بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبعد: فإن مدينة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - طيبة مباركة، مهبط الوحي، شرفها الله وفضلها على سائر بقاع الأرض بعد مكة المكرمة، فهي مأرز الإيمان، وملتقى المهاجرين والأنصار، ومقام الذين تبوءوا الدار والإيمان، فيها رُفعت راية الجهاد، ومنها انطلق جنود الرحمن لإخراج البشرية من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن ظلمة المعاصي إلى نور الطاعات، هاجر إليها النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم -، وبها مات ودُفن بأرضها، وبهذه الديار قبر النبي المختار وصحابته الأطهار.
وفي هذا المقال نبين ما للمدينة من فضائل نذكِّر بها ضيوف الرحمن وحجاج بيته الكرام، الذين اصطفاهم الله فيسر لهم سبل المحبة والغفران.
1 ـ من فضائلها: أن الله - تعالى - ذكرها في كتابه في مواضع عديدة، منها قوله - سبحانه -: وَمِمَّن حَولَكُم مِنَ الأَعرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِن أَهلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعلَمُهُم نَحنُ نَعلَمُهُم (التوبة: 101).
وقوله - سبحانه -: مَا كَانَ لأَهلِ المَدِينَةِ وَمَن حَولَهُم مِنَ الأَعرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرغَبُوا بِأَنفُسِهِم عَن نَفسِهِ (التوبة: 120).
وقوله جل شأنه: لَئِن لَم يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ وَالمُرجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغرِيَنَّكَ بِهِم ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً (الأحزاب: 60).
وقوله جل شأنه: يَقُولُونَ لَئِن رَجَعنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخرِجَنَّ الأَعَزٌّ مِنهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَعلَمُونَ (المنافقون: 8).
وسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طابة وطيبة، فعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله - تعالى -سمى المدينة طابة». (رواه مسلم).
وفي حديث فاطمة بنت قيس في خبر الجساسة قال - صلى الله عليه وسلم -: «هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة». (رواه مسلم)
ويكره تسميتها يثربº لما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أمرت بقرية تأكل القرى يقولون: يثرب، وهي المدينة». (رواه البخاري 187) وسبب كراهة هذا الاسم أنه مأخوذ من الثراب الذي هو الفساد، أو من التثريب وهو التوبيخ والملامة، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «تأكل القرى». يعني ينصرها الله على ما سواها من القرى.
وحدود المدينة على الصحيح من أقوال العلماء جبل عير من جهة الجنوب، وجبل ثور من جهة الشمال، والحرة الشرقية من جهة الشرق، والغربية من جهة الغرب، وهما لابتا المدينة اللتان قال فيهما الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «المدينة حَرَمٌ ما بين لابتيها». وقول أبي هريرة - رضي الله عنه -: وحرم ما بين لابتي المدينة. (رواه مسلم
1370) واللابة: هي الأرض التي كستها حجارة سود.
2 ـ حرمها الله على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فعن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها، وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم - عليه السلام - لمكة». (رواه البخاري ومسلم).
والحرمة ثابتة للحرمين الشريفين مكة والمدينة. ويترتب على تحريمها أن لا يُختلى خلاها - لا يقطع النبات الرطب - ولا يعضد شوكها ولا تؤخذ لقتطها إلا لمنشد (معلن عنها)، ولا يؤوى فيها محدث ولا يؤخذ طيرها ولا ينفر صيدها، ومن دخلها كان آمنًا، فلا يُزهق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح.
3 ـ الإيمان يأرز إليها كما تأرز الحية إلى حجرها كما قال - صلى الله عليه وسلم -، ومعنى ذلك أن الإيمان يتجه إليها ويكون فيها المسلمون من بقاع الأرض يقصدونها لشرفها ومكانتها.
4 ـ لا يدخلها الطاعون ولا الدجال، وخرجت منها الحمى بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -. عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس من أنقابها نقب إلا عليها ملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات ليخرج الله كل كافر ومنافق». (رواه البخاري)
وفي حديث أبي بكرة: «لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال لها سبعة أبواب». (رواه البخاري).
وروى أحمد في مسنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب منها ملك، لا يدخلها الدجال ولا الطاعون». والطاعون عرفه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه طعن الجن لبني آدم، فعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فناء أمتي الطعن والطاعون». قال: قلنا: يا رسول الله، هذا الطعن قد عرفناه، ما فعل الطاعون؟ قال: «طعن أعدائكم من الجن». أما في نقل حُمَّاها فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بنقل حُمَّاها إلى الجحفة إذ لما نزل بها صحابته الأطهار أصابهم الوباء والحمى، فقال - صلى الله عليه وسلم -:
«اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مُدِّنا، وصححها لنا وانقل حُمَّاها إلى الجحفة». (رواه البخاري)
ومما اشتملت عليه المدينة مسجدان مباركان عظيمان الأول هو مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - والثاني هو مسجد قباء.
جاءت النصوص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام». (رواه البخاري ومسلم)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة». (البخاري ومسلم) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من توضأ في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة». (رواه ابن ماجه)، والصلاة في قباء تشمل الفريضة والنافلة كما قال العلماء.
وبهذا الفضل العظيم رغب النبي الأمين في سكن طيبة وفي الموت بها لمن استطاع. من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يخرج رجل من المدينة رغبة عنها، إلا أبدلها الله خيرًا منه، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون». (رواه البخاري)
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة إذا كان مسلمًا». (رواه مسلم) ولذا كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يدعو الله بالشهادة في سبيله وموتة في مدينة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وقد استجاب الله له.
نسأل الله - تعالى -أن يرزقنا شهادة في سبيله، وموتة في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.آمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد