في ظلمة الليل وقرب الفجر وبينما نحن في طريقنا إلى المسجد الحرام في ظل صحبة مباركة متعاونة على ذكر الله ومتآلفة على الحب في الله، تبارى كل صاحب في إخراج مكنونات صدره من مشاعر تجاه المسجد الحرام لما له من عظيم الشرف والفضل على سائر المساجد وما خصه الله به من الرحمة والبركة.
وكذلك تجاه أم القرى لما فيها من ذكريات أبي الأنبياء الخليل وزوجه السيدة هاجر والذبيح إسماعيل جد الحبيب المصطفى عليهم جميعاً الصلاة والسلام ، كانت الخواطر مفعمة بمعاني الشكر لله وطلب المغفرة والتوبة على أعتاب المسجد الحرام. وأثناء ذلك مثلت أمام ناظري صورة قبلتنا الأولى ومسرى نبينا الكريم يعلوها الهم ويكسوها الحزن والغم، مكبلة في أغلالها..عاتبة علينا جميعاً..كيف يا بَني تفرحون ولا تبكون.. أين نصيبي يا بني مما تعملون أو تقولون؟ ألم أكن يوماً قبلتكم.. ومسرى نبيكم؟
أليس للصلاة فيّ فضل؟ أنسيتم يا بني فضلي أم غاب عنكم أسري.. ألا ترون عبث إخوان القردة والخنازير بي وبأهلي! خجلت من نفسي وتساءلت: أين السبيل إليك يا أقصى؟ كيف نصلي فيك ونعبد؟ هل من سبيل إلى جدرانك الزكية فنطوف ونلمس وإلى ثراك الطاهر فنقبل.. بل كيف نؤدي حقك علينا يا أقصى؟.. رأيته غاضباً مكفهراً.. ألم يأن لك يا بني أن تعرف الطريق وتسلك! أنسيت يابني صورة الفاتح الخليفة الزاهد الفاروق. كيف قاد وسار ففتح بثياب مرقعة بالية وجواد يحمله وخادمه وهو حاكم الدنيا؟! لم تغره الدنيا ولم يلتفت إليها.. كان شعاره: يا دنيا غري غيري.. لم تأخذه الإمارة إلى ظلم الناس وقهرهم.. فمسلكه: \"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً\"؟.. عاش خادماً للناس حارساً لدينهم لا قاهراً لهم مستعبداً إياهم. يا بني ألم تخطر ببالك يوماً صورة المحرر صلاح الدين الذي تربى على مائدة القرآن وتأدب بآدابه وعاش في ظلاله؟ ألا تسائل نفسك يا ولدي: كيف حرره بعد دنس قارب التسعين عاماً؟ ألم تره تربى في أحضان العلم والعلماء فكان نتاجاً طاهراً لغرس سلسلة من العلماء المجاهدين العاملين!.
ألا تتأمل سيرته لترى خشيته لله وإقدامه وشجاعته في الحق ونذر حياته لي.. وحزنه على ضياعي حتى إنه لا يضحك أبداً، فإذا سئل أجاب: كيف أضحك والأقصى أسير؟
ألم تعرف من سيرته أنه لم يحج لأنه لم يتوفر لديه ما يحج به وهو قائد المسلمين وتحت يديه خزائن أموالهم!
ألم تنظر إليه متفقداً خيام الجند فيرى النائم فيقول: من هنا تأتي الهزيمة، ويرى القائم لله فيقول من هنا يأتي النصر!.
نظر الأقصى فرأى أمارات الدهشة في محياي فأخذ بيدي وقال: تعال يا بني فاقرأ:
( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) (41) (التوبة). الجهاد في سبيل الله يا بني.
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون 169(آل عمران). الشوق إلى الشهادة يا بني.
ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز 40 (الحج). اليقين في نصر الله يابني.
اقرأ يا بني فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا (7) الإسراء). العبودية الكاملة لله يا بني.
عندها رأى الأقصى معالم المعرفة بارزة في مخيلتي ونظراتي فقال لي مودعاً: إلى لقاء قريب في أحضاني.. هذا هو سبيلك واضح يا بني لإسعادي فإن كنت كذلك فأنت بعون الله سالك إليَّ السبيل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد