عين جالوت وعودة الوعي إلى الأمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

بطولات خالدة:

سقطت بغداد عاصمة الخلافة العباسية في أيدي المغول الهمج في\"9 من صفر سنة 656 هـ\"، وكان لسقوطها دويّ هائل وحزن بالغ في نفوس المسلمين، بعد أن ظلت الخلافة العباسية قائمة أكثر من خمسة قرون، وقد ارتكب المغول في المدينة المنكوبة من المذابح ما تقشعر منه الأبدان، وقاموا بسلب المدينة ونهبوا ما بها من خيرات، ودمروا كل معالم الحضارة الإنسانية، ثم واصل المغول زحفهم المدمر نحو الشام بقيادة \"هولاكو\"، تسبقهم سمعتهم المرعبة، وصولتهم العاتية في القتال، وإلحاق الهزائم بالأعداء، فسقطت حلب المدينة العتيقة، ثم دمشق التي تركها حاكهما وفر هاربًا قبل أن يستولي المغول على مدينته.

 

وفي تلك الأثناء كان الناس يفرون من بلادهمº هربًا من المغول وفظائعهم إلى مصر، ويحكون للناس ما يفعله هؤلاء الهمج حين يدخلون البلاد، وكان حكاياتهم مزيجًا من الحقيقة والخيال، الأمر الذي جعل الناس يعتقدون أن المغول كالأقدار لا مهرب منه ولا مفر.

 

وشاء الله أن يتولى الحكم في مصر سلطان شاب قوي الإيمان، شديد العزم، صادق الوعد هو السلطان المظفر \"قطز\"، وأدرك أن القاهرة هي المحطة التالية للغزو المغولي، وصدق ما توقعه فجاءت رسل المغول برسائلهم التي تمتلئ تهديدًا ووعيدًا، وتدعو إلى التسليم وعدم المقاومة، كانت الظروف بالغة الحرج، وعامة الأمراء المماليك يميلون إلى المسالمة مع الغازيº تجنبًا للقاء غير مضمون.. لكن \"قطز\" كان الرجل الذي اختارته الأقدار لمثل هذا الظرف التاريخي المعقد، فنفخ من روحه الوقادة في نفوس أمرائه، وطالبهم بالثبات والصمود والوقوف والتحديº فمواجهة الغزاة لا مفرّ منها، ومقاومتهم أمر يوجبه الدين والكرامة.

 

ولم تكن مواجهة العدو أمرًا سهلاً، فاستعان \"قطز\" بـ \"العز بن عبد السلام\" سلطان العلماء في تعبئة الروح المعنوية للأمة، واستنهض همم الناس للجهاد في سبيل الله، وأجبر الأمراء على إخراج ما عندهم من الأموال للمساهمة في الاستعداد وتجهيز الجيوش، وتصالح مع خصومه من الأمراء، ووضع يده في يد الأمير\"بيبرس البندقداري\".

 

ولما أتمّ استعداده أصرّ على الخروج لملاقاة المغول، ورفض أن ينتظر ويلتقي بهم في مصر، والتقى بالمغول في يوم الجمعة 25 رمضان 658هـ في لقاء حاسم، وعلت في الميدان صرخةُ وآسلاماه، فسرَت في نفوس الجند حماسة وقوة، وانتفض المسلمون على المغول في ثبات ويقين حتى تحقق النصر العظيم، وسقط قائد المغول \"كتبغا\" صريعًا في أرض المعركة، وأنقذ هذا النصرُ العظيم العالم الإسلامي من هذا الخطر الداهم، وأنقذ حضارته من الضياع، وأعاد الثقة إلى الأمة بعد أن كادت تضيع، وتدارك السقوط المروع في بغداد..، وهو أمر يعجب له الإنسان أنه حدث بعد عامين فقط من سقوط بغداد.. الأمر الذي يوضح حيوية الأمة الإسلامية وقدرتها على احتواء أعتى المشكلات وأشد الهزائم والنكبات.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply