تعليم البنات بين المنشود والموجود


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

تسعى السياسة التعليمية في كل أمة إلى تحقيق أهداف الأمة وغاياتها في الحياة، وتجتهد لترسيخ مبادئها وتثبيت قيمها في عقول أبنائها ونفوسهم، وصياغة واقع الأمة وصناعته ـ تبعاً لذلك ـ بما يحقق ما تصبو إليه من مكانة وريادة في مختلف جوانب الحياة. ومن هنا فإن عملية التعليم تعد من أخطر المجالات التي تؤثر في مسيرة الأمة، وواضعو سياسات التعليم وراسمو خططه هم قادة الأمة الحقيقيون. وقد علّق الشيخ أبو الحسن الندوي على سياسة فرعون بقتل أبناء بني إسرائيل بقوله: \"ما أغبى فرعون وسياسته فإن القتل الحقيقي لبني إسرائيل يمكن أن يتم بالإشراف على تعليم أبنائهم ما يريده فرعون\".

 

وإذا كان هذا من شأن التعليم عامة، فإن تعليم البنات يكتسب أهمية خاصة باعتبار أن المرأة تمثل نصف المجتمع من حيث النوع، وأكثر من نصفه ـ في بعض الدول ـ من حيث العدد، ومن ناحية أخرى فإن مجال المرأة تحوطه كثير من التشريعات والتوجيهات التي ترسم معالم المجتمع الإسلامي وتثبت مرتكزاته وتحدد أهدافه.

 

والفلسفة التي يقوم عليها تعليم البنات ينبغي أن تستند إلى جملة من الموجهات.. منها أنّ الهدف من التعليم هو تزويد الفتاة بما يمكّنها من معرفة أمور دينها عقيدة ونظماً وأخلاقاًº مع تزويدها بما تحتاجه في حياتها الدنيا من علوم حسب حاجتها وحاجة المجتمع. ثم تهيئتها لأداء وظيفتها الاجتماعية حسب موقعها أماً أو زوجةً أو فرداً في الأسرة. أيضاً ينبغي مراعاة الضوابط الشرعية أثناء العملية التعليمية في اللباس والحديث والعلاقة بالرجل ، وهذا يستدعي ـ من ضمن ما يستدعيه ـ فصل الطالبات عن الطلاب في جميع مراحل التعليم العام والعالي.

 

وبناءً على ما سبق يمكننا أن نبدي ـ بإختصار ـ بعض الملاحظات على موضوع تعليم البنات في بلدنا راجين إجراء مراجعات شاملة تقويماً للمسيرة وتحصيلاً للفائدة وقبل ذلك ـ وبعده ـ طلباً لرضاء الله - تعالى - ومغفرته.

 

أول ما يلاحظ في هذا الصدد على مستوى المناهج أن ما تدرسه الفتاة هو نفسه ما يدرسه الفتى في كل مراحل التعليم العام ومعظم مؤسسات التعليم العالي ، فليست هناك إعتبارات لخصوصية المرأة أو مراعاة لإحتياجاتها والأحكام المتعلقة بها أو التوجيهات الموجهة إليها ، ويتبع ذلك أن ينشأ الفتى والفتاة على منهج يرسخ في عقلهما الباطن فكرة المساواة المطلقة ، فيتنافسان على نفس المقاعد في الدراسة ويسعيان لنفس الوظائف في الحياة العامة.

 

وثمة ملاحظة أخرى تتمثل في أن التعليم العام يراعى فيه الفصل بين الطلاب والطالبات ، وما أن يبدأ الطالب والطالبة يتوغلان في مرحلة المراهقة في بداية التعليم العالى إلا ويجدا نفسيهما جنباً إلى جنب في مبنى واحد وقاعات مشتركة في المرحلة الجامعية ومن ثم تبدأ جراثيم الإختلاط تنخر في بيئة المجتمع الجامعي وتبدأ عملها الهدام في نفوس مهيأة ـ بحكم السن ـ ، وغير محصنة ـ بحكم التجربة ـ فتنشأ أشكال من المحاذير وتقع أرتال من الخطايا.

 

ومن ناحية أخرى فإن زي الطالبة في جميع مراحل التعليم مما يحتاج إلى مراجعة وتصحيح ، فبالرغم من أن الزي موحد في مرحلة التعليم العام إلا أنه لا يستوفي شروط الحجاب ، بل إنه ـ في بعض صوره العملية ـ أقرب إلى الفتنة منه إلى الحجاب ، أما في المرحلة الجامعية فإن عدم توحيد الزي الجامعي أحدث ألوانا من الفوضى وأشكالا من الفتنة ، وما لم يتدارك الأمر فإن أبوابا من الشرور تفتح على مصراعيها.

 

كما أن بعض الكليات والأقسام تفتح أبوابها للطالبات، وطبيعة هذه الأقسام لا تتناسب مع النساء والالتحاق بها والتخرج منها يعرض المراة للوقوع في الكثير من المحظورات والمحاذير. منها ـ على سبيل المثال ـ قسم المدنية بكلية الهندسة أو قسم الجيولوجيا بكلية العلوم وكليات علوم الطيران وعلوم البترول ـ التي تستدعي عملاً ميدانياً ـ وغيرها من الكليات التي تتطلب جهداً أو عملاً يتعارض مع طبيعة الأنثى وطاقاتها ويعرضها للإختلاط أو السفر ـ بدون محرم ـ وأحياناً الخلوة. ومن هنا تنشأ الفتن.

 

خلاصة الأمر أن تعليم البنات ضروري ومطلوب من حيث المبدأ، وإذا أُحسن توجيهه يعود على الأفراد والمجتمعات بالخير الوفير، لكن واقع تعليم البنات يحتاج إلى مراجعات في جوانب المنهج والزي وطبيعة التخصصات التي تحتاج للبنات والفصل بين الطلاب والطالبات في جميع مراحل التعليم، وإلا فإنّ هذا الواقع لا يسر غيوراً ولا يرضي مُصلحاً.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply