بسم الله الرحمن الرحيم
أمواج من البشر، ملايين الأصوات، جموع من الكتل البشرية تموج يمنة ويسرة، تعبر الشوارع والطرقات، أرض كانت بالأمس ولمدة ثلاثمائة وأربعة وستون يوما صحراء موحلة قاحلة فإذا بها في يوم واحد تموج بالآلاف بل بالملايين تقارب الثلاثة تزيد أو تنقص، ثم هي بعد ذلك تعود كما كانت، يوم يحي الله تعالى فيه بقعة من الأرض تهفو القلوب إليها طوال أيام العام ولكنه الله تعالى جعل لها أعلى القيم في حياة المسلم يوما واحدا فكان هو اليوم فيا لله ما أعظمه من إله يرفع ويضع، بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله.
عزيزي الشاب:
سألته فأخبرني، سألته هل تحرص في هذه الأيام على رؤية الجموع الغفيرة تجوب الأراضي المقدسة تؤدي المناسك وتنتقل من موضع لآخر؟، هل تتتبع أخبارهم وتعرف تفاصيل رحلتهم المقدسة تلك؟، هل تسير في الطرقات وقلبك ينبض بـ لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك؟ هل تشعر وأنت تسير في هذه الطرقات برغبة ملحة أن تجهر بالتكبير لله رب العالمين وأن تدعو الجموع الغفيرة في كل بلاد المسلمين إلى أن يصنعوا من المشهد المرتقب في أرض عرفات المقدسة مشهدا متكررا في كل بقاع الإسلام في دولتك ومدينتك وحيك وسكنك ومنزلك؟
ترى كم من الشباب سيجيبني بالنفي القاطع!!! وكم منهم سيرى في سؤالي خيالا حالما أو مشهدا لا معنى له!!! ولكن في المقابل كم منهم سيشاركني حلمي ويشعر بمشهد قلبي وأنا أرجو من الناس كلهم أن يستجيبوا وتتجاوب أرجاء أجسادهم وأرواحهم إلى هذا النداء الجليل لبيك اللهم لبيك فقد اكتفينا من نداءات النفس المؤذية لبيك أيتها النفس الفاجرة لبيك، لبيك أيتها النفس المبعدة لنا عن جناب الله تعالى ومقام المولي القدير الرحيم، كفانا: لبيك أيتها النفس في كل ما تأمرين وتشيرين، فنحن عبيد أهواءك وجنود أوامرك ورغباتك، وأنت تقوديننا إلى الهاوية ولا شك، حقا لقد اكتفيت ولا بد أن فيكم الكثير من أمثالي ممن اكتفوا من هذا الخطاب الداخلي العنيف يتملك علينا جوانحنا وجوارحنا لا لبيك أيتها النفس ولا سعديك ولا إجابة لك بعد اليوم فالنداء الآن وإلى آخر المقام في هذه الدار بإذن رب العباد جل وعلا \' لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك \' نداءا واحدا لا تردد فيه بعد اليوم ولا استثناء وتوبة صادقة تعلنها قلوبنا بلا نظر إلى ضعفنا أو جهلنا أو غيرها من المعوقات والأوهام الشيطانية التي تفسد بها أنفسنا علينا لحظات السعادة في الصدق والإنابة والوقوف بين يدي الرب الجليل عبيدا ضعافا صغارا في أقوى درجات الفقر والحاجة والخضوع والذل لا ملجأ لنا منه إلا إليه سبحانه، وها نحن بين يديك ربنا فهلا تقبلنا على ما فينا من ضعف وعجز وفقر وذل وإساءة وتجاوز، ها نحن يا مولانا عبيدك ملك أمرك، ووالله ما تجرأنا إلى مخالفة مقامك إلا لجهلنا وغبائنا وغفلتنا، فأنقذنا من أسر أنفسنا وشهواتنا وأوهامنا وحررنا من عبوديتنا لغيرك إنك أنت سبحانك نعم المسؤول ونعم المرجو منه الإجابة.
هيا بنا أعزائي الشباب دعونا نحيي هذه الأيام الطيبة المباركة بالتكبير والتهليل والنداء المبارك الطيب نصرخ به من أعماق قلوبنا وفي أعلى وتيرة أصواتنا \' لبيك اللهم لبيك \' حتى تبح الأصوات ويخرج من القلوب كل نداء آخر مبدؤه لبيك وختامه ما دون الله- تبارك وتعالى -إنه سبحانه ولا غيره هو المستحق الأوحد لهذا النداء فدعونا نوحده في داخل ذواتنا لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك.
أتعلم عزيزي الشاب أن هذه الأيام العشر كانت في عهد النبي صلي الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله تعالى ومن بعدهم كانت أياما لا تختص بفضيلتها وبث الحياة فيها الأراضي المقدسة فقط بل كانت فرصة لحياة أمة الإسلام كلها، كانت الجموع تخرج إلى الأسواق والطرقات شبابا ورجالا وأطفالا الجميع يكبرون ويهللون ويملؤون الأرض بهذا التكبير يرج الأرض ويهز الجبال ويملأ القلوب بالنداء المحبب إلى القلوب المؤمنة \' لبيك اللهم لبيك \' بالله عليك استحلفتك إلا جربت هذا الأمر قله وأنت مع نفسك وأنت جالس مع الآخرين \' لبيك اللهم لبيك \' وارفع به صوتك مرات ومرات تلو بعضها الواحدة تلو الأخرى وأخبرني عن حال هذا القلب بعد تكرار النداء بصوت مرتفع ألم تشعر به يطير ويرفرف عاليا إذا أجبتني بالنفي أجبتك إرفع صوتك أكثر اصرخ بها خاطب بها خارج نفسك وهي لا بد ستدخل إلى هذه النفس وعلى قدر ما تعودت من الاستجابة الواقعية على مدار الأيام لنداء لبيك اللهم لبيك على قدر ما ستستشعر هذا المعنى الجليل.
عزيزي الشاب شاركني ولا تتوقف حتى لو لم تشاركني الرأي والاقتناع بما أفعل فماذا ستخسر؟ دقائق وحسنات هلم وقلها بأعلى ما تملك من صوت وبأصدق ما تحمل من معاني وبأقوى ما تحوي من مشاعر قلها ولا تخجل ولا تفكر ولا تسل نفسك قلها فقط واحملها إلى داخلك بقوة صوتك وصدق مشاعرك أغمض عينيك وتخيل نفسك تقف ها هناك بين ملايين الجموع كلهم يبكي يتأوه يتألم من ذنوبه يشتكي من عثراته يرجو غفران ذنبه يشعر بفقره الكامل يخشى أن تمر الأيام ويرجع إلى بلده وبيته خائبا خاسرا لم ينل مما ارتحل في سبيله شيئا ها هم حولك هل تراهم هل تشعر بهم أين أنت فيهم وماذا تفعل؟، قف لا تنشغل بهم ابحث عن نفسك هل تجدها؟ ها هي هناك إنها تائهة لا تدرى أين تذهب أسرع خذ بيدها واحملها إلى باريها وربها وموجدها وخالقها احملها فهي عاجزة ضعيفة ثم عد معي واصرخ بأعلى ما لديك من صوت \' لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك \' ثم أجبني بعد ذلك أما زال هذا القلب لم يتأثر ولم يهتز لجلال هذا الموقف بلي إني على ثقة أن تكرار هذا المشهد أمام هاتين العينين المغمضتين مرة تلو الأخرى على مدار هذه الأيام التسع حتى نصل إلى اليوم الأعظم يوم الغفران والقبول والفوز والنجاح لا بد لهذا المشهد أن يهز جلال القلب ويعصف بكيانه ليفتك بنداء \' لبيك أيتها النفس \' وينسفه نسفا ويحل مكانه نداء \' لبيك اللهم لبيك \' نداء يعمر هذا القلب فيسكن إليه ويرتاح لجنابه فهيا معي فهذا أوان نسف أوهام النفس والشيطان والباطل وهدم مبانيها الخواء بداخلك وهذا وقت بناء قصور الإيمان وأشجار اليقين وبحور الأمان فهلا استجبت لندائي وهلا صرخت بأعلى ما تملك من صوت \' لبيك اللهم لبيك \' أنا بانتظارك هناك حيث يتجمع أمثالي وأمثالك ممن رفعوا أصواتهم بهذا النداء يصرخون طالبين ألا يكون نداء بضعة أيام في العام بل هو نداء العام كله بل الحياة كلها \' لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك \'
عزيزي الشاب لك مني جزيل الشكر على مرافقتك لي في هذه الرحلة إلى قلب الأراضي المقدسة أو بالأحرى على مساعدتي على نقل جلال هذه المشاعر إلى قلبي وقلبك وإلى حين لقاء آخر لك مني خالص الحب والإجلال والتقدير والاحترام
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد