تقافزوا وتركوه في القارب بعد أن كانوا رفقاء موج، تركوه حينما رأوا قوارب النجاة تصوب نحوهم سبحوا إليها، تقاذفهم الموج، منهم من نجا، ومنهم من ابتلعه الموج، تركوه وحيداً، وعدوه بمد يد العون، واستصحاب قارب نجاة لإنقاذ قاربه الصغير من بين جبال الأمواج، وثبج البحر، لكنهم رحلوا وتركوه يصارع الأمواج بقاربه الصغير.
وعدوه ونسوا أو أخلفوا، ظل ينتظر حبال الإنقاذ وقواربه لكنه لم ير إلا سفناً مبعدة، وليل مقترب، وأمل مذبوح، يرى دمه في حمرة الشفق، استوحش وانتفض كفرخ بلله الماء، اقشعر جلده برداً أو أسفاً على عرى أخوة تفصمت وذابت في ماء البحر لأول موجة، تمتم: أين رفقاء الطريق؟ أين التسامر بهموم أضخم من المحيط؟ كانت هممهم تتسامق طولاً حينما كان يحدوهم بحداء الآخرة، وبنصر الأمة، نظر إلى قاربة الصغير الذي لم يزل صامداً، طأطأ رأسه للماء وهو يرتج تحته، لمس سطح الماء، وطبع قبلة عليه، وقال له: أيها البحر بموجك وحيتانك قبلت صداقتك التي فضحت زيف الأخوة، أنت صديقي وملهمي همي شكراً لك، قذفت بالهم بين يدي لثقتك بي، وتركتني وحيداً من أصدقاء السعة، لن أخيب ظنك، ولن أتنازل عن مبادئ عشت لأجلها، ودفق حبها قبل دفق الدم في شراييني، فانتهى حبها لخلايا جسدي قبل الدم والغذاء، جرعتة رضيعاً قبل الحليب، وأحسست نبضه وأنا جنين في الرحم، لا أظنك يا بحر تجيد الحب الذي أجيد، لن توحشني ظلمتك، ولن يقتل أملي في الله سباعك وحيتانك، قبلت صداقتك أخرى لأنك جددت العهد في نفسي على المضي ولو وحيداً، كنا نتقاسم الهم ففضحت يا بحر الرفاق، بقيت وحدي، قسمت الهم بيني وبين لحمي ودمي وروحي، لن أترك أبداً دعوتي لله - إن شاء الله - في البحر أو في البر، في السراء والضراء، في الأنس وفي الوحشة، شكراً يا بحر ثانية وثالثة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد