الأدب الإسلامي صفوة الآداب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الأدب الإسلامي ليس بعثا جديدا كما يقول البعض، ولكنه امتداد لأدب الدعوة تجيء أهمية الأدب الإسلامي من خلال طرحه للقضايا الأدبية الجوهرية، والآفاق الفكرية الأصيلة، ورؤية الواقع وتجسيده، وتنظيم مفرداته بتصور إسلامي، يتواءم مع قواعد الدين الحنيف. وأمتنا الإسلامية بتاريخها الثري منذ العصر الجاهلي إلى العصر الحديث تفيض وتزخر بتراث عظيم حافل بالمجد والسمو والمواقف والعمق والأصالة وينبغي توظيفه لخدمة الأدب الإسلامي وإعادة الوجه الكريم لتراثنا بعد أن كاد يغيب عنا. إذ أن تراثنا جزء من شخصيتنا وكياننا، وإن قضية الاهتمام بتراثنا والعمل على إحيائه قضية تتسع أبعادها كما تقول الدكتورة بنت الشاطئ فهي تستوعب الماضي والحاضر والمستقبل فتتجاوز حدود وطننا العربي إلى العالم الإسلامي الكبير، ثم إنها في جوهرها قضية وجود ومصير، بما تكشف عن حقيقة ذاتنا وآماد طاقتنا وما تضيء لنا من معالم الطريق وآفاق الطموح.. إن الأمة الإسلامية ذات حضارة متميزة قائمة على أسس ثابتة، ومناهج واضحة، من كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -، وما خلفه السلف الصالح من آداب وأخلاق، وينبغي الحفاظ على تلك القواعد والمناهج والأصول، ورعاية الأخلاق، وحب الخير للمسلمين، وإصلاح النفس، وإصلاح الأسرة والمجتمع، وإشاعة الثقة والفضيلة. وكل تلك القيم والمثل ينبغي أن تكون مجالا خصبا للأدب الذي يغذي الأرواح، ويشيع العواطف والوجدان، مما يترك أحسن الآثار ويؤتي أينع الثمار. والأدب الإسلامي يصفي الأرواح، ويصقل النفوس، وينمي العقول، بالعلم والمعرفة والثقافة، ويهذب النفوس، وينهض إلى مدارج الكمال. ولقد تميز الأدب الإسلامي بالارتباط بالعقيدة، والنظرة إلى الحياة والكون نظرة إيمانية، فركّز هذه المعاني التي شقت طريقها على مختلف الأماكن والأزمان، مواكبا تلك العصور، معالجا لواقعها، وملبيا متطلباتها، قادرا على النمو والعطاء والأصالة، واستهداف القيم الأدبية البناءة، ومصورا لخصائص الأدب ومميزاته الفنية، فالأدب الإسلامي له خصائصه الفكرية والفنية التي تعبر عن الشخصية الإسلامية وتراثها المجيد، إذ أن قاعدته التي ينطلق منها هو الإسلام، وهو يدعو إلى الخير والدفاع عن الحق وتصوير كل ما هو جميل في الكون والحياة، وهو أرقى وأشمل من كل النظريات والفلسفات العقلية والمادية في نظرته للكون والإنسان والحياة، إذ أنه لا ينطلق من تعصب فكري، ولا ينبع من نفس ضيقة، إنما يحكم على الأدب والشعر من خلال مضمونه وهدفه، ولا يترك الأدباء والشعراء على أهوائهم يعبثون بالكلمة ويتلاعبون بالقول، ويهيمون في الأودية، ويجعلون القول بمعزل عن العمل، ولذا كان الموقف النبوي الكريم من الشعر ملتزما بهذا المنهج، ناظرا إلى الفن بهذا المنظار، فقد استمع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى شعر الحكمة، وتمثل به فقد كان يتمثل بشيء من شعر عبدالله بن رواحة ويتمثل ويقول: (ويأتيك بالأخبار من لم تزود) وروي عنه قوله: (إن من الشعر لحكمة) وقوله: (المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه) وروي عنه قوله - عليه الصلاة والسلام -: (أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد «ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل») إن الأدب الإسلامي ليس بعثا جديدا كما يقول البعض، ولكنه امتداد لأدب الدعوة، وليس منبت الجذور عن قيمه وأصوله وفكره بل يعبر أصدق تعبير عن أمته التي قال الله فيها {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} والأدب الإسلامي صفوة الآداب لأنه يدعو إلى الأخوّة بين المسلمين فهو وسيلة إلى كل فضيلة، وإلى دعم أواصر المحبة بينهم، وإن الأدب الإسلامي يتأثر بالحياة والأمة والمجتمع، وينفعل بما يصيب الناس من حوله، ويعيش مع أمته معبرا عن آمالها وآلامها، ساعيا إلى عزتها ونهضتها ورقيها وتطورها، وتناول قضايا الحياة ومشاعر الأمة، واستنهاض الهمم والعزائم، وتوجيه الأمة إلى الخير والوعي والجد والاستقامة والبناء والمعرفة، والبعد عن الانحراف والفساد والتخلف، فهو زاد أدبي طيب، وغذاء فكري شهي.. وإن الأدب الإسلامي يدعو إلى صدق التجربة وخدمة الأمة ومساعدتها في بلوغ ما تصبو إليه من السعادة والرقي والتقدم، مع المواءمة بين الفن والحياةº ففيه نبض العصر وروحه وقضاياه، من خلال تصور إسلامي يرفع قيمة الإنسان ويعلي من قدره ولا يشط عن الواقع أو يبتعد عن المجتمع، ولا عن قيمه الجمالية، بل يسمو في مفاهيمه وغاياته، وجملة القول فإن من سمات الأدب الإسلامي قوة الرأي وصدق التعبير وسعة الفكر والتصور الصحيح والوجدان السليم وسمو الهدف وخصوبة الإنتاج، وخلق الحس الأدبي المرهف، لأن الأدب هو فن الذوق السليم، وقوام الأخلاق المثلى، إذ أن بناء الأمم يقوم على الأسس المسلكية والأخلاقية، ولقد قامت حضارتنا على الأخلاق التي مصدرها الإسلام، وكما قيل: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا وكم نتمنى أن ينهض الأدباء والنقاد والباحثون لتأكيد هذه الحقيقة والتصدي لمن راحوا يصنفون الأدب إلى أدب إسلامي وأدب متحرر، وأدب الشيوخ وأدب الشباب، والأدب النسائي والأدب الرجالي، وغير ذلك من الفوارق الفكرية التي يمايز بها بين صنف وصنف، ولقد قال علماء البلاغة والنقد قديما: إن قيمة الأدب تكمن في توافر عناصر ثلاثة: (الفكرة السليمة والاستيعاب الكامل للموضوع وحسن الأداء) فالأدب وحدة متكاملة لا يقبل التجزئة وحريٌ بنا جميعا الالتزام بالموضوعية والوجهة الأدبية الإسلامية، التي من شأنها أن تساهم في رقي الأدب وازدهار الحياة الأدبية ودعم المسيرة الفكرية الإيجابية وجودة المادة العلمية والفكرية والنقد المنهجي السليم وبث الأخلاق الخيرة والأفكار الحميدة وخدمة القيم الفاضلة. وبعد.. فهذا قليل من كثير وغيض من فيض وباقة من بستان الأدب الإسلامي الزاهر العريق والذي اكتسب أبعادا تربوية وخلقية وفكرية وإنسانية.

 

 ــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتب سعودي، تقلد عدة وظائف في حقل التربية والتعليم، عمل أميناً عاماً للمجلس الأعلى لرعاية الآداب والعلوم والفنون بوزارة المعارف، ولدارة الملك عبد العزيز، عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية، له عدة مؤلفات منها: «على مائدة الأدب» و«من أدب الرحلات».نشر في مجلة (الأدب الإسلامي)عدد(15)بتاريخ (1418هـ).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply