبر شاه هو أشهر حكام هذه الأسرة، وأيضاً سبب بلائها ونكبتها، على الرغم من أن الدولة قد بلغت في عهده أقصى اتساعهاº ذلك لأنه كان فاسد العقيدة، ضالاً، مبتدعاً، كافراً بإجماع علماء عصره، في عهده اخترعت ديانة السيخ التي حاول فيها المزج بين الإسلام والهندوسية وغيرها من ديانات الهند القديمة، ويعتبر أيضاً السلطان محيي الدين عالم كير من أشهر حكام هذه الأسرة، وأشدهم تديناً وصلاحاً، وكان من كبار علماء الفقه الحنفي، وله كتاب الفتاوى الهندية، وهو مازال يطبع حتى الآن، وقد قام هذا السلطان الصالح بإبطال كل ما اخترعه جده «أكبر شاه» من بدع وضلالات.
بدأت الهند تتعرض للحملات الاستعمارية في مطلع القرن العاشر الهجري، وكان البرتغاليون بقيادة فاسكو دي جاما أول الناس وصولاً لسواحل الهند سنة 904هـ، وبعده أصبح للبرتغاليين مراكز على الساحل الغربي للهند، ولكنهم لم يتوغلوا في الداخل لضخامة السكان، وبداية ظهور دولة المغول هناك، فظلوا بالساحل من سنة 906هـ حتى سنة 1009هـ على هيئة مراكز تجارية، ولم يستطيعوا البقاء بسبب حقدهم الصليبي الطافح حتى على معاملاتهم التجارية، وأيضاً بسبب منافسة الإنجليز لهم.
جاء الهولنديون، ثم الفرنسيون، وأخيراً الإنجليز، كلهم دخل أولاً برسم التجارة وتبادل الثروات والثقافات، ثم ما لبثوا أن تحولوا من التجارة إلى الاحتلال الفعلي للبلاد مع الإبقاء على منصب السلطان المغولي كمنصب شرفي ومعنوي للمسلمين، وأخذ الإنجليز في استمالة الهندوس، وتقريبهم لضرب المسلمين، وأخذوا في بث الشائعات وإثارة الفتن بين حكام الإمارات الإسلامية، واستقطاب الخونة والعملاء من المسلمين للعمل ضد القوة الإسلامية بالبلاد.
وللأسف لم تكن جهود المسلمين موحدة ضد الإنجليز بل كانوا أهواء متفرقة بسب الأطماع والمناصب، وهذا هو أس بلاء المسلمين في كل موطن، وكان أول من أعلن الجهاد ضد الإنجليز حاكم البنغال «سراج الدولة» الذي استطاع أن ينزل بالإنجليز وحلفائهم الهندوس عدة هزائم، ولكن خيانة أحد قواده واسمه «سير جعفر» وهو في نفس الوقت «ختنه» أدت للقبض على «سراج الدولة» وإعدامه، ثم قام الأمير حيدر علي خان بجهاد الإنجليز في مقاطعة ميسور، ومن بعده ولده الأمير «تيبو» الذي خاض معارك كثيرة وطاحنة ضد الإنجليز، وظل صامداً أمام تحالف الإنجليز والهندوس حتى راح ضحية الخيانة هو الآخر من جانب أحد قواده «مير صادق» وذلك سنة 1214هـ.
وبعد القضاء على ثورة الشيخ أحمد عرفان الشهيد سنة 1246هـ خفتت حدة الجهاد الإسلامي، وأخذ الإنجليز في الكشف على وجههم الصليبي ضد المسلمين، فألغوا المدارس الإسلامية والكتاتيب، واستولوا على أملاك المسلمين، وضربوا على الإمارات الإسلامية سياجاً من الفقر والجهل، والمرض والتخلف، في حين عملوا على تعليم الهندوس وتقريبهم، وإسناد المناصب إليهم، وفتحوا المجال أمام الإرساليات التنصيرية بين المسلمين والهندوس.
ونتيجة الفقر الذي وقع في البلاد فقد انخرطت أعداد من المسلمين والهندوس في الجيش، وكان الضباط الإنجليز يسخرون منهم ويزدرونهم، ثم وقعت حادثة أدت لانفجار التمرد الهندي الكبير وذلك أن الإنجليز أصروا على تشحيم بنادق الجيش بشحم الخنزير فرفض المسلمون ذلك، فحوكم 85 مسلماً بسرية الفرسان في بلدة «ميرته» على بعد 40 ميلاً من دهلي رفضوا ذلك الأمر، وحكمت عليهم المحكمة الظالمة بعشر سنوات، فثار مسلمو الهند ومعهم كثير من الهندوس، ودخلوا دار آخر سلاطين المسلمين المغول «سراج الدين بهادور شاه» وكان قد جاوز التسعين من العمر، فانضم إليهم ولده «محمد بخت خان»، وأصبح زعيم الثورة، وكانت منطقة البنغال هي بؤرة الثورة، وانضم الهندوس في الثورة العارمةº فاضطر الإنجليز للجوء إلى السيخ لقمع الثورة، وطلبوا إمدادات من بلادهم، وكانت قد خرجت لتوها من حروب القرم، وبعد عدة شهور من الحروب الطاحنة دخل الإنجليز «دهلي»، وقبضوا على السلطان «بهادور شاه» وأسرته واعتبروه مسئولاً عن الثورة، وقاموا بمنتهى الوحشية بذبح أبنائه أمام عينيه، وبلغت الهمجية والبربرية بدعاة التحضر لأن يطبخوا من لحوم القتلى طعاماً، ويجبروا «بهادور شاه» على الأكل منه، ثم نفوه إلى بورما ويعلنوا في 13 شعبان سنة 1274هـ - 30 مارس 1858م انتهاء حكم دولة سلاطين المغول المسلمين، وضم الهند لمستعمرات الإنجليز والتاج البريطاني.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد