يؤكد الشاعر السعودي الشاب محمد بن عبدالرحمن المقرن أن الشعر بالنسبة له أداة إصلاح اجتماعي وديني، وأن العمل القضائي الذي سلكه هو أيضاً يخدم الغاية ذاتها، ومن ثم فإن الجمع بينهما في تجربته الحياتية كان تكريساً لخدمة الإسلام رغم أن غاية الشعر انحرفت عند الكثير من مجايله وسابقيه إلى الهدم والتشويه.
ويرى الشاعر محمد المقرن بأن الواقع الثقافي العربي في الوقت الراهن ملوث بأفكار مستوردة وغريبة لاتمت للأصالة بصلة، وأنها أي هذه الأفكار ليس لها من غاية إلا السخرية من القيم الاجتماعية والدينية لمجتمعاتها.
وسخر المقرن من اتخاذ البعض لثلة من رواد ما يُسمّى \"بالحداثة والتجديد\" رموزاً ومنارات، وهم الذين يرون أن الإبداع لا يقوم إلا على أنقاض العقائد والقيم..
وهنا حوار معه..
محمد المقرن.. الداعية، القاضي، والأديب.. تعددت الصور والإنسان واحد.. فكيف تحفظ لكل منها تميّزه الخاص؟
لعل الصورة الأولى التي ذكرتها تجمع ما بعدها من الصورº فإن طريق الدعوة طويل، ومتعدد الوسائل، ويمكن لمن يسلك هذا الطريق أن يستخدم كل ما آتاه الله، ويوظفه على الوجه الصحيح، فالقضاء باب لنشر العلم، والإصلاح بين الناس وإظهار العدل وإنصاف المظلوم، والأدب باب للذبّ عن الإسلام وأهله، وهجاء الكفر وأهله، وإثارة المشاعر والهمم، وإعلاء المبادئ والقيم، والسعي إلى تشخيص أمراض المجتمع وعلاجها.
قصائدك تعدّت الهمّ الوجداني إلى همّ المجتمع والأمة.. هل يمكن أن نعدّ ذلك وصولاً إلى مرحلة النضج الشعري المطلق؟
الهم الوجداني جزء من هم المجتمع والأمةº لذلك شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين في توادهم وتراحمهم بالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
والشعر جزء من الهم في نظري- سخرته لهدف سام، متوقّياً أن أكون ممن يشملهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر الذي رواه البخاري ومسلم: \"لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً\"، وبالرغم من أهمية الشعر في جانب الأمة إلا أنه لا يشغلني عما هو أهم وأولى.
أبت الخواطر أن تلملم شعثها *** لا الليل ليلٌ ولا النهار نهار
هدأ ضجيج المعاناة ومازالت حروفك تدوي بجزالتها ومعانيها.. ماالذي يخلّد القصائد برأيك؟
يخلّدها:
1) الإخلاص لله - سبحانه -.
2) جمال المعاني والصور.
3) حسن الألفاظ والتراكيب.
والقصيدة الجميلة عموماً إذا انتشرت فإنها حتماً ستخلّد، فهذا هو التاريخ يخلّد لنا عيوناً من الشعر العربي الجميل الذي نردّده دائماً، ونطرب لسماعه والاستشهاد به فليُرِنا أهل الحداثة والتجديد في الشعر هل سيخلّد التاريخ قصائدهم، وهل ستنشدها الأجيال القادمة كما أنشدوا عيون الشعر الأصيل؟
كيف تردّ على من يرى في شعرك نوعاً من(التقريريّة) التي قد تطغى أحياناً؟
لا يمكن أن نصطنع مشاعرنا باسم التجديد، ولا يمكن أن نقتل الجمال باسم التجديد، ولا يمكن أن نكتب ما لا نفهم، أو ما لا يُفهم!! ولا يمكن أن نعلق الأدب على أذواق طائفة معينة قد لا تعي بالفعل معنى الأدب الحقيقي.
صدقني.. إذا اختلفت الأهداف ستختلف الطرائق والصور، ويبقى الجمال واحداً!!
والتقريرية والمباشرة كما يسميها البعض، تخدم عندي أهدافاً معينة، هي أسمى وأهم عندي من أحاديث كاتب أو ناقد.
كيف تحكم وأنت القاضي-على واقعنا الثقافي حالياً، وما هي (قضية الشعر) في نظرك؟
الواقع الثقافي بشكل عام اختلط مع الأسف الشديد- بلوثات فكريّة مستوردة بعيدة كل البعد عن منهج الإسلام العدل الواضح البيّن، فنجد مثلاً أن كثيراً من المثقفين في البلاد الإسلامية انبروا إلى ما يُسمّى بـِ\"التجديد في الأشكال والأساليب الفنية\"، وأخذوا في تلميع شخصيات هالكة حاربت الله ورسوله باسم الأدب والتجديد في الأفكار.
ففي الوقت الذي يقرر فيه رموز الحداثة كجبران وأدونيس وغيرهم أن الإبداع يعني السخرية من القيم الدينية والاجتماعية، والقدرة على هدم الأفكار والمعتقدات الراسخة، والإتيان بآفاق العدمية، وفي الوقت الذي يزعم فيه البيّاتي وأدونيس قتل الله تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- ويخرج هو وغيره بأمور تضاد الدين والعقيدة ومضادة كلياً أربأ عن ذكرها، وأطهر القلم عن كتابتها- نجد مع ذلك كله من أرباب الفكر والثقافة في هذا العصر من مجّد هذه الشخصيات ويحاكيها ويقلدها، بل ويدعو إلى تمثّل منهجها.
فإذا كان البعض يعدّ تمجيد أولئك والسير في خطهم تطوّراً ثقافياً، ونقلاً للأدب إلى آفاق جديدة، فإننا نقول: إنه انحطاط عقدي خطير.
هذا نموذج من الواقع الثقافي الخطير الذي نعيشه في الوقت الحاضر، وإنني في هذا المقام أذكّر كل صاحب قلم، بل أذكّر كل من في قلبه ولو مثقال ذرة من إيمان بقول الله - تعالى -: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك عنه مسؤولاً) وأذكّرهم بأننا سنُسأل عن كل صغيرة وكبيرة، فحذار حذار أن ينحرف بكم الأدب إلى موارد الهلاك، ولا يحقرن أحدكم الكلمة، فرب كلمة لا يلقي لها العبد بالاً تهوي به في جهنم سبعين خريفاً.
أما قضية الشعر في نظري فإنها محددة الهدف، ولا يمكن أن تقتصر على ملاحقة الجمال والبيان فحسب، وإن كان ذلك مطلباً لا أغفل عنه، إلا أنه لا يعدو أن يكون سبباً للهدف الذي أصبو إليه.
يقول البعض: إن الحريّة من أهم شروط الإبداع الأدبي كما لو كان الالتزام نقيضاً للحرية.. كيف تردّ على ذلك؟
إذا كان المقصود بالحرية مجاوزة ميزان الشرع، أو التمرّد عليه، أو تجاهله فلا بارك الله في هذا الإبداع!! إن كان يسمّى إبداعاً. إن ذائقة العربي الأصيل تطرب بسليقتها وتنقلك إلى الإبداع، ولم يكن مصطلح الحرية بمفهومها الحالي- معروفاً عندهم فأين هو الإبداع؟
لقد طربت الأسماع لقصائد المتنبي، وعلقت في الأذهان المعلقات، وسارت الركبان بقصائد العرب الرصينة، وأنشدتها الأجيال جيلاً بعد جيل، فأين هو الإبداع؟
ما زال الشعر الهادف ينشد كل حين، ويُستشهد به في كل مجال، وما زال أدب من يدّعون الحرية حبيساً في كتبهم لا يقرؤه إلا هم، ومن يطبل لهم!! فأين هو الإبداع؟
هل تعتقد أن الأدب الإسلامي قد نجح في تكريس مفهومه المفترض به، ولعب دوره الفاعل في حياتنا الثقافية كما يجب؟
نجح الأدب الإسلامي نوعاً ما في هذا العصر- في تحديد أهدافه، إلا أن المرجوّ منه أكبر من ذلك، فما زالت الأمة بحاجة إلى مزيد من الأقلام الإسلامية الصادقة التي تبين مسؤولية الكلمة، وتنثر الإبداع بصورة مشرقة جميلة بعيداً عن الإسفاف والابتذال.
والمسؤولية الكبرى هنا تقع على عاتق المسؤولين عن الأندية الثقافية والأدبية ومحرّري الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، فلو استشعر كلُّ أهمية هذا المجال، واتقى الله فيمن هم تحت مسؤوليته لكان الناتج أكبر بإذن الله.
في ظل تيارات العولمة الفكرية الحالية، كيف يمكن لأدبائنا الشباب الخروج بنتاج إبداعيٍّ, أصيلٍ, وهادف؟
أساس كل عمل الإخلاص لله - سبحانه -، ونحن كمسلمين نجعل ذلك نُصب أعيننا في كل عمل، حتى في الشعر وكتابته، فعلى الشباب الإكثار من القراءة من عيون الشعر العربي الأصيل، وقراءة قصائد الأدب الإسلامي على مر العصور، وعدم الالتفات إلى من يزعمون التجديد في الشعرº فإن مظهر حديثهم جميل، ولكنّ مبدأهم قبيح، والأفكار التي يستقون منها منهجهم خطيرة، بل هي في الغالب مضادة للدين، فإذا وعوا ذلك جيداً فسينتجون لنا إنتاجاً أدبياً أصيلاً.
إلى أي مدى نجح الشعر في نقل الحقيقة إلينا أولاً.. ومن ثم إلى الآخرين؟
ليس كل شعر ينقل الحقيقة، بل إن بعض الشعر يزيّف الحقيقة، ولم ولن يحفظ التاريخ إلا الشعر الأصيل النابع من صميم المعاناة، أو المعبّر عن الذات النفسية أو الاجتماعية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد