بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة الإدراك تعني \"المعرفة أو التفكير\" ولذا فإن العلاج الإدراكي يفهم على أنه المعالجة النفسية للأفكار، وببساطة يعمل العلاج الإدراكي وفقاً للفرضية بأن الأفكار، المعتقدات، المواقف والتحيزات المستديمة تؤثر على نوع العواطف و درجة حدتها.
ومن رواد العلاج الإدراكي الدكتور \"آرون بك\" الذي استخدمه في علاج الاكتئاب وقد قام بك وباحثون آخرون بتطوير طرق ووسائل لاستخدام العلاج الإدراكي لعلاج مشاكل نفسية أخرى مثل مشاكل الخوف، الغضب وإساءة استخدام المواد وحاز هذا النوع من العلاج على دعم كبير وخاصة فيما يتعلق بالاكتئاب.
وتعتبر وجهة النظر التي تقول: \"إن أفكارنا تؤثر على عواطفنا وسلوكنا\" أمراً جديداً وفي الحقيقة فإن أساس هذه الفكرة يعود إلى قدامى الفلاسفة الرواقيين وخاصة اكيبكتتس الذي كتب: \"إن الرجال لا ينزعجون من الأشياء وحسب، بل من وجهة نظرهم بالنسبة إليها\".
ولشرح هذه النقطة: تخيل نفسك نائماً في السرير حيث يوقظك صوت جسم يسقط آت من درجات البناية، كيف سيكون شعورك إذا كان الصوت آت من شخص دخيل؟ يمكن أن تكون خائفاً وقلقاً، والآن تخيل أنك تذكرت فجأة أن لديك قطة صغيرة تضرب بأي شيء يقع تحت نظرها كيف سيكون شعورك في هذه الحالة؟ بطبيعة الحال سوف لن تكون خائفاً أو قلقاً بل يمكن أن تكون غاضباً أو حتى محبطاً بشأن ما يمكن أن تكون القطة قد كسرته.
وتحوذ طبيعة مشاعرنا وأحاسيسنا بطريقة كبيرة بفعل الطريقة التي نفكر بها، وفي حالة المثال المذكور أعلاه ( الخوف أو الغضب) فإن ذلك يعتمد بالدرجة الأولى على الكيفية التي فسر بها الصوت الذي سمعته.
يعرف الاكتئاب بأنه: حالة المزاج التي تأتي بسبب التفسيرات السلبية للأحداث.
فمثلاً تخيل أن شخصين انفصلا عن بعضهما البعض ويعيشان التجربة، وتخيل أن كليهما ينظر إلى نفسه وإلى العلاقة بطريقة تختلف عن الآخر.
فالأول يفهم العلاقة على أنها دليل على قيمته كشخص ولذا فإن الانفصال يشكل دليلاً على أنه تافه وغير محبوب، وعلاوة على ذلك فإنه يعتبر عملية الانفصال نجمت بسبب خصائصه الغير محبوبة.
أما الشخص الثاني فيعتبر العلاقة جزءاً مهماً من حياته ولكنه لا يعتبرها مساوية لأهميته وقيمته ويعتبر الانفصال كأمر حتمي نتيجة لعدم التوافق وبناء على ذلك يتبادر السؤال إلى الذهن من هو أحد هذين الشخصين الذي سيواجه الاكتئاب بعد الانفصال؟ و الجواب على ذلك هو الشخص الأول.
إن الاعتقاد على الأساس المذكور آنفاً يؤدي إلى أحاسيس سلبية مثل الاكتئاب والقلق، وبدوره لم ينكر الشخص الثاني بأن العلاقة كانت مهمة، ويمكن أن يكون قد شعر بالحزن والإحباط بعد الافتراق، ولكن دون الغرق في الاكتئاب، ويعود السبب في ذلك بأن موقفه من عملية الانفصال كان واقياً ولم يستخدمه عقاباً أو جلداً لذاته.
وللاكتئاب أسباب عدة منها: التغيرات البيولوجية التي تسبب الاكتئاب، المواقف السلبية المتعنتة، والحوادث المأساوية ولكن شيئاً مشتركاً بين المكتئبين يحدث بغض النظر عن السبب وهو التفكير السلبي، والناس المكتئبين ينظرون إلى العالم بطريقة سلبية، فقد ينظرون إلى المستقبل على أنه كئيب، ويعتبر العلاج الإدراكي نوعاً من العلاج الذي تصممه لمساعدة الناس على تعلم تحويل ومراقبة طرق التفكير السلبية، ومن ثم تعديل هذه الميول والتفكير بطريقة أكثر واقعية.
وحين يتعلم المكتئب كيفية تحديد التفكير الأوتوماتيكي المشوش واستبداله بتفكير أكثر واقعية يمكن له حينها التخفيف من حدة اكتئابه، وعلاوة على ذلك فعندما يصبح الناس بارعين في تغيير الأفكار السلبية والمعتقدات فإن إمكانية تعرضهم لنوبات اكتئاب في المستقبل تتقلص.
وقد يبدو هذا بالنسبة للبعض أمراً مبسطاً فقد يفكر الشخص \"لقد أصبت بالاكتئاب عدة سنوات وأنت تحاول إخباري أن كل ما احتاج عمله هو التفكير الإيجابي وأن الاكتئاب سيزول\".
ويمثل هذا الأمر الجواب الشائع الذي يقوله الناس حين يسمعون لأول مرة حول العلاج الإدراكي.
أولاً: وعلى الرغم من أن الانطباع بأن الأفكار التي تسبب الأحاسيس هو انطباع ابتدائي نسبياً، فإن عمليات معالجة المعلومات الحقيقية التي تحدث أثناء الاكتئاب هي بحق معقدة، ومن بين الأشياء التي اكتشفتها الدراسات حتى الآن هو أن مجرد التفكير الإيجابي لن يقلل من حدة الاكتئاب بطريقة نهائية، وعلى الرغم من أن المكتئبين لا ينخرطون في عمليات التفكير الإيجابية، فإن الأفكار السلبية والمعتقدات و الافتراضات هي التي تقلب المزاج.
ولكي يكون العلاج الإدراكي فعالاً فإن الأشخاص المكتئبين بحاجة إلى تحديد أفكارهم السلبية تجاه أنفسهم والآخرين، كذلك يحتاج المكتئبون إلى تعلم مواجهة الأفكار السلبية بعد تحديدها، ولذا فإن التفكير الايجابي والعلاج الإدراكي يساعد الناس على البعد عن التفكير السلبي، ويحتاج هذا بالنسبة للبعض تعلم مهارات جديدة، مراقبة الأفكار، تحديد المعتقدات والمواقف وتعريضها لقوانين المنطق ومع الممارسة الكافية، تصبح هذه المهارات ناضجة.
ولذا فإن العلاج الإدراكي يميل نحو التعليمي أكثر من أي شكل من أشكال العلاج غير الموجهة، والعلاج الإدراكي ليس بالطلقة السحرية.
ولكي يستفيد الشخص من ذلك، يجب بذل الجهود في استخدام المهارات خارج العلاج، ويرى البعض الجلسات الأولى للعلاج الإدراكي صعبة لأن المهارات لا تؤدي إلى نتائج يتخلص فيها المريض من كافة الأعراض التي يعاني منها، ففي البداية يشعر الشخص حين يراقب نفسه ويضع برامج لنشاطاته بعض الصعوبات، ويعتقد أن ذلك لا يستحق الجهد الذي يبذله، وكما هو الحال في تعلم لغة أجنبية فكلما مارس الشخص ذلك أكثر واستخدم مهارات العلاج الإدراكي كلما كان ذلك أكثر فعالية.
ويمكن أن يشبه العلاج الإدراكي بطرق عديدة بالمدرسة حيث أن الكثير من جوانب العلاج تتضمن أموراً تعليمية، وكذلك واجبات منزلية، لكن من الدقة أكثر أن نعتبر العلاج الإدراكي ورشة تفاعلية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد