بسم الله الرحمن الرحيم
نعم.. ليس للداعية إلى الله موسم ينام فيه ويستريح من تبعات الدعوة ومسئولياتها..
كيف وهو يجد راحة نفسه في التعب لأجل دينه، يتحمل بدنه ثقل التنقل من مكان إلى مكان، والإنفاق على دعوة الله من قُوته وقوت عياله في مقابل رضاً يطلبه من الله، ولذةٍ, يستشعرها حين يُسمِع كلمةَ الله للآذان والقلوب، وحلاوةٍ, يحسها حين يَرشَح أدبُ الدين وإسلام الوجه لله - تعالى - من لسانه ويده وجوارحه كلها.
الداعية إلى الله له فرحتان مِثلُ الصائم:
فرحة كلما خاض غمرة من غمرات الحياة، يُرشِد ويدِل ويعلِّم ويرسِّخ للدين مكانَه الحق في مجتمع الناس، وقد قالها أحد السلف: \"كلما رأيت وجه مريدٍ, هُدي على يدي شبعت وارتويت\"، فهو يجد اللذة والسعادة والهناء.
فرحةٌ أكبر بلقاء الله حين يلقاه ليوفيَه أجره بعد أن أخلص له - سبحانه - السعي والعمل، ولم ينسَ الناسَ في دعوته وإرشاده، وإن نسيهم في أُجرته، وطلبها من ربه وحده.. \" إِن أَجرِيَ إلاَّ عَلَى اللهِ\" (سبأ: من الآية 47)، لا يستريح الداعية إلى الله إلا بهذه الفرحة الكبرىº فرحةِ اللقاء الجميلº لذلك فهو دائمًا يجدٌّ ويعمل، إلا أنه إذا أتاه يوم من أيام النفحات الربانية ومواسم الطاعات استقبله من بعيد، وانبعثت فيه روح وثَّابة أكثر مما يكون في الأيام الأُخَر.
كذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدرسةً في الخير كله طوال عامه كله، فإذا جاء شهر رمضان ازدادَ جودًا على جوده وعبادةً على عبادته.. \"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسَه القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل - أجود بالخير من الريح المرسلة\" (أخرجه البخاري).
فمواسم الطاعات هي مواسم الدعاة إلى اللهº حيث ينشر الله على العباد رحمته، فيَبرُز إلى الدعاة من كان مختبئًا في بيته، ومن حجبتهُ الدنيا وراء أسواقها وأبوابها وميادينها وطرقاتها، ومن حجب رغيف الخبز ومشاغل العيش وجهَه عن المساجد وعن طريق الدعاة وتأثيرهم.
أيها الداعية، حرِّر نفسَك والناسَ تحريرًا ينفعك وينفعهم أبد الدهر من التعبد لدنيا حقيرة، ومن إحسان الظن بالخلق وإساءته بالله، والخوف من المخلوقين دون الخالق، حرِّرهم من هذا ومن الانشغال بما لا حصادَ منه إلا الندم عندما تَهِن العظام، ويشيبُ الشَّعر، والندم الأكبر حين نقف للحساب بين يدي الله - سبحانه وتعالى -.
أيها الداعية، قد أتاك سعدُك، حيث أقبل الناس على الله، فخذ بيدهم تثبُت أنت، وتنجُ وينجُ معك الكثير من الخلق.. خُذ بحلقومك وحلاقيم الناس أن يتهافتوا في النار انشغالاً ب\"الفرجة\" على توافِه الشاشات الصغيرة والكبيرة، وتسليةِ الصيام بما يجرح جلاله، ويُغضب الجليل في عليائه، وامنح الناس أملاً في رحمة الله الواسعة، ولكن قل لهم: \"إن رحمة الله قريب من المحسنين\"، فأحسنوا تشملكم الرحمة.
إن أمتنا فقيرة إلى نصر في ميدان الأنفس، ونصر في ميدان التربية والتنشئة، ونصر في ميدان العلم، وفي ميدان القوة الماديةº حتى نحقق ذاتنا أولاً، وحتى يرعوي هؤلاء الذين لا يكفون ليلَ نهارَ عن الاجتراء علينا قضمًا من أطرافنا، وإملاءً للشروط على أمة جريحة.. قال - تعالى -: \"وَأَعِدٌّوا لَهُم مَّا استَطَعتُم مِّن قُوَّةٍ, وَمِن رِّبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم لاَ تَعلَمُونَهُمُ اللهُ يَعلَمُهُم وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيءٍ, فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لاَ تُظلَمُونَ \" (الأنفال:60).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد