سقوط الخلافة الإسلامية دروس وعبر لواقع المسلمين !


  

بسم الله الرحمن الرحيم

مصطفى كمال

في عام 1341هـ (1922م) أصبح عبد المجيد الثاني خليفة للمسلمين، ولكنَّه مُجَرَّدٌ من كافَّة الصلاحيات السياسية، ولم يَبقَ حوله إِلا المناصرون لمصطفى كمال. وانعقد مؤتمر \"لوزان\" بعد ثلاثة أيام من تولي عبد المجيد الثاني للخلافة، ووضَع رئيس الوفد الإنجليزي \"كرزون\"، أربعة شروط للاعتراف باستقلال تركيا:

1 إلغاء الخلافة الإسلامية.

2 طرد الخليفة من بني عثمان خارج الحدود.

3 إعلان علمانيّة الدولة.

4 مصادرة أملاك وأموال بني عثمان.

وأَخفق المؤتمر، وعاد الوفد التركي، لتبدأ المناورات والدسائس والخلافات والفوضى..واجتمعت \"الجمعية الوطنية\" ثانية بعد أن حلَّها مصطفى كمال، ولم يتمكن غير مصطفى كمال من تشكيل الوزارة، فَكُلِّف بذلك وشكَّل الوزارة على ألا يُناقش فيما يعمل ويقرِّر، فأعلن الجمهورية وانتُخب رئيساً لها، فعمَّت الفوضى وغادر كثيرون أنقرة إلى إستانبول، والتَفٌّوا حول الخليفة!

 

ولكن دارت الاغتيالات واستقرّ الأمر لمصطفى كمال، فدعا المجلس الوطني، وقدّم مرسوماً ينصّ على:

إلغاء الخلافة الإسلامية!

طرد الخليفة!

فصل الدين عن الدولة، وإلغاء الوظائف الدينية، وامتلاك الدولة للأوقاف.

وأُمِرَ عبد المجيد بالسفر إلى سويسرا، وأعيد عقد المؤتمر، وأرسل مصطفى كمال وزيرَ خارجيته عصمت إينونو إلى لوزان، فاعترفت إِنجلترا باستقلال تركيا، وطويت صفحة الخلافة العثمانية سنة 1343هـ (1924م).

 

خطة محكمة

لقد كانت خُطّة ماكرة ومحكمة أَدت إلى إنهاء الخلافة الإسلامية العثمانية، ولم يكن الأمر مفاجئاً، نفذت تدريجياً، بحيث تزداد الدولة ضعفاً مع كل مرحلة، وتزداد المؤامرات الخارجية والفتن الداخلية، وانحسار الإسلام عن قلوب كثيرين من المنتسبين إليه، ويزداد تمدد العلمانيّة!

لقد وجّه الاتحاديون ضربة قوية للخلافة باستصدار فتوى من شيخ الإسلام بعزل الخليفة، فَعُزِِل. وكان الاتحاديون يريدون إزاحة الإسلام عن الدولة، وفرض الفكر الغربيّ الذي ظنّوا فيه نجاتهم وقوتهم، فإذا بطوق النجاة الغربي يقضي عليهم، فيفرّوا ويقتل زعماؤهم، ولا يأسف عليهم أحد.

وبعد سقوط الخلافة تمزّق العالم الإسلامي وتناثرت أجزاؤه، وتابع المجرمون خُطتهم التي أَسقطوا بها الخلافة، ليمارسوها في كل بلد إسلامي، واستخدموا جميع الوسائل والأساليب لمتابعة محاربة الإسلام، الأمر الذي أجمعوا عليه مهما اختلفوا على الغنائم، وامتدّت المأساة والفواجع حتى اليوم.

وبعد الحرب العالمية الأولى، وانهيار حكم الاتحاديين في الدولة العثمانية، وصعود أتاتورك ليعلن تحول البلاد إلى العلمانيّة وإنهاء الخلافة الإسلامية حتى الصورة الشكلية التي كانت عليها، قُسِّمت البلاد العربية إلى غنائم يتقاسمها المنتصرون في تلك الحرب، بموجب معاهدة سايكس بيكو، وعصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة التي تلتها، ووعد بلفور الذي قدّمته إنجلترا لليهود والتزمت بتنفيذه.

 

تقسيم فلسطين

وكان أخطر ما في هذا التقسيم أن أُعطِيَت فلسطين لبريطانيا لتقيم عليها انتدابها وتمهّد لإقامة كيان يهودي ووطن لهم على أرض فلسطين مبدئياً، حسب وعد بلفور. ولكن اليهود أعلنوا أن دولتهم التي يريدون إقامتها تمتدّ من النيل إلى الفرات، وجعلوا هذا الهدف شعاراً بارزاً في الكنيست اليهودي، ليذكّر اليهود ليل نهار بهذا الهدف، ولتتولى جميع المؤسسات في كيانهم بناء الأجيال التي تتبنّى تحقيق هذا الشعار.

وقام الكيان الصهيوني، وطُرِد المسلمون من فلسطين ليكونوا لاجئين في أنحاء شتى من الأرض، ومازالت قضية فلسطين حتى يومنا هذا تمثِّل ساحة صراع وفواجع تحت بصر المجرمين في الأرض، بدعم من أمريكا وأوروبا.

وللأسف يتم كل ذلك ولا يجد المسلمون قوّة بين أيديهم لإنقاذ فلسطين، لا يجدون قوة كافية من الجيوش ولا سلاحاً يفصِلُ المعركة، ولا عزمة تنطلق لتبني وتخطط، ولا نهجاً يجمع الأمّة، فالغفلة مسيطرة، والفتن متوالية في ديار المسلمين، حتى انحرف الكثيرون عن دِينهِم، وأُلهوا بسفاسف الأُمور التي تنازعوا عليها، وبتبنّي أفكار المجرمين في الغرب، وموالاتهم، ثم الدعوة إليهم، حتى أصبح في الأمة فريق ينتسب اسماً إلى الإسلام أو إِلى أرضه، ولكنه عمليّاً هو قوة للغرب ودوله وفكره.

إن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه المسلمون، تصديقهم الوعود الباطلة من الإنجليز ومن غيرهم. فقد نَفَضَت إنجلترا يدها من كل وعودها للمسلمين.

والخطأ الثاني أنهم رضوا بوعد باطل لا يقبله الإسلام. فكانت هذه الوعود تمثل مرحلةً جديدةً من معركة المجرمين ضد الإسلام.

وانتقل المسلمون من مشكلة إلى مشكلة أكبر، ونقض الإنجليز وعودَهم للمسلمين، ولكن التزموا بوعودهم لليهود، بإقامة دولتهم في فلسطين لتكون قاعدة لهم في قلب العالم الإسلامي، لينطلقوا منها في حربهم على الإسلام!

 

مسلسل التنازلات

وكلما تنازل المسلمون عن شيءٍ, من دينهم بغية الوصول إلى تفاهم مع المستعمرين، طلب المستعمرون تنازلات أكبر. إنهم يقودون معركة حقيقية ضد الإسلام، ولا حرج لديهم في أن يخدعوا ويكذبوا ويخونوا من أجل ظنِّهم بأن ذلك يحقق مصالحهم الإجرامية. وبالرغم من أن الكذب والخداع والغدر يتكرر، إلا أن المسلمين لا يعتبرون ولا يتعلمون.

وامتدّت مآسي المسلمين في الأرض، وهم يلقون هواناً بعد هوانٍ,، وضعفاً بعد ضعف، وظلّوا ينظرون إلى المستقبل يتوقّعون الفرج والنجاة، ولكن الحقيقة هي أنهم كانوا ينظرون إلى سراب، وكُلَّما بَلغُوا سَراباً ولم يجدُوا شيئاً، نظروا إلى سراب جديد يحسبون أن عنده شيئاً، حتى إذا جاؤوه لم يجدوا عنده شيئاً:

لا تُخدَعَنَّ فكلٌّ يَومٍ, قِصّةٌ***شَرَكٌ يُنصَّبُ أو هَوانٌ يَقهَرُ

عجباً! أتُخدَعُ كلَّ حينٍ, بالمنى***كذبَت عليك وبالوعود تُغيّرُ

وتظل تلهث خلف أوهام الرؤى ***لا ترعَوي أبداً ولا تتذكّرُ

كم مجرمٍ, نَفَثَ الوُعُودَ مُخَاتِلاً***حتَّى إذا أفضَوا إِليكَ تنكّروا

يعطون في وضح النهار وعودهم***وتلفّهم حُجُبُ الظلام ليمكُروا

المجرمون عصابة لمّا تَزَل***تمضي بمكرٍ, بيننا لا يَفترُ(1)

 

ولو نظرتَ إلى كلّ مأساة في العالم الإسلاميّ لوجدت أن وراءَها سببين اثنين ملازمين لكلَّ مأساة: هوانُ المسلمين واستخذاؤهم، وغَدر المجرمين ومكرهم!

 

طبيعة هذا التاريخ من أعداء الله مؤامرات تتوالى، ومكر وكيد، ولا ننكر أن هؤلاء المجرمين مَهَرُوا بإعداد المؤامرات وإخراجها وتنفيذها، حتى أصبح من قواهم بعض من ينتسبون إلى الإسلام. لم يتعلموا من درس الخلافة الإسلامية العثمانية. فبعد أن أيدهم الله بنصره، خسروا تأييد الله ونصره لما انحرفوا وغرقوا في الفتن، وسحرهم زخرف الغرب الكاذب، فساروا معه، حتى إذ أنهى مهمته لفظهم ورماهم.

سيسقط هؤلاء! لا ريب في ذلك أبداً، لأنها سنة الله التي لا تتبدّل، فلكلِّ أمّة أجل، تمضي إِليه لتُمحَّصَ من خلال ذلك، حتى إذا انتهى دور الابتلاء والتمحيص، جاء الأجل ونفذ حكم الله قضاءً نافذاً وقدراً ماضياً وحكمة بالغة.

 

الهدى والضلال

إن التاريخ البشري صراع بين الإيمان والكفر، بين المستضعفين والمستكبرين، بين الهدى والضلال. إنها معركة مستمرة، أو ملحمة ممتدّة. فمنذ بُعث محمد {هبّت قُوى الإجرام تحاربه، وليس أمام المؤمنين إلا سبيل واحد أبد الدهر، سبيل شقّه الله لهم، سبيل الصراط المستقيم، يمضون عليه بين ابتلاء وتمحيص، بعد أن أخذ الله عليهم العهد على ذلك، العهد في أن يمضوا ويصبروا ويصابروا، وأن يُعِدٌّوا العدّة لهذا الدرب، وأن يأخذوا الزاد اللازم لهذه المسيرة:

والظاهرة البارزة في مشكلات العالم الإسلامي أن كلَّ قُطرٍ, من أقطار العالم الإسلامي يصارع كيد المجرمين وحده، والمجرمون يستفيدون من تمزٌّق العالم الإسلامي أقطاراً وأحزاباً وأهواءً.

وكلما تفرَّقت كلمة المسلمين أنزل الله بهم العذاب والهوان، عسى أن يتذكروا فيتوبوا. ولكن الواقع اليوم يكشف أن التمزق ماضٍ,، وأن البعد عن الصراط المستقيم واضح، وأن الهوان في المسلمين بلغ ذروة من ذرواته! فهل نعتبر ونستفيق من غفلتنا؟

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply