في الثالث عشر من شهر رمضان المبارك، سنة تسع وسبعين وأربعمائة للهجرة (479هـ)، حدثت معركة \"الزلاقة\"، التي انتصر فيها المسلمون على الفرنجة نصراً مؤزراً.
كان السبب المباشر في هذه الحرب هو تطاول ملك الأفرنج الفونس السادس واسمه \"الأذفونش\" على المعتمد بن عباد سلطان المسلمين في الأندلس، حيث أرسل \"الأذفونش\" رسالة ساخرة إلى المعتمد يقول له فيها: \"كثر - بطول مقامي - في مجلسي الذباب، واشتدَّ عليّ الحرّ، فأتحفني من قصرك بمِروَحَة أُروِّح بها عن نفسي، وأطرد بها الذباب عن وجهي\".
فغضب المعتمد وتناول رسالته، وكتب على ظهرها ما يلي: \"قرأت كتابك، وفهمت خُيلاءك وإعجابك، وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية، تُروِّح منك، لا تروح عليك، إن شاء الله تعالى\".
فغضب \"الأذفونش\" لهذا الرد وهدد بانتزاع مدينة \"قرطبة\" من أيدي المسلمين، وسير ثلاثة جيوش لمهاجمتها: أثنين بقيادة أعوانه والثالث بقيادته هو نفسه.
وكان المعتمد لا يملك العدد والعتاد الكافيين لمواجهة اعتداء الفرنجة فقرر أن يستعين بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين سلطان المغرب، وأرسل إليه في ذلك، غير أن بعض رجال المعتمد خوَّفوه من استعانته بابن تاشفين، وحذروه من مغبة أن يطمع ابن تاشفين في ملك المعتمد، فأجابهم بكلمته المشهورة: \"رَعيّ الجمال خير من رَعيِّ الخنازير\". و يقصد أنه إذا انتصر عليه الفرنجة فسيرعى خنازيرهم، وإن طمع فيه ابن تاشفين فسيرعى له جماله، وخير له أن يرعى الجمال من أن يرعى الخنازير.
وسارع ابن تاشفين بالاستجابة، وركب البحر بجيشه يريد الأندلس، ولما علم الأذفونش بذلك، أرسل إلى ابن تاشفين رسالة يتوعده فيها إن أعان المعتمد، غير أن ذلك لم يفت في عضد ابن تاشفين فرد عليه في ظهر الرسالة بكلمات قليلة مفادها: \"الذي يكون سَتَراه\"، فارتاع الأذفونش من هذا الرد.
ووصل ابن تاشفين إلى قرطبة، وعانق المعتمد ابن عباد، وتعاهدا على الجهاد والصدق، وعزما على التقدم نحو إشبيلية، وطلبا المدد من ملوك الطوائف فأجابهم عدد كبير، واستبشر المسلمون خيرا..
وفي ليلة الجمعة المباركة رأى الفقيه \"أبو العباس أحمد بن رميلة القرطبي\" رؤية في منامه فرح لها فرحاً عظيما، إذ رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة، فبشَّره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنصر والغلبة، والاستشهاد في سبيل الله، فأيقن الفقيه القرطبي أن الأعداء سيهجمون يوم الجمعة، فتأهب ودعا وتضرَّع، ودهن رأسه وتطيَّب، وكأنه يستعد للقاء الله -- تبارك وتعالى --. وبلغ الخبر مسمع المعتمد بسرعة، فأعلم به يوسف بن تاشفين.
وكان المعتمد قد أرسل عيونه لمعرفة أخبار الفرنجة، فجاءته العيون أن جيش العدو يعد العدة لمهاجمة المسلمين، وأخبره أحدهم أنه سمع \"الأذفونش\" يقول لقادته: \"إن ابن عباد مُسعِّر هذه الحروب، وهؤلاء الصحراويون، وإن كانوا أهل حِفاظ، وذوي بصائر في الحروب، فهم غير عارفين بهذه البلاد، وإنما قادهم ابن عباد، فاقصدوه واهجموا عليه، واصبروا، فإن انكشف لكم هان عليكم الصحراويون بعده، ولا أرى ابن عباد يصبر لكم إن صدقتموه الحملة.
ولم يطل الأمد حتى تحرك جيش الفرنجة، وهاجم جيش المعتمد واشتد القتال، وصعب الأمر على المسلمين أول الأمر، لكنهم ثبتوا وصابروا، وروي أن المعتمد هلك تحته ثلاثة أفراس، كلما هلك جواد قدموا له غيره، وهو يقابل حياض الموت، ويضرب يمينًا وشمالاً.
وعندما ظهرت طلائع جيش ابن تاشفين في أرض المعركة، رجحت كفة المسلمين، واحتدم القتال، ولم يحن وقت الزوال إلا و المسلمون يطاردون فلول جيش الفرنجة المندحر، الذي ولى قائده \"الأذفونش \" الدبر، مخلفاً جنوده بين صرعى وقتلى وأسرى.
والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد