بسم الله الرحمن الرحيم
قالوا عنها أنها : وضع الشيء موضعه , وقالوا : أنها فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي .. وقالوا : إنها مثالية السلوك والقرار ..
والواقع أن الحكمة هي جماع تلك المعاني كلها .. ويكاد يصعب أن يحتويها تعريف لأنها اقتراب من المثال المرجو في كل وضع وحال , ولأنه أمل كل الناجحين والعامالحكمة لين والقياديين .. , وهي مرتجى تعديلهم لأفعالهم وقراراتهم:
والحكمة في القيادة بالذات أخطر أنواع الحكمة .. إذ أنها الحكمة التي على أساسها تتخذ القرارات وتنظم الصفوف وتوضع الأهداف , وأستطيع أن أجزم أن حكمة القيادة هي أرقى أنواع العمليات الإدارية على الإطلاق .
وفي سبيل ذلك نضع بين يدي القارئ مجموعة من العلامات المضيئة في سبيل تحقيق الحكمة القيادية والوصول إلى حكمة القرار ..
أولاً : الاقتداء بحكمة النبي صلى الله عليه وسلم :
النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو خير قائد عرفته البشرية وأفعاله كلها تنبض حكمة ورشداً وقراراته كلها تملؤها الحكمة والذكاء والعبقرية والعلم .. لذا كان من واجب كل القادة العاملين أن يضعوا نصب أعينهم الاقتداء بحكمته صلى الله عليه وسلم إذ يقول ا لله سبحانه <<لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا>> .
وفي سبيل تحقيق ذلك ينبغي اتخاذ مجموعة إجراءات هامة كالتالي :-
- تدبر سنته صلى الله عليه وسلم والوقوف على مواضع القرارات الهامة التي اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم وتدبرها بالتحليل والدراسة للخروج بالفوائد .
- اقتفاء أثره صلى الله عليه وسلم في قيادته للمجتمع المسلم كله وشمولية قيادته .
- اتباع طريقته صلى الله عليه وسلم في معاملة المحيطين به خاصة المقربين منهم .
- استخلاص المبادئ القيادية الهامة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتمدها في إدارته وقيادته واعتمادها كخطوط أساسية للعمل .
- الوقوف على طريقته صلى الله عليه وسلم في علاج المشاكل والخلافات الناشئة في المجتمع المحيط به .
- الوقوف على طريقته صلى الله عليه وسلم في تشجيع العاملين والأفراد الجدد لإنجاز الأعمال المطلوبة منهم .
- البحث في التطابق العظيم الموجود بين سنته صلى الله عليه وسلم والمنهج القرآني في القيادة وتربية الأفراد واتخاذ القرارات .
- الاستفادة من الوسائل التي اعتمدها النبي صلى الله عليه وسلم للوصول إلى الحكمة في قراره صلى الله عليه وسلم .
- وضع كل ما سبق في مقام وجوب التطبيق إذا به الاقتداء به صلى الله عليه وسلم فرض إلهي وليس عملاً فيه مجال الاختيار ..
ثانياً : الاهتمام :
إن كثيراً من القادة والإداريين يكتفي بمجرد نظرة عابرة إلى العاملين معه أو يكتفي بالسؤال العابر أو في بعض الأحيان قد يقنع بتصفح التقريرات المكتوبة له من المسئولين الفرعيين .. كل ذلك وهو بعيد عن موقع التفاعل ومكان الإنجاز ولعمري إن هذا هو من أكبر أسباب البلاء الذي قد يصيب العمل .. إن القائد المنفصل عن موقع العمل قائد وهمي يقود خيالاً يتصوره في عقله فقط , ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالحقائق ..
وإليك بعضاً من الإشارات الهامة لإيجاد الاهتمام الواقعي بموضوع العمل :-
- ينبغي أن يشعر العاملون كلهم باهتمام القائد بالعمل القائم اهتمامًا واضحاً جلياً حتى يبدءون هم في تقليده في ذلك الاهتمام , ولنا أسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة - رضي الله عنها – لما سئلت هل كان رسول ا لله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعداً قالت : \'نعم بعدما حطمه الناس\' رواه مسلم , يعني بعدما أتبعه تفقد أحوال الناس وحل مشكلاتهم ودعوتهم والجهاد معهم ..
- إياك – أيها القائد – أن تتعامل مع الناس على أنهم آلات تعمل ولا تشعر فإنك ستخسرهم قريباً جداً .
- إن قليلاً من الحب والمودة والسؤال عن أحوالهم لن يضرك أبداً .. إلا أنه سوف يعطيك منهم إنتاجاً مضاعفاً .
- إن لقاءً لن يستغرق ربع الساعة مع أحد العاملين للسؤال عن أحواله سينقل مستوى إنجازه درجات كثيرة للأمام .
- حاول أن تكون قدوة في تطبيق العمل على نفسك أولاً , فإن كثيراً من النصائح والتوجيهات لن تفيد!!
- لا تتوقع من العاملين معك بذل كل قدراتهم في العمل , طبق هذا على نفسك أولاً ثم ابدأ في التوقع من الآخرين .
- يجب على القائد الاهتمام بالشئون النفسية للعاملين معه والضغوط الداخلية عليهم وكذلك مسئولياتهم تجاه أسرهم وعائلاتهم .
- العاملون – معك أيها القائد – مختلفون في قدراتهم وثقافاتهم وعلمهم بل وعاداتهم وقيمهم .. , فعليك مراعاة ذلك , وعليك البحث عن الأرضية المشتركة بين كل العاملين لكي تحادثهم من خلالها , ثم بعد ذلك تتطور معهم إلى ما تريد .. وإلا صار الناس ي واد .. وأنت في واد آخر . !
- في الأثر \'من لم يشكر الناس لم يشكر الله\' , فحاول أن تعبر عن شكرك لكل عامل مجد أو منجز أو مضح أو نشيط .. إن ذلك يضخ في قلبه دماء الحماس .
- إذا أخطأت .. فاعترف بخطئك .. بطريقة مهذبة وابحث عن استشارة من عندهم خبرة , فإن ذلك يعزز من قدرتك على قيادة الفريق .. , إن الاعتراف بالحق فضيلة عظيمة .. , والمكابرة ثوب المتكبرين !! .
ثالثاً : الذكاء :
الذكاء والفطنة صفة أساسية للقادة الناجحين , لا غني عنها .. حيث لا نستطيع أن نتصور عملاً متقدماً ناجحاً يقوم على سذج من الناس , قليلي الفهم والاستنباط والتقدير , محدودي الطاقة الفكرية القائمة على الابتكار والتخطيط والإبداع .. وصفة الذكاء ..لاشك أنها معينة للقائد على استكمال باقي الصفات للوصول إلى الحكمة القيادية º إذ أنها تعينه على الاستفادة من كل إمكانات الإبداع العقلية والجسمية والفكرية والعاطفية أثناء العمل سواء له شخصياً أو للعاملين معه ..
وهذه مجموعة من التنبيهات نقدمها فقط .. للأذكياء من القادة :
- عليك تحديد إطار علاقاتك بوضوح مع كل واحد من العاملين على اعتبار أنك أنت في موقع المسئولية وهو فرد عامل , ولكن احذر أن توجه له خطاباً مباشراً يفيد ذلك أو أن تسلك معه سلوكاً مباشراً يفهمه ذلك إلا في وقت الحاجة .. إن العلاقات إذا خرجت من هذا الإطار إلى إطار الصداقات أو إطار الاجتماعيات .. زال أثرك .. وذابت شخصيتك مع العاملين معك .
- إن تعبيرك عن نفسك وعن موقفك وعن هدفك ورغباتك هو الجسر الموصل بينك وبين العاملين معك , فعليك أن تولي هذا التعبير اهتمامك الكبير .
- إن كلماتك المنتفاه يتناقلها العاملين كمنهج مطروح .. أو على الأقل كخيار للمناقشة .. فاهتم بانتفاء الكلام جيداً .
- إن قلة الكلام ترفع سعر الكلمة الواحدة . وكثرة الكلام تجعلها تبور !!!
- لاشك أن من بين العاملين أن من بين العاملين معك والمسئولين من يخالفك القرار .. بل والسياسة بأجمعها .. ولكي تتقي ذلك استفد بمبدأ التشاور والإقناع .
- قد تكون في بعض الأحيان على قناعة تامة برأيك .. ولكن الذين هم أكبر منك على قناعات مختلفة عنك .. فأظهر رأيك .. ولكن لا تتحامل عليهم لتكن طريقتك .. كهذه الجملة [نعم .. إن آراءك طيبة ولا شك .. ولكن عندي طرح آخر] ..
- اللوبي .. مسمى مكروه في العمل الإداري ولاشك , ولكنك قد تحتاج إلى تكوين [لوبي] .. أو مجموعة تحالفات لتكوين جماعة ضغط لتنفيذ خططك المرادة .. خصوصاً إذا تعذر تطبيقها .. ليكن عملك منطلقه قوله الله تعالى :<<وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان>> .
- أبق بينك وبين كل من اختلف معه [شعرة معاوية] , يعنى لا تقطع العلاقة بمن تختلف معه .. لأنك يوماً ما سوف تحتاج للتعامل معه .. يروى أن أبا سفيان سأله الناس .. بم سدت الناس ؟ قال : ما خالفت أحداً إلا أبقيت بين وبينه شعرة لعلي أرجع إليه ..
- إياك أن تتسلى بالانتقاص من قدر من وقعت في خلاف معهم .. إنها كبيرة من كبائر الإثم قال الله تعالى :<<ولا يغتب بعضكم بعضاً ..>> وما أشأم الذنوب على حكمة القيادة !!!
يتبــــــع
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد