14 رمضان 145هـ ـ 9 ديسمبر 762م:
كانت بداية الدعوة العباسية بيد أبي هاشم بن محمد بن الحنفية، ولم يكن له عقب، فصرف الدعوة وأتباعها إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وعندما نجحت الدولة العباسية في الإطاحة بالدولة الأموية وجد الطالبيون أن الدولة قد أصبحت عباسية محضة، فبدؤوا في المطالبة بحقهم في الحكم، ولكن لم يظهر منهم شيء خلال حكم الخليفة العباسي الأول «السفاح»، فلما مات وتولى مكانه أبو جعفر المنصور بدأ العمل الطالبي بقيادة محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المشهور بالنفس الزكية لعلمه وورعه، وعبادته وزهده، وكان يلقب بصريح قريش لأن أمه وجداته كلهن عربيات لم تكن واحدة منهن من الجواري، كما كان بطلاً شجاعاً، فارساً شديد الهيبة في قلوب الناس، وقد ظن الناس في بداية الدعوة العباسية أن محمداً هذا هو إمام الدعوة، بل إن كثيراً من الناس قد بايعوه في أواخر أيام الأمويين، بل كان أبو جعفر المنصور نفسه ممن بايعه([1]).
امتنع محمد وأخوه إبراهيم عن مبايعة المنصور، فألح في طلبهما المنصور، وعزل والي المدينة بسبب تساهله في ذلك، وعيَّن مكانه أعرابياً غليظ القلب، فأخذ أسرة محمد وآل الحسن كلهم فحبسهم في السجون، وأخذ في تعذيبهم، حتى هلك الكثيرون منهم تحت وطأة التعذيب، ومع ذلك ظل محمد وأخوه إبراهيم متواريين عن الأنظار حتى استعمل المنصور مع محمد الخداع والمكر، فأرسل له بالرسائل المزورة على لسان قادة جيش المنصور يبايعون فيها النفس الذكية، فانخدع محمد بهذه الرسائل، وبعد رحلة طويلة من الاختفاء والألم النفسي لما أصاب أسرته وعشيرته، وتحت ضغط الأتباع، أعلن محمد النفس الزكية عن دعوته في جمادى الآخرة، وسيطر على المدينة، وأخذ البيعة من أهلها بالمسجد النبوي، في حين اضطر أخوه إبراهيم للإعلان هو الآخر بدوره في البصرة.
أرسل المنصور جيشاً كبيراً إلى المدينة فاستشار محمد النفس الزكية أصحابه فأشاروا عليه بالبقاء في المدينة، وعمل خندق حولها مثلما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب، وأشار بعضهم بالذهاب إلى مصر حيث الأموال والرجال، وأنصار آل البيت وكان هذا هو الصواب، ووصل جيش المنصور إلى المدينة، وضرب عليها حصاراً شديداً، ثم أخذ في مكاتبة قادة النفس الزكية وإغرائهم بالمال والمناصب، وبالترغيب والترهيب، استطاع المنصور صرف كثير من أتباع الحركة عنها، ثم دارت مفاوضات مع قائد الحركة مـحمد النفس الزكية انتهت بالقتال يوم الاثنين 14 رمضان 145هـ، وثبت محمد في القتال ومعه الأبطال الشجعان الذين يقدر الواحد منهم بالمئات، ومن شدة القتال قتل محمد بنفسه سبعين رجلاً من جيش المنصور، ثم سقط قتيلاً في النهاية، وبمقتله فشلت الحركة التي قامت على شخصيته، فانتهت بالتالي بمقتله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد