بسم الله الرحمن الرحيم
البحث عن فداء طلباً للنجاة من عذاب النار
أسمعتَ عن إنسان يسعى ويجتهد ليلقي بنفسه في النار حتى لا يغرم الفداء؟! وهل رأيتَ أحداً يسير في طريق مليء بالمخاطر محفوف بالأشواك تطارده طوال سيره العقارب والحيات، ثم هو لا يطلب لنفسه النجاةº ضناً منه بتقديم الفداء؟! وهو مع ذلك يرى ويسمع من بعيد من يحذره ويناديه ويلح عليه، راجياً إياه أن يبتعد وينأى بنفسه عن الهلاك، بل ويعرض عليه المساعدة ليخرج من ضنكه ذاك، لكنه يأبى ويصر على عناده ويزداد!
إنك ستظن بلا شك أنه إنسان مخبول قد مسه الجنون وزال عنه عقله، أو طُمست عيناه فلا يرى النور، ولا يدري أين هو، وإلى أين يسير، وما هو مصيره المحتوم.. وستنكر عليه تعريض نفسه للهلاك بعدم استجابته لنداء النجاة وقد لاحت له الفرصة من بعيد!
قد لا تصدق إن عرفت أن هناك أناساً كهؤلاء، قد استزلهم الشيطان فأعماهم عن إدراك الحقيقة الكبرى التي من أجلها خلقوا، ومنحوا نعمة العيش والحياة، لكنهم أبوا أن يقدموا لأنفسهم، فارتكبوا كافة الموبقات، وغرقوا في بحار الشهوات تدنسهم أدران الكفر، وظلم الشرك، وذل المعاصي والآثام، لم يستفيدوا من قصة الفداء فيسعوا لفكاك رقابهم وعتقها من عذاب الله، بل كان الشيطان لهم بالمرصاد، حيث لم يهتموا بتطهير الذات، أو يعيروا قلوبهم أدنى اهتمام، ولم تأخذهم رأفة أو رحمة بتلك الأرواح التي بين جنوبهم، وهم مع ذلك قد لبوا نداء الأجساد دون تأخر، وانساقوا وراء هوى النفوسº ظناً منهم أن في ذلك السعادة لها كل السعادة، وزُين لهم سوء عملهم، كما قال - تعالى -: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) (فاطر8)، وأساءوا إليها وهم يظنون الإحسان فكانوا من (الأخسرين أعمالاً.. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) 104 (الكهف)، أما يوم القيامة فهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا يُقبل منهم فداء مهما بلغ مقداره.
وكلمة (فداء النفس) في اللغة: نقول فاداها وفداها أي أعطى فداءه فأنقذها. ومنها فداء الله - تعالى -إسماعيل - عليه السلام - في قوله - سبحانه -: (وفديناه بذبح عظيم) 107 (الصافات).
البحث عن فداء طلباً للنجاة
وحين يلتقي الجمعان يوم القيامة، مؤمنهم وكافرهم، المطيع منهم والعاصي، تظهر النتائج النهائية.. (فريق في الجنة وفريق في السعير) (7) (الشورى).
وما أشد الحسرة وما أقسى لحظات الندم، حين يعلن الشيطان ويخطب في أتباعه خطبته المعروفة: (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم)... (إبراهيم: 22).
وهنا يبحث الخاسرون عن أي خيط للنجاة به يتشبثون، أو أي أمل به يتعلقون، فينظرون حولهم علّهم يجدون ما يقدمونه للفداء! لكن هيهات هيهات، فليس معهم إلا ما جنت أيديهم، وقد تخلى عنهم الأنصار والشفعاء، وجافاهم الأهل والأبناء (يوم لا ينفع مال ولا بنون) 88 (إلا من أتى الله بقلب سليم) 89 (الصافات).
وأسقط في أيديهم، وتمنوا ما ليس بالإمكان وطلبوا المحال: (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) 107 (المؤمنون).
حاولوا أن يبحثوا حيث لا مجال للبحث وقتذاك، تمنوا أن يجدوا إيماناً وأعمالاً تصلح للفكاك وتقبل للفداء فلم يفلحوا، وزادت حسرتهم حين فارقهم أهل الإيمان إلى روح وريحان ورب راض عنهم غير غضبان. قال - تعالى -: (للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد) 18 (الرعد).
انفضّ عنهم الأهل والخلان، وقد تمنوا لو يقدمونهم فداء لأنفسهم في ذلك الموقف العصيب الذي لا ينجو فيه إلا من رحم الله. قال - تعالى -واصفاً حالهم، مبيناً حيرتهم وخزيهم: (يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا إنها لظى) (المعارج).
وفي الحديث الذي رواه أنس} أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقول له: يابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول: يا رب شر منزل، فيقول له: أتفتدي مني بطلاع الأرض ذهباً؟ فيقول: أي رب نعم، فيقول: كذبت قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل فيرد إلى النار\" (أحمد).
موقف شديد
وعنه أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ قال: فيقول: نعم، فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم ألا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك\" (البخاري).. إنه موقف شديد، وقد حذرنا الله - تعالى -منه وصوّره لنا في آيات كثيرة من القرآن الكريم لنكون على بينة من أمرنا ونأخذ حذرنا، قال - تعالى -: (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) 47(الزمر).
وقال: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين) 91(آل عمران).
وقال: (ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) 54(يونس).
كيف تفتدي نفسك من عذاب الله؟
من رحمة الله - عز وجل - أن جعل لنا من الأعمال الكثير مما نطلب به النجاة من غضبه ونتقرب به إليه.
ومجالات الخير كثيرة ومتنوعة تتناسب مع كل من أراد النجاة، وإن فيها الخير كل الخير لنا في دنيانا مع الأجر العظيم في الآخرة، ومنها:
الإيمان بالله - تعالى -وحبه، والاستقامة على طاعته.. قال - تعالى -: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون) 14(الأحقاف).
وفي الحديث: \"إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون\"(صحيح الجامع الصغير).
التوحيد والبعد عن الشرك: وهو ركن الأساس لقبول العمل الصالح مع ما يتبعه من إخلاص، قال - تعالى -: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) 65(الزمر).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"لا يشهد أحد أنه لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فيدخل النار، أو تطعمه\" (صحيح الجامع الصغير).
طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: وفي الحديث: \"كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى\". قيل: ومن يأب يا رسول الله؟ قال: \"من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى\" (البخاري).
اتباع القرآن الكريم: قال - صلى الله عليه وسلم -: \"القرآن شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار\" (الطبراني).
الثبات حتى الممات، وأداء حقوق العباد: قال - صلى الله عليه وسلم -: \"من سَرّه أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وليؤت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه\" (مسلم). لذا فاسأل الله الثبات واتخذ الأسباب المعينة عليه.. (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) (8)(آل عمران).
التوبة والعمل الصالح: (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا) 60(مريم).
تجديد التوحيد وكثرة الاستغفار والبعد عن الهوى: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"وعليكم بلإ إله إلا الله والاستغفار، فأكثروا منهما، فإن إبليس قال: إنما أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون أنهم مهتدون\"(أخرجه الحافظ أبو يعلى).
سؤال الله - تعالى -جنته والاستعاذة به من ناره: قال - صلى الله عليه وسلم -: \"ما سأل رجل مسلم الله الجنة ثلاثاً إلا قالت الجنة: اللهم أدخله، ولا استجار رجل مسلم الله من النار ثلاثاً إلا قالت النار: اللهم أجره مني\"(أحمد).
حسن تربية البنات: \"ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهم إلا كنّ له ستراً من النار\" (البخاري).
الصدقة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"اتقوا النار ولو بشق تمرة\" (البخاري). وقال: \"كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس\"(أحمد).
اختر لنفسك أيها الإنسان
كل ذلك نستلهمه من قصة الفداء التي تزورنا كل عام، فكم فيها من عبر وعظات ودروس نافعات، لو نظرنا إليها بمنظار العدل والإنصاف دون تطفيف أو استخفاف لغيّرت من أحوالنا، ولأصلحت من قلوبنا التي تشتاق هي الأخرى لعطاء مولاها وهداياه، بما تعمل من صالحات هي في الحقيقة تحصى للإنسان منذ بلوغه سن التكليف بالإيمان والعمل إلى أن يموت ويوارى جسده في التراب، وفي تلك اللحظة التي سيمر بها كل أحد، عندما يرجع عنه الأهل والخلان، ويقسم ماله بين الولدان، يتمنى أن يعود، ليكثر ما بحوزته من عمله الصالح الخالص لله، كنز الفداء له من العذاب، ووثيقة التأمين له من دخول النار..لذا فاختر لنفسك أيها الإنسان وأعدّ نفسك لما هو آت.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد