بسم الله الرحمن الرحيم
سطور أكتبها للموظف وللتاجر، ولجميع من له تعامل مع الأخرين . بل هي لكل مسلم ومسلمة، إذ أن الإنسان مدني بطبعه، لا يستطيع العيش منفردا ً منعزلاً عن الآخرين، فلا بد من الخلطة، والتعامل مع الناس، والاحتكاك بهم، لذا علينا جميعاً أيها الأخوة أن نستغل هذا الفضل الرباني، والمنحة الإلهية لنزداد، ونكثر من الأجر والثواب لأن مساعدة الناس وقضاء حوائجهم، وتفريج كربهم أمر حث عليه الشارع الحكيم، ورغب فيه، ورتب عليه الأجر العظيم، والثواب الجزيل، كما أن المسارعة في الخيرات، والإكثار من الصالحات سبب لرضى الرحمن، ودخول الجنان. قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 82]، وقال - تعالى -: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدخِلُهُم جَنَّاتٍ, تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُم فِيهَا أَزوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدخِلُهُم ظِلاًّ ظَلِيلاً} [النساء: 57]، وقال - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهدِيهِم رَبٌّهُم بِإِيمَانِهِم تَجرِي مِن تَحتِهِمُ الأَنهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [يونس: 9]، وقال - تعالى -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُم وَحُسنُ مَآبٍ,} [الرعد: 29]، والآيات في ذلك كثيرة جداً.
ولقد استوقفني حديث عظيم للصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يجسد ما سبق ذكره، ويبين ذلك خير بيان...فقط أخي القارئ أتركك تطلق عنان فكرك في هذا الحديث العظيم، وتستشف أنت الفوائد منه.
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قيل يا رسول الله من أحب الناس إلى الله. قال: ((أحب الناس إلى الله - تعالى -أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله - عز وجل - سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه دينا ً، أو تطرد عنه جوعا ً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهراً، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء ً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ! له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام، وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل)). حديث حسن
فالأخلاق العالية سبب لدخول الجنة كما أنها عنصر أساس في كسب قلوب الناس على اختلاف أنواعهم، فالخلق الرفيع مفتاح القلوب المغلقة، ومعول لكسر العقول المتحجرة، قال - تعالى -: {فَبِمَا رَحمَةٍ, مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلبِ لَانفَضٌّوا مِن حَولِكَ فَاعفُ عَنهُم وَاستَغفِر لَهُم وَشَاوِرهُم فِي الأَمرِ فَإِذَا عَزَمتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ المُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].. وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلسا ً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا)) حديث حسن.
أخي الحبيب إن الاتصاف بهذه الصفة منقبة للإنسان، ومفخرة له لأنه يُعرَفُ بين الناس بالخلق العالي، وهي سبب لدعاء الناس له بالخير عند ذكره سواء كان حيا ً أو ميتا ً، وعلى رأس العمل أو متقاعد، فهو طيب الذكر دائما ً.
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه... لا يذهبُ العرفُ بين الله والناس
كما لا أغفل التنبيه بأمر أخر هو من الأهمية بمكان، ألا وهو الصبر، فقد ذكره الله - عز وجل - في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، فقد جعل - سبحانه وتعالى - الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين. قال - تعالى -: {وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، وأخبر - سبحانه - أن الصبر خير لأهله، فقال - تعالى -: {وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]، وأخبر أن مع الصبر والتقوى لا يضر كيد عدو، ولو كان ذو سلطان أو تسليط. قال - تعالى -: {إِن تَمسَسكُم حَسَنَةٌ تَسُؤهُم وَإِن تُصِبكُم سَيِّئَةٌ يَفرَحُوا بِهَا وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرٌّكُم كَيدُهُم شَيئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120]، وعلق الفلاح بالصبر والتقوى، فقال - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ} [آل عمران: 200]، وأخبر عن محبته لأهل الصبر، فقال - تعالى -: {وَكَأَيِّن مِن نَبِيٍّ, قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيٌّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُم فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا استَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبٌّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]، و أوصى عباده بالاستعانة بالصبر والصلاة على النوائب فقال - تعالى -: {وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]. إلى غير ذلك من الآيات الكريمات، وهذا قدوتنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كيف صبر على إيذاء قومه له فقد صح عن ابن مسعود - رضي الله عنهما - أنه قال: كَأَنَّي أَنظُرُ إِلى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يحكِي نَبِيًّا من الأنبياءِ، ضَرَبَهُ قَومُهُ فَأَدمَوهُ، وهوَ يمسحُ الدمَ عن وجهه ِ ويقول ُ: ((اللهمَّ اغفِر لقومي فَإِنَّهُم لا يعلمُون)) بأبي هو وأمي ما أرأفه، وما أرحمه بأمته - عليه الصلاة والسلام -، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كُنتُ أَمشي مع النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وعليه بُردٌ نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال: مر لي من مال الله الذي عندك، - فهل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعزيره أو عاقبه على فعله أو عَـنَّفَهُ، وهو يستطيع ذلك، فماذا فعل إذاً - عليه الصلاة والسلام -... قال أنس: فالتفت إليه فضحكَ، ثم أَمَرَ لَهُ بِعَطَاء. وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: لما كان يوم حنين، آثر النبي - صلى الله عليه وسلم - أُناسا ً في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عُيينَة مثل ذلك، وأعطى أُناسا من أَشراف العرب، فآثرهم يومئذ ٍ, في القسمة، قال رجل: والله إنَّ هذه القسمة ما عدل فيها، وما أُريد بها وجه الله. فقلت ُ والله لأُخبرن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتيته فأخبرته، فقال: ((فمن يعدل إذا لم يَعدِلِ اللهُ ورسولُهُ، رحم الله موسى، قد أُذيَ بأَكثر من هذا فصبر)). فتأمل هذا.
ثم أعلم أيها القارئ الكريم أنه لابد من تهيئة النفس قبل مواجهة الجمهور، وذلك بعدة أمور أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، وهي من باب التذكير، وباختصار جدا فاللبيب بالإشارة يفهم. أول هذه الأمور:
1- المحافظة على الصلاة فهي صلة بين العبد وربه، ومنزلتها من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، فهي تربي النفس، وتهذب الروح، وتنير القلب، وتجمل المرء بمكارم الأخلاق.
2- الأذكار، وما أدراك ما الأذكار، فهي سلاح المؤمن، وحرز من الشيطان الرجيم، وهي خير معين له من الله على قضاء يومه بعزم ونشاط. قال - تعالى -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطمَئِنٌّ قُلُوبُهُم بِذِكرِ! اللَّهِ أَلا بِذِكرِ اللَّهِ تَطمَئِنٌّ القُلُوبُ}[الرعد: 28]
3- التبكير إلى الدوام قبل وصول المراجعين لما في ذلك من استعداد للعمل وتهيئة للنفس.
4- المحافظة على المظهر والهندام، فالنظافة والجمال مطلب حثَّ عليه الشارع الحكيم، وهو دافع للإنسان بان يكون نظيف المخبر كما هو نظيف المظهر.
5- اختيار العبارات الراقية، والجذابة والمحببة للنفوس فمثلا الرجل الكبير في السن تخاطبه يا والدي العزيز، والذي بلغ أشده تسأله عن اسم ابنه أو تنظر إلى اسم والده وتقول له: يا أبا فلان، والشاب يا أخي... وهكذا، كما أن استخدام العبارات الجميلة التي تدعو بها الإنسان مثل يا أستاذ يا أخ يا محترم... الخ لها بالغ الأثر في التأثير على النفوس.
و أذكرك أخي الحبيب بأمر مهم جدا ً آلا وهو عندما يستفزك أي مراجع، ويغضبك فما عليك إلا أن تتذكر هذا الحديث العظيم. قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)). فالحديث يدل على تغيير الحالة التي عليها الغضبان بالجلوس، أو الخروج، أو غير ذلك، فقم من مكانك واذكر الله، واستحضر في ذهنك بعض ما سبق ذكره من الأمور، وعد مرة أخرى موفقا ً بإذن الله، وتجنب أسباب الغضب، والاستعجال، واحرص على أن تكون قدوة حسنة للمسلمين، وداعياً إلى الله - عز وجل - بالأسلوب الحسن، وبالتحلي بآداب الإسلام، فالدين المعاملة وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد