الكرة

ألقيت دفتري جانبًا، وأخذت أتأمل الخارطة المطلوب مني رسمها. كانت الخارطة لإيطاليا ذلك البلد الذي يشبه الحذاء، تناولت قلمي وأخذت أرسم بعض الخطوط والانحناءات على الخارطة حتى تحوّلت إلى جورب وحذاء كرة قدم، فأصبحت بذلك ساق لاعب كرة قدم!!.

أعجبتني الرسمة فأخذت أبحث حولها لعلي أجد مدينة قريبة منها أو جزيرة فأحولها إلى كرة، فلم أجد إلا جزيرة \"صقلية\" الواقعة عند طرف الحذاء، ومع أن شكل الجزيرة بعيدٌ كل البعد عن الدائرة إلا أني بلمسات قلمي الساحرة حولته إلى كرة.

جلست برهة أتأمل في الرسمةº فأعجبت بمهارتي في تحويل الخارطة إلى هذا المنظر البديع! تشجعت أكثر فاتجهت مسرعًا نحو درجي وأخرجت علبة الألوان..

اخترت ألوان النادي الذي أشجعه، فلوّنت الجورب وتفننت في تلوينه ثم انتقلت بعدها إلى الحذاء، وبعد أن فرغت منه توجهت إلى جزيرة \"صقلية\" (سابقًا) والكرة (حاليًّا)º فرسمت عليها شعار النادي وحرصت كل الحرص على أن أكون دقيقًا في رسمي للشعار وبعد أن انتهيت، أخذت أمتّع ناظري باللوحة الفنية التي أبدعت فيها وأشعر بزهو وفخر لأن النادي الذي أشجعه قد احتل مكانًا في خارطة العالم!!

ولم أقف عند هذا الحدّ فقد أسرعتُ إلى اللون الأخضر وأخذت ألوّن كل الأراضي التي تحد الساق والكرة حتى البحر المتوسط جعلته أخضر!! فما عاد يُرى إلا قدم تركل الكرة في ملعب أخضر.

يا للروعة! كلمة إعجاب خرجت من أعماقي، غدًا سأجعل كل التلاميذ يرون إبداعي وفني، ولأنزع أنف كل من يهاجم ناديَّ المفضل ويسيء إليه في التراب.

قلبت الصفحة فإذا به الدرس الذي لم أستذكره بعد فأصابني الضيق. أخذت أقرأ الدرس بتذمر، إيطاليا وحدودها، وعاصمتها، وأهم مدنها، وجزيرة \"صقلية\" التابعة لها. كان العنوان الأخير قد أحطته باللون الأحمر مما يدل على أهميته فأخذت أقرأه بتركيز: جزيرة \"صقلية\"، افتتحها المسلمون في صدر الإسلام وغزاها أسد بن الفرات الفقيه أميرًا وقاضيًّا، وحاصر أسد مدينة \" سرقونية\" وقاتل أهلها برًّا وبحرًا، وأحرق مراكبهم، وقد كان فيها من العلماء والعبّاد والفقهاء والشعراء وأعيان الناس مالا يأخذه عدّ ولا يأتي عليه إحصاء. وعندما وصلت إلى هذا الحد من القراءة، قلبت الصفحة كي أحدد موقع مدينة \"سرقونية\" على الخارطة، فلم أجد أمامي إلا كرة وعليها شعار النادي فابتسمت فجزيرة \"صقلية\" التي غزاها أسد بن الفرات قد تحولت إلى كرة تركل بالقدم!!

ومرة أخرى أخذت أتأمل في رسمي، بينما أنا كذلك إذا وقعت عيناي على ملحوظة في أعلى الصفحة \" مطلوب رسم الخارطة، وأفلتت من فمي صيحة وأسرعت إلى دفتري كي أرسم فيه لكن!! ماذا أرسم؟! فقد اختفت معالم الخارطة تمامًا فلا أثر لمدن أو حدود!

أخذت أقلّب طرفي في الرسمة لعلي أجد بعض المعالم لمدينة إيطاليا وجزيرة \"صقلية\" فرجع طرفي خاسئًا وهو حسير، فما عاد يُرى إلا قدم تركل الكرة في ملعب أخضر!!