بسم الله الرحمن الرحيم
تناولنا في المقال السابق الأساس السابع وهو تدوين الأفكار، وفي هذا المقال نتناول آخر أساسين وهما:
الربط والمقارنة(1)، والإصرار والتحدي.
فالربط والمقارنة بين عنصرين لا علاقة بينهما أو تجمعهما علاقة ضئيلة، أحد أهم الأسس التي ينبني عليها الكثير من الابتكارات، والنظر إلى الأمور المختلفة ومحاولة إيجاد رابط بينها أو فكرة جديدة تجمع بينها من أكبر المداخل إلى عالم الابتكار.
إن الطباخ المبتكر يكسر القالب الذي تعوّد عليه الناس، فيخلط أنواعاً من البهارات لا رابط بينها، ويضيف بعض الخضراوات والمواد، ويخرج منها بلون آخر وجديد من الأطباق، قد يستغربه الناس في البداية، ولكنهم بعد ذلك يبدون الإعجاب والانبهار به.
ومثال الطباخ ينطبق تماماً على جميع المبتكرين، فالمبدأ هو خلط لأمور مختلفة للخروج بأمر جديد، فالهاتف الخليوي الحديث مثال لهذا الخلط المبتكر، الذي خلط فيه مبتكره بين الهاتف والتلفاز والمسجل والفاكس والمذياع وسجل الملاحظات وذاكرة الهاتف والمنبه والكاميرا والكمبيوتر الصغير...وغيرها من الأمور ليخرج علينا بالهاتف المحمول الحديث، وهكذا بقية المبتكرين في أمر الربط والمقارنة.
الأساس التاسع
الإصرار والتحدي(2)
من المحتمل ألا يؤدي الابتكار أغراضه ونتائجه المرجوة، أو لا تصل إلى الحل النهائي في الفكرة الجديدة من المرة الأولى، وبالتالي لابد من الإصرار ومعاودة المحاولة مرة ومرات، والعناد والتحدي حتى يتحقق الهدف، ونصل إلى النتيجة النهائية. فالابتكار حتى ينضج ويؤتي أكله لابد له من إصرار وتحد وعناد.
الإصرار الناجح
ونحن عندما نتحدث عن الإصرار فإننا قطعاً لا نعني الإصرار الفاشل، والذي تنحصر رغبة صاحبه في الوصول للهدف المضر لدينه ودنياه، كالوصول إلى (الزنى أو السرقة أو القتل أو تناول الحرام) وغيرها من الأهداف غير المشروعة.
أسس الإصرار الناجح
هناك أسس ستة للإصرار الناجح:
1 التوكل على الله: وهي الثقة بالله، وحسن الظن به، وتفويض الأمر له.. وذلك بعد بذل قصارى الجهد في العمل بالأسباب الدنيوية، ودراستها بعناية، وإعادة تقييمها إذا فشلنا للوصول إلى الهدف، ومع ذلك فيجب أن نتيقن أن التوفيق بعد كل ذلك بيد الله، فلا نتعلق بالأسباب وننسى رب الأسباب.
2 الهدف المشروع: فلا يصح الإصرار إلا إذا كان الهدف مشروعاً مباحاً، لا تشوبه أي شائبة من الحرام أو الشبهة.
3 الوسائل المشروعة: وكذلك الوسائل المستخدمة في الوصول إلى الأمر المبتكر لابد أن تكون مشروعة.
4 تجنب الأخطاء: فأصحاب الإصرار الناجح يتعلمون من أخطائهم، ويوقنون أن طريق النجاح المؤدي إلى ما يريدون من الابتكار والأفكار الجديدة يمر عبر بوابة الأخطاء والكبوات، وعبر نتائج غير مرضية، فبعد كل محاولة للوصول إلى الهدف، يجلسون مع أنفسهم، ويقيمون ما فعلوا، فيطورون الخطوات الصحيحة، ويجتنبون الأخطاء.
5 الثقة بالنفس: فأصحاب الإصرار الناجح يتعرضون للكثير من المحبطين والمتهكمين والمستهزئين والفاشلين، ولكنهم لا يكترثون بما يقولون ويفعلون، بل إن ثقتهم بأنفسهم، وبإمكاناتهم وقدراتهم تقف كالسد المنيع أمام هذا السيل من الاستهزاء والإحباط.
6 إعطاء الإيحاءات الإيجابية: فهم دائماً يعطون لأنفسهم الإيحاءات الإيجابية: \"إننا سنصل إلى الهدف\"، بل إنهم يتصورون الهدف ماثلاً أمامهم، ويعيشون صورته على الدوام.
استعاذة النبي - صلى الله عليه وسلم -
لذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ من السلبية الذاتية، الخارجة في إيحاء إيجابي يوصله إلى نفسه في الصباح والمساء، على شكل دعاء يقول فيه: \"اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن، والبخل، والهرم والقسوة، والغفلة، والعيلة، والذلة، والمسكنة، وأعوذ بك من الفقر والكفر، والفسوق، والشقاق، والنفاق، والسمعة، والرياء، وأعوذ بك من الصمم، والبكم، والجنون، والجذام، والبرص، وسيئ الأسقام\"(3).
الهوامش
(1) سنتناوله بالتفصيل عند الحديث عن طرق الابتكار.
(2) أخذت هذه المادة من كتاب \"حطم القيود\" مع بعض الزيادات.
(3) رواه الحاكم في مستدركه وصححه الألباني ص ج ص 1285.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد