بسم الله الرحمن الرحيم
أتيح لي لدقائق أن أقتحم غرفة من غرف التحاور عبر البالتوك وأنصت مستمعا لمحاورة بين مسلم ومسيحي وهالني ضعف المحاور المسلم أمام هذا الكم الهائل من الترهات التي يزج بها غير المسلم متهما بها سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم -، وقد حاولت أن أدعم أخانا عن طريق الكتابة بما يساعده على الرد لكنه كان غافلا عني مشغولا بالرد المتهافت على شبه القوم، ومحاوره أيضا تغافل عني وتجاوز عما أكتب رغم أنه كان يعلق على كتابات أخرى ينتقيها ويصطفيها، عندها أيقنت أنني أطمع في غير مطمع، وأصوِّت في غير مسمع.
وهي شبه بالقطع مهلهلة أكل عليها الزمان وشرب وغسل يده أيضا، وقد رُدَّ عليها مرارا لكنهم لردودنا لايقرؤون وإن قرأوا فهم في أحسن حالات الظن بهم - لا يهتمون.
كل العداوات قد ترجى سلامتها إلا عداوة من عاداك من حسد
ما علينا وهذا أمر لا نعول عليه كثيرا ما دام أمثال هؤلاء يدخلون الحوارات ويقتحمون مجالها وفي أذهانهم أفكار يودون تقريرها وإقرارها بأساليب تستباح لأجلها كل المحرمات وتركب في سبيلها كل مطايا الزيف والتحريف وسوء التأويل النابع من خبث النية وسوء الطوية.
لكن ما يعنيني حقا هو النصح لإخوتي المسلمين الذين يقتحمون هذه الغرف أو يشتركون في حوارات هم غير مؤهلين للدخول فيها وليست لديهم القدرة على رد الشبهات التي يثيرها ضدنا من يبيت لنا الشر ولا يرضى لنا بالخير، إن هذا من شأنه أن يأتي بنتائج معاكسة تماما للهدف المنشود من الدخول في هذه الحوارات سواء عبر البالتوك أو عبر الحوار المكتوب.
بالقطع نحن نغبط كل إنسان يغلي دماغه وتهيج مشاعره عندما تنتهك للرسول - صلى الله عليه وسلم - حرمة، أو يتهم الدين بما هو منه براء، أو تلصق بالقرآن الكريم افتراءات وأكاذيب، نشكره على انفعاله ووثبته التي هي في سبيل الله كما نرجو لها أن تكون، وإني والله لأحبهم في الله وأحمد لهم حماستهم وغضبتهم لله، لكن أن تدخل ساحة عراك وأنت غير مؤهل، أو تقتحم ميدانا وأنت غير مسلح، فأنت بذلك تضر ولا تنفع، وتساعد على تثبيت شبهة الخصم ولا تدفع، وتكون كمن ألقى بنفسه في التهلكة، وأخشى أن يكون من هذه حاله قد أضر بدينه وهو لا يشعر، لأنه لعدم تأهيله - ساعد خصمه على أن ينتصر عليه وأعانه على أن يشعر بنشوة الانتصار ويفاخر بها.
إخوتي الكرام، إن حسن النية وحده لا يكفي فكم من أضرار لحقت بتراثنا الديني كان الدافع إليها حسن النية فهاك زاهد عابد هاله انصراف الناس عن القرآن الكريم واشتغالهم بغيره من الكتب كمغازي محمد بن إسحاق وفقه أبي حنيفة فوضع حديثا في فضائل القرآن سورة سورة، فلما قيل له ما هذا الذي تحدث به في فضائل القرآن، أجاب بأنها أحاديث قد وضعها كي ينصرف الناس إلى قراءة القرآن بدل انشغالهم بغيره، فقيل له: كيف تفعل هذا وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: \" من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار \" قال: نحن نكذب له لا عليه.
ما أفظع الخطأ عندما يلجأ المخطئ إلى تبريره وتكييفه بما يتفق - من وجهة نظره - والشرع، إن الخطأ حينئذ يصبح في نظر المخطئ دينا يأمل من ورائه أجرا وثوابا.
وأخشى أن يغضب بعض الإخوة من كلامي ظنا منهم أنني أحاول إثناءهم عن الدفاع عن دينهم لا والله، بل أشد على أياديهم وأحمد لهم حسن نيتهم، وأرجو لهم أن يوفقهم الله في ساحات النزال وفي كل أمر يبتغون به خيرا، وأن يلقنهم الحجة ويدفع بهم كل ضلالة، لكن الأماني وحدها غير كافية، ولذلك أدعوهم إلى حسن الإعداد لدفع الشبه والتوجه الدائم بالسؤال عنها من يجيد الرد عليها، وبالقراءة الواعية للدراسات المهتمة بتقرير الشبه والرد عليها وما أكثر المواقع الإسلامية التي تهتم بهذا، وليس عيبا أن أكِلَ أمر الجواب إلى غيري إذا أيقنت أنه أولى مني بذلك ثقة بعلمه وتمكنه من الرد المناسب وقد قال الإمام مالك: ولا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلاً لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه.
وليس يُشك في أن الإعداد الجيد يضيق المسافات، ويؤدي إلى بتر الشُبَه والقضاء عليها فلا يكون لها بعد ذلك أثر، هنا تتحقق للرد فعاليته فيندحر المشتبِه ويرد كيده إلى نحره وهذا عين ما دعانا إليه القرآن الكريم في قوله - سبحانه -: {وَأَعِدٌّوا لَهُم مَّا استَطَعتُم مِّن قُوَّةٍ, وَمِن رِّبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُم} (الأنفال: 60) نعم إنها حرب والمتصدي لها مجاهد في سبيل الله، إنها حرب وسائلها أقوى من وسيلة السلاح، وإذا كانت الحرب المسلحة تحتاج إلى إعداد، فإن الحرب الفكرية تحتاج إلى إعداد أقوى وأعتى، فالحرب الفكرية أعظم أثرا من حرب السلاح لأن حرب السلاح تتوقف آثارها عند القدر الذي انتهت إليه الحرب وتوقفت، وأما الحرب الفكرية فآثارها ممتدة يتوارثها جيل عن جيل، ولذلك فالتصدي لها يحتاج إلى حسن إعداد وبدون إعداد حسن نكون كمن دخل أعزل على قوم مؤججين بأحدث أنواع الأسلحة، فماذا عساه أن يفعل؟
وعليه فإنني أهيب بالمخلصين غير المؤهلين ثقافيا وأحثهم على عدم اقتحام ساحات التحاور لأنهم بذلك يضرون بدينهم من حيث لا يشعرون. وأخشى أن تضيع قضية الإسلام العادلة على أيدي غير المؤهلين.
وكم من قضية عادلة ضاعت وضاع معها الحق على أيدي محامين فاشلين، فليحذر كل واحد منا أن يؤتى الإسلام من قبله وإن بحسن النية.
وقد ذكر ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله عن مالك - رحمه الله - قال اخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن عبد الرحمن فوجده بيكي فقال له: ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه فقال له أمصيبة دخلت عليك؟ فقال لا ولكن استفتى من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم.
ولذلك قال ربيعة أيضا فيمن يفتون بغير علم: هم أحق بالسجن من السٌّرَّاق.
وإذا كنا نعتب على غير المؤهلين دخولهم في نزاع لم يستعدوا له مع احترامنا وتقديرنا لحسن نيتهم فإن العبء الأكبر والإثم المبين يبقى على أولئك المؤهلين ثم هم في غيهم يعمهون، وعن مواجهة شبه القوم غافلون.
وإن تعجب فعجب أمر هؤلاء عندما تدعوهم إلى مواجهة ما يتعرض له الدين من افتراءات تراهم يصدونك ويعنفونك ويقولون دعوا الشبهة تموت والواقع يشهد بأن هذه الشبهات تتنامى يوما بعد يوم والساحة فارغة تنادي: هل من مبارز؟ والمبارزون تائهون في غياهب التبرير محاولين إقناع أنفسهم بأنهم بذلك يميتون الشبهة ويكفوننا شر القتال.
وأكرر ما أفظع الخطأ عندما يبرر، وما أعظم الجرم عندما يلبس ثوب التدين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد