بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد:
أيها الأخوة في الله: فإني أوصي نفسي وأخواني بتقوى الله التي هي رأس الأمر كله فإن الله - سبحانه وتعالى - أكثر ما ذكرها في القرآن آمراً بها مبيناً لفضلها وموضحاً لثواب أهلها ومحذراً لمن لم يعمل بها وتعدد الحديث كثيراً عن التقوى في القرآن الكريم وما ذاك إلا لأهميتها وأنها هي الخير كله والتقوى هي الزاد الحقيقي الذي يوصلنا إلى الله: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلبَابِ} [(197) سورة البقرة] فكيف وربنا - جل وعلا - أمرنا أن نتقيه في كتابه كثيراً فقال - جل وعلا -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ مَّا قَدَّمَت لِغَدٍ, وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ} [(18) سورة الحشر] فأوصي نفسي وأذكر نفسي وإخواني بهذا الأمر الذي لا بد للمؤمن منه فضلاً عن طالب العلم والمشتغلين بعلوم الشريعة فإن مقدار تقوى الطالب لله - جل وعلا - وهو المقدار الذي يحصل به العلم ويفتح الله به مغاليق قلبه وسمعه وبقدر ما يتقي الله الطالب بقدر ما ينعم الله عليه ويفيض عليه بعلمه.
فيا أيها الأخوة في الله كملتي عن \"الثبات\" أسأل الله - جل وعلا - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتنا على دينه حتى نلقاه وأن يجعلنا ممن يستعمله في طاعته وأن يحفظنا بحفظه الذي يحفظ به عباده وأولياءه الصالحين.
أيها الأخوة في الله: إن الأمة يمر عليها ظروف شتى وحالات من الرخاء والشدة واليسر والعسر، والله - تعالى -أنزل منهجه لكي يتعبد العباد إلى الله بهذا المنهج الذي أنزله إليهم في كل الأوضاع وعلى كل حال وفي شتى الظروف والمتغيرات ولذا فإن الرسول - عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام - عندما بدأ في دعوته إلى الله وتبليغ دين الله لقي من هذه الظروف وهذه الشدة الابتلاءات ما كان ظاهراً بل حتى أصبح معلم البلاء أو الابتلاء في بداية دعوته - صلى الله عليه وسلم - معلماً ظاهراً ومدرسة تربوية يانعة فإذن هناك منهج في القرآن يرسم لنا الثبات ويبين لنا ويوضح لنا معالم الثبات في كل الظروف على كل الأحوال واليوم أيها الأخوة في الله تمر الأمة كما مرت من قبل بحق كثيرة من التاريخ بشدة وصعوبة وابتلاءات والثبات على دين الله هو المعلم الذي يجب أن يكون ظاهراً في حياة المسلمين وأن يتعاملوا به من خلال تمسكهم بمنهج الله الذي أنزله إليهم ولو تأملنا القرآن العظيم والسنة النبوية لوجدنا أن الله - تعالى -ربى رسوله - عليه الصلاة والسلام - والمؤمن على الثبات في كل الأحوال في الرخاء والشدة والعسر واليسر ولذا فإن منهج الثبات موجود في القرآن والسنة والله - تعالى -أولاً بين لنا أنه يثبت من يشاء أي أن الذي يملك الثبات هو الله وأن الثبات إنما هو من عند الله لا من عند غيره ولكنه - جل وعلا - بين لنا من يستحق الثبات فجعل يستحق الثبات من وصفهم بالإيمان لذا يقول الله - تعالى -: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلٌّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [(27) سورة إبراهيم] فقال: الذين آمنوا.
بل إن الله - تعالى - أمر المؤمنين دون غيرهم بالثبات في موقع الخطر فقال - جل وعلا -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُم تُفلَحُونَ} [(45) سورة الأنفال] وبين لنا - جل وعلا - أنه يستجيب لعباده الصادقين المخلصين المقبلين عليه بيقين تام وإيمان كامل حينما يشتد بهم الخطر ويحدق بهم الأعداء فإن الله - تعالى -يستجيب لهؤلاء المؤمنين على ما هم فيه من القلة والضعف فيثبتهم وينصرهم فقد ذكر الله - تعالى -لنا عن أجناده المؤمنين الذين دعوه أن يثبتهم فكان ذلك فقال - جل وعلا -: {وَمَا كَانَ قَولَهُم إِلاَّ أَن قَالُوا ربَّنَا اغفِر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَثَبِّت أَقدَامَنَا وانصُرنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ} [(147) سورة آل عمران] والله - سبحانه وتعالى - استجاب لهم وأعطاهم النصر، وأيدهم بالثبات لكن انظر اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا افتقار إلى الله والاعتراف بالحاجة إليه والخروج من كل ما علق بك من الذنوب والخطايا التي تشكل حاجزاً بينك وبين الله - جل وعلا - وتطهير النفس والإقبال على التربية بصدق {وَثَبِّت أَقدَامَنَا وانصُرنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ} لأنهم أعداء الله - جل وعلا - فالله أعطاهم ما سألوه - تعالى -.
أيضاً أيها الأخوة في الله: إن الله - تعالى - حذر رسوله أن يستمع إلى الكافرين أو يميل إليهم أو يأخذ ببعض ما يعرضون أو يركن إلى شيء مما يقولون مع أنه - صلى الله عليه وسلم - حاشاه أن يفعل ذلك ولكنها تربية ربانية {وَلَولاَ أَن ثَبَّتنَاكَ لَقَد كِدتَّ تَركَنُ إِلَيهِم شَيئًا قَلِيلاً} [(74) سورة الإسراء] حتى الركن إلى ما يخالف أمر الله ولو كان قليلاً فإن الله لا يرضاه ومعنى هذه الآية أيها الأخوة أن الله - تعالى -يريد ثباتاً كاملاً وإخلاصاً صادقاً وإقبالاً تاماً فلا يجوز الركن إلى أعداء الله - تعالى -أو الاستسلام إلى ما يغضب الله - جل وعلا - من النفس أو الغير ولو كان شيئاً قليلاً وبهذا نأخذ أن من أهم أسباب الثبات الإيمان بالله - جل وعلا - كما سمعتم في أول آية {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَفِي الآخِرَةِ} [(27) سورة إبراهيم] وأن المؤمنين هم الذين يستحقون النصر والتمكين والثبات كما سمعتم في الآية التي تليها وإن الله - تعالى -بين لنا أن من الثبات الخروج من المعاصي والخروج من المخالفات وإحداث التغيير في النفس {ربَّنَا اغفِر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَثَبِّت أَقدَامَنَا وانصُرنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ} [(147) سورة آل عمران] وبين لنا - جل وعلا - أن التصميم واليقين الكامل على الثبات وعدم التنازل عن شيء ولو إلى ما يخالف أمر الله ولو كان شيئاً قليلاً لأن هذه العقيدة الثابتة من أسباب الثبات ولذلك ننظر مثلاً في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما تلقى هذا المنهج من القرآن العظيم من ربه - جل وعلا - في القرآن الذي أنزله إليه فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ترجم هذا الأصل العظيم وهذه التربية القرآنية التي تلقاها إلى واقع يربي عليها الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين -.
منذ بداية الدعوة تعلمون أيها الأخوة ماذا أو ما الذي لحق بالمؤمنين ضعفاً كبلال وصهيب وعمار وأبيه وأمه - المستضعفون من الصحابة - وكيف أنهم لقوا شدة ومحنة عظيمة من الكافرين وقلة يد وفقر شديد حتى إن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - يأتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلب منه النصرة والدعاء\" ألا تدعوا الله لنا ألا تستنصر لنا؟ لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أدرك أن خباباً إنما يقول هذا الكلام من شدة المعاناة فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرسم له المنهج - منهج الثبات المطلوب وأن هناك ما هو أشد وأعظم مما أنتم فيه وأن الله - تعالى -قد ابتلى من قبلكم فثبتوا وصبروا فنصرهم الله فقال له: \"لقد كان يؤتى بالرجل فيمن كان قبلكم فيمشط دون لحمه وعظمه لا يصده ذلك عن دينه شيئاً\" هذا هو الشاهد يعني لا بد من الثبات \"وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون\" [صحيح ابن حبان (7/156) رقم (2897)، والمعجم الكبير للطبراني (4/63) رقم (3639-3640)] لأن ضد الثبات هو الاستعجال فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بين ما أنتم فيه وأنه فيمن كان قبلكم كان ما هو أشد لذلك خباب لم يجد بداً من أن يصبر ويحتسب ويرجع بدل أن جاء بقلب مكلوم ونفس ضعيفة رجع بقلب ملأه الإيمان واليقين والاحتساب ونفس عالية بحماس ونشاط وتحمل جديد في سيبل ما يلاقونه من الأذى فعلمه الثبات.
موقف آخر أيضاً على مستوى جماعة المؤمنين كلهم لا على مستوى الفرد كما مر في حديث خباب..
في غزوة الأحزاب وكلنا يدرك ما حصل في غزوة الأحزاب إذ تجمع أعداء الله وقبائل العرب واليهود من الداخل وأهل الكتاب عموماً وهكذا شكلوا تآمراً وتحالفاً واجتماعاً على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ومع ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى هذه التصرفات ولكنه ينظر إلى النصر قبل وجهه ويسمع عن هذه المخاوف كلها وهذه المخاطر ولكنه موقن بنصر الله - تعالى -والثبات من الله له ولأصحابه فماذا كان يقول - عليه الصلاة والسلام - سوف نجتزؤ فقط من هذه الغزوة حتى ندرك كيف يعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - شكلاً واقعياً أصحابه ويربيهم على الثبات حينما كان يحفر الخندق كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يبشر بملك يعود إلى الإسلام ملك كسرى وقيصر وإن ملكهم وما هو فيه من الملك وسؤدد وجاه كل ذلك سيعود إلى المسلمين وكان كما في حديث البراء بن عازب في صحيح البخاري كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحفر الخندق ويرتجز بكلمات ما هذه الكلمات وهي الشاهد كان يقول - صلى الله عليه وسلم -:
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الأولى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا [صحيح البخاري (4/1507) رقم (3880)]
يقول الراوي وكان يرفع صوته بقوله (أبينا، أبينا، أبينا) غرساً لمفهوم الثبات أكثر وأقوى وإشارة إلى أن الثبات على العقيدة والإيمان بالله - تعالى - وعلى هذا الدين هو ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه
الشاهد أيها الأخوة من هذا: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كيف كان يربي أصحابه في هذه المحنة العظيمة وهذا الخطر الكبير الذي أحدق بالمدينة كلها ومع ذلك كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يربيهم عملياً على الثبات.
وأما حياته - عليه الصلاة والسلام - وما فيها من مواقف الثبات فإنها كثيرة وحافلة جداً فإنه - صلى الله عليه وسلم - عندما عرض عليه الكافرين أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدون إلهه سنة فإنه - صلى الله عليه وسلم - ثبت ورفض هذه الحيلة وبين أن المؤمن ليس له ذلك فضلاً عن الرسول فأنزل الله - تعالى -: {قُل يَا أَيٌّهَا الكَافِرُونَ، لَا أَعبُدُ مَا تَعبُدُونَ} [سورة الكافرون]. والشاهد في هذه السورة {لَكُم دِينُكُم وَلِيَ دِينِ} ليس هناك إنصاف ليس هناك تنازلات ليس هناك مصالح موهومة ليس هناك تراجع عن الطريق هذا ليس موجوداً في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس من منهجه إنما الثبات التام الكامل ومع ذلك ومع هذا الثبات كله ومع أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم أصحابه الثبات ويربيهم على الثبات إلا أنه كان يتعبد الله - تعالى -أن يثبته على الدين حتى إن عائشة - رضي الله عنها - في الصحيح تقول: \"كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك\" [الحديث في المسند برقم (6610-9410)] هذا كله أيها الأخوة من أجل أن نعلم أن عنصر الثبات مهم في حياة المسلم وفي حياة المؤمن.
نحن أيها الأخوة في مثل هذه الظروف التي نعيشها نحتاج إلى أن نرجع إلى القرآن، وأن نقرأ آيات الثبات ولكن نقرأها بإمعان وتدبر من أجل أن نؤثر فينا وفي نفوسنا وأن نحدث التغيير الحقيقي المطلوب منا من قبل ربنا - تعالى -وأن نثبت على دين الله - تعالى -فقد بين لنا أنه لا يمكن أن يغير أو يكشف شيئاً في حياة الناس حتى يغيروا ما بأنفسهم فقال: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ يَحفَظُونَهُ مِن أَمرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ, حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم} [(11) سورة الرعد] هذه سنة الله - جل وعلا - فمن هنا أقول لإخواني أننا نحتاج إلى الثبات.
المجالات التي تحتاج فيها إلى الثبات كثيرة كم نتعرض إلى الفتن والشهوات اليوم التي تعرض بكل أنواعها وألوانها وزخارفها ومطيتها القريبة والبعيدة فإن المسلم يحتاج إلى الثبات على دين اللهº لأن أعداء الله - تعالى -يهمهم كثيراً أن نميل إلى الشهوات لأن الله بين لنا فقال: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيمًا} [(27) سورة النساء] فالوقوف أمام الشهوات هذه كلها لا بد فيه من الثبات على دين الله - تعالى -، كذلك الشبهات التي أصبحت اليوم تطرح بشكل رسمي وغير رسمي شبهات تتعلق بالتصور الإسلامي بالعقيدة بتوحيد الله - تعالى -مفهوم هذا الإسلام ومقاصد هذا الدين قواعده الكلية: أحكام هذا الدين أخلاق هذا الدين شبهات كثيرة اليوم تطرح وبأكثر من وسيلة وفي مجالات شتى ليس في المجالات التعليمية والإعلامية فقط فنحن إن لم يكن عندنا ثبات على دين الله وتربينا على الثبات الذي هو منهج الله الذي أنزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المؤمنين كيف سنواجه الشبهات كلها.
إذن لا بد لنا من الرجوع إلى القرآن حتى يعصمنا الله وحتى يحفظنا الله - تعالى - بحفظه وإلى سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى نتربى على نحو ما تربى عليه الصحابة الكرام.
لنا أن نأخذ مثالين ليس من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكنه من حياة من بعده من خلفائه ولكم أن تتصوروا كيف يصنع الثبات بالناس بل هناك من المواقف التي فيها ثبات فيحفظ الله بها أمة الإسلام كلها.
فانظر مثلاً الفتنة التي واجهها أبو بكر الصديق وهي فتنة المرتدين لما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذه الفتنة أيها الأخوة ثبت فيها أبو بكر - رضي الله عنه - وأخذ الصحابة يأخذون معه ويقومون معه ويقاتلوا هؤلاء الذين رجعوا عن دفع الزكاة ولا يزالون بأبي بكر ومنهم عمر ومن عمر؟؟ الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"إن الله أجرى الحق على لسانك يا عمر\".
ولكن انظروا إلى أبي بكر - رضي الله عنه - يثبه الله - تعالى -، وكان منه هذا الموقف الثابت، والله وحلف بالله وأقسم والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فيقول عمر: وهذا في البخاري يا إخوان ما هو إلا أن علمنا أن الله قد شرح صدر أبي بكر للحق فاتبعناه أو فتابعناه\" [الحديث في صحيح البخاري (2/507) رقم (1335)] وهذا معلوم أن هذا الثبات حفظ الله به ليس أبا بكر فقط لكن أمة الإسلام كلها وأصبح حكماً شرعياً قضى به أبو بكر الصديق ووافقه الصحابة فأجمعوا فأصبح إجماع الصدر الأول الذين رباهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على يده والذين نزل القرآن عليهم فانعقد إجماعهم على هذه المسألة وقتال من منع الزكاة إذا انتفع المسلمون في ذلك الوقت وانتفعت أمة الإسلام بهذا الموقف إلى يوم القيامة.
وعمر - رضي الله عنه - وهو موقف من مواقف الثبات حينما كان - رضي الله عنه - أمير المؤمنين وكان خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المؤمنين من بعد أبي بكر ويعلمون أن في عهد عمر - رضي الله عنه - حدثت فتوحات كثيرة واستجدت مسائل كثيرة فكان - رضي الله عنه - من الحزم والثبات الذي لديه أن أنشأ مجلس الشورى كما تعرفون من كبار الصحابة وعلمائهم السنة المباركين فقضى في مسائل - رضي الله عنه - كثيرة لكن انظروا إلى هذه الأمور أو إلى ما سأذكره فانظروا مثلاً عندما افتتن كثير من المسلمين بخالد بن الوليد لأن خالداً ما خاض معركة إلا انتصر فيها كما تعرفون إلا قليلاً منها عزله وولى أبو عبيدة إنما كان ذلك حتى أنه رجع في هذا الأمر وعند موته - رضي الله عنه - تندم على هذا الأمر ولكن هذا الموقف كان موقفاً محموداً وكان سداداً وثباتاً من الله لعمر فربى عمر - رضي الله عنه - المؤمنين على الولاء لله والظن يكون بالله وطلب النصر من الله وأكد على هذا الأمر لأن عمر خشي على الناس وأنهم إن لم يخوضوا المعركة مع خالد فإنهم ربما يهزمون وقد دب إلى بعض نفوس المؤمنين شيئاً من هذا فكان هذا من مواقف الثبات من عمر - رضي الله عنه - وإصراره على ذلك فحفظ الله المؤمنين وانتصروا وكان خالد - رضي الله عنه - جندياً حياً قائداً في تلك المعركة ونصر الله المؤمنين وحمد بعد ذلك كبار الصحابة هذا الفعل من عمر - رضي الله عنه -.
الشاهد أيها الأخوة: أن الثبات مطلوب في مواطن الفتن ونحن اليوم نعيش في مثل هذه الظروف فنحتاج إلى الثبات على دين الله - تعالى - وذلك لأنه حاجة ماسة وملمة في نفس الوقت.
واعلم أخي أن الثبات هو دليل الإيمان ودليل اليقين بالله - تعالى - وأن الثبات فلاحº لأن الله - تعالى - ذكر أن التائبين عند مواقع الخطر من المفلحين {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُم تُفلَحُونَ} [(45) سورة الأنفال]. ولا أنسى في الأخير أن أذكر أخواني المسلمين أنه في مثل هذا الوقت الذي انتشرت فيه الفتن وكربات المسلمين واجتمع عليه من الأقطار والابتلاءات الشيء الكثير فكان لا بد لنا نحن معاشر المؤمنين وطلاب العلم على وجه الخصوص من الثبات على دين الله - تعالى -وعلى مبادئ الإسلام وعلى أصول هذا الدين وعلى أحكام هذه الملة والاعتصام بكتاب الله {وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [(103) سورة آل عمران] والتمسك بهذا الدين والدخول فيه بكليتنا وكافة أحوالنا {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادخُلُوا فِي السِّلمِ كَآفَّةً} [(208) سورة البقرة].
فلعل هذا الكلام إن شاء الله يكون ذكرى لنا وأن ينفعنا الله به وأن يجعله حجة لنا عنده - سبحانه وتعالى - فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتنا على دينه وأن يجعلنا أهلاً لفضله ورضوانه ورحمته وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يثبت أقدامنا وأن ينصرنا على القوم الكافرين.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد