إذن..فلا يأخذنك العجب حيرةً، ولا يحركنك النبأ همةً، في صبي ينبوا عن الرذائل ويفزع عن النقائص، ويعتزل الصبيان!
لقد استبدل لثغة الطفولة، بفصاحة الرجولة.
عفواً.. هو ليس بشاب! ولكنه طفل!
قرأت خبره في ورقة، وتأكدت من هذه القصة، فجئتكم بنبأ يقين.
عمره ست سنوات، عفواً، أعيد حتى تسمع جيداً! عمره ست سنوات!
في الصف الأول الابتدائي، يحفظ من القرآن ثلاثة عشر جزءً، (يا يحي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا)
من السُنة ما يقرب من خمس مئة حديث، وليس هذا هو موطن العجب، فلربما شاركه غيره في ذلك!
ولكن العجب في مواقف حصلت منه، تقصر عنها همم الرجال!
كأني به يستشري سبل المعالي، ينظر بعين عقله، لا بعين جسمه وسنه، يطأ بقدمه طريق الشهوات ليحطمه، يحتكم بلسان الحكماء وتجربه الشيوخ، يستثير الألسن الصامتة، ويحرك الأقلام الراقدة، غريب في نفسه ومزاج عقله، ونزعات أفكاره وأساليب تفكيره، غير مطبوع على غرار الرجال، فكيف بالصبيان، فلنستمع إلى شيء من خبره.
يذكر عنه معلمه مواقف حدثني هو بنفسه فيها، حيث يقول: في نهاية الفصل الدراسي الأول، أخرجنا الطلاب لساحة المدرسة لقضاء بعض الوقت في اللعب، أما هو فقد انطلق إلى المكتبة، فهي قرة عينه، لا يكاد يفارقها، فقلت له: فلان، قال: نعم، فقلت: لمَ لا تذهب مع الأولاد لترفه عن نفسك، فقال: يا أستاذ أتريد أن أضيع وقتي كما ضيعوا أوقاتهم!
يقول الأستاذ: فسألته عن الإجازة كيف سيقضيها!
فأخبرني أنه قد صاغ جدولاً يستفيد من خلاله في الإجازة، يقول فقلت له: إذن، فأنت لن تستريح في هذه الإجازة؟ فقال: والله لن أرتاح حتى أطأ بقدمي هذه في الجنة! ، وأشار إلى رجله اليمنى، إي والله، هكذا قال! كما حدثني بذلك أستاذه.
لقد ذكرني موقفه هذا بموقف لشيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله تعالى -، عندما كان غلاماً حدثاً، فقد روي أن أباه وأخاه وجماعة من أهل بلده، سألوه أن يروح معهم في يوم عيد وليتفرج، فهرب منهم ولا ألوى عليهم ولا تفرج، فلما عادوا آخر النهار، ولاموه على تخلفه، وما في انفراده من تكلفة ومشقة، قال: أنتم ما تزيد لكم من شيء ولا تجدد!
وأنا حفظت هذا المجلد!، وهذا المجلد هو \" روضة الناظر وجُنة المناظر في أصول للفقه لابن قدامه عليه رحمة الله - تعالى -\".
هذا الغلام!
هذا الحدث!
يحمل هم الدعوة إلى الله - تعالى -، حدثني مديره، أنه ما بين الفينة والأخرى، يدخل علي في الإدارة، فيقوم بثبات واعظاً وموجهاً ومذكراً بالله - تعالى -!
حتى يقول: ألفت منه ذلك، بل جعل ذلك على هيئة وقفات، في زماننا شعيرة كانت شعاراً للسلف، فأصبحت دثارا! لها من حياة هذا الصبي نصيب، بل هو النصيب الأكبر منها، فما يرى من منكر إلا أنكره!
وإن عرف معروفاً أمر به!
ولنستمع في هذا المجال إلى قصته!
يقول معلمه: ومن مواقفه في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول: أتى موجه إلى الفصل فسأل الموجه أحد الطلاب، فأجاب، فقال الموجه للطلاب أحسنت صفقوا له، فما كان من هذا الطفل الذي تربى على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا إن قام وقال: اتقي الله يا أستاذ التصفيق حرام ولا يجوز، وهو من عادات اليهود والنصارى، ثم أردف ذلك بتلاوة قوله - تعالى -: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصديه)
الله أكبر!
هكذا فليكن هم الإصلاح!
لما تخلى الكبار، فلعل طفلاً يحرك فينا ساكنا !
ويشعل نار الغيرة على هذا الدين، بعد أن كادت تكون رماداً!
يقوم الليل، لصلاة الليل، ويوقظ أهله لصلاة الفجر.
بل من أعجب ما سمعت من معلمه هذا الموقف، يقول معلمه: دخلت الفصل في يوم من الأيام، فرأيته مهموماً! فسألته عن السبب، فقال لي: لقد أصابني الأرق، ليلة البارحة فلم أنم، أتظنون معاشر الاخوة والأخوات أنه أرَّقه وأهمه حبيب صد عنه، أو فريق انهزم، كلا، يقول أستاذه: فظننت أنه مريض، فسألته عن السبب وكانت المفاجأة، حين قال لي: أرقتني آية في سورة الرعد!
إذن أفلا نستحي!
فلا إله إلا الله.
أينكـــم يا شباب الأمة!
يا من أرقهم الحب والطرب!
ولا إله إلا الله.
أينكم يا من أرقهم فريق انهزم!
توبوا إلى رشدكم، وعودوا إلى ربكم!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد