بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علم بالقلم..
وفضّل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون..
فقال: \" إنما يخشى الله من عباده العلماء \" و \" هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون \"!
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم بإيمان. وبعد:
فإن مطالب العبد المؤمن - رجلا كان أو امرأة - تسمو به وترتفع به بقدر مطلوبه وأمانيه.
وإن صاحب الهمة العالية لتتقاصر عند قامته الأماني والأمنيات..
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام!
لكن تعترض المرء في طريقه عوائق وعقبات، قد تكلّ سيره أو تملّه!
وإن من أعظم العقبات والمعوقات وأنكاها على المسلم هي ما كان من داخل نفسه ونوازعهاº فالنفس أمّارة بالسوء..
وفيها حقد وحسد..
وحب التسلّط والتجبر...
وغلُّ ورياء وشقاق........
والموفق من وفقه الله ونجّاه من طوفان هذه المهلكات، والمحروم كل الحرمان من وقع في حبائلها ومهالكها.!
ثم إن المسلم إذا خلَّص دواخله من كل هذه جاءته مجموعة من المطالبات النفسية الداخلية تتنازعه فأقلقته وعصفت به، ويمكن في كثير من الأحيان أن يقوده عدم تحقيقها إلى الإحباط واليأس والجزع ـ بله ـ وتنكٌّبِ الطريق.. نسأل الله العافية..
وقد سألني من لا يجمل ردّه، ولا يحسن صدّه عن طريقة في طلب العلم الشرعي سهلة ميسرة، يمكن لمن اشتغل بعلوم الطب والهندسة وغيرها ولم يكن في العلم الشرعي من المتخصصين أن يسلك هذا الطريق فيحصل له به ما يتحقق معه التكامل في بناء الذات والروح تكاملاً لا يجمل أن يُنقص عنه أو يشتط.
فجمعت أمري مستعينا بالله ربي على أن أوفق لما يكون فيه النفع للمسلمين.
فسطرت هذا البرنامج - على عوجي وتقصيري - مستفيدا مما كتبه بعض الأخيار في هذا الباب..
والأمر قابل للتنقية والتنقيح، والإضافة والتمليح...
فأقول بالله وبالله أنا:
أولاً: عشر تنبيهات.
• الإخلاص لله – تعالى- وحسن المقصد وصدق اللجأ إليه - جل وعلا- فإن من أعظم ما يبارك للعبد في عمره وجهده هو الصلة بالله - جل وتعالى- والإخلاص له في كل قول وعمل وقرع بابه ودعائه بالتوفيق والثبات والسداد.
• لا يحسن بالمسلم أن يترك دراسته للفنون والصناعات ـ إن كان من المتخصصين فيها كالطب والفيزياء...ـ ليطلب العلم الشرعي الكفائي، فإن هذه الفنون والصناعات سبب من أسباب عمارة الأرض وسعادة الأمة، وبتركها يكون الوهن والضعف.
• لم تكن للفنون والصناعات في عهد السلف هذه المنزلة التي لها اليوم، وعليه فلا يصح أن نقارن بين ما عليه السلف بما نحن عليه الآن!
• كان السلف - رحمهم الله- حريصون على تعلم هذه الصناعات ـ رغم بدائتها ـ فكثيراً ما نجد من أسمائهم: القفّال، والشاشي، والزجّأج، والفرّاء، والخياط، والسراج، والحداد....
• قد عاب بعض السلف تضييع بعض الفنون فنجد الشافعي - رحمه الله - يقول:\"لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلاّ أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه\".
• قد سهل عند بعض السلف الجمع بين الصناعات وطلب العلم الشرعي نظراً لما تميز به عصرهم من البساطة وعدم التعقيد في روتين الحياة، أمّا اليوم فقد تبدل الحال وأصبح روتين العصر معقّداً وهذا بسبب ما اكتسبته أيد الناس.
• إذا فهمت هذا فاعلم أنك إن لم تستطع تحصيل العلم الشرعي المطلوب فقد يعوضك الله بفن أو صناعة تكفي بها الأمة الذل والهوان.
• لابد لصاحب الصناعة أن يُلمّ بالأحكام الشرعية المهمّة والتي لا يُعذر أحد بتركها من أمور المعتقد والشريعة.
• في باب بناء الذات ينبغي أن تنطلق في بناء ذاتك من ذاتك، لا من ذوات الآخرين.
بمعنى أنه ينبغي أن تنطلق من خلال قدراتك و إمكاناتك وأن لا تنظر إلى الآخرين وتقيس نفسك بهم، سيما من منّ الله – تعالى- عليه بقدرات و إمكانات لا تكون لك.
وإننا نجد من علماء السلف من كان يربي طلابه على مثل هذا المفهوم - أعني مفهوم الانطلاق من خلال ما يتوفر للذات من إمكانات – فانظر إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي - رحمه الله - حين لزمه الأصمعي يريد أن يتعلم منه علم العروض، لكنه لم يكن ليجيد ما يريده، فلما رأى الخليل أن الأصمعي قد تضيع عليه سني عمره في طلب أمر ليس من قدرته ولا من إمكانه كتب إليه يوماً: يا أصمعي أريدك أن تقطّع لي هذا البيت – وكأنه يختبره في علم العروض -:
إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع!!
ففطن الأصمعي لمراد أستاذه فترك الانشغال بعلم العروض وانشغل بعلوم اللغة حتى صار إماما من أئمة اللغة.
المقصود أن لا تشغل نفسك وتُجهد فكرك فيما ليس لك به طاقة ولا قدرة.
• أرفق على نفسك التي بين جنبيك.
إنه ليس معنى طلب التكامل في البناء أن تجهد نفسك وان تقحمها وتأطرها على نيل ذلك بأشق أسلوب.
بل الرفق الرفق.. والقصد القصد.. فإن ما يأتي جملة يذهب جملة.
وقد يكون هذا باباً للانقطاع والملل...
وإن من منهج النبوة في بناء الذات.. الرفق والتخوّل..!
هذه تنبيهات مهمة قبل الشروع في بيان برنامج التأصيل العلمي – لغير المختصين -.
ثانياً: برنامج التأصيل العلمي - لغير المتخصصين -.
• زمن البرنامج.
(سنتين). كل سنة مقسمة على (فصلين). وكل فصل يمثل (أربعة أشهر).
ويمكن إطالة زمن البرنامج إلى ثلاث سنوات كحد أقصى.
وذلك حتى يكون البرنامج واقعيا في الطلب والتحقيق، فينبغي أن يحدد له إطار زمني محدد لتحقيقه وتنفيذه، ليكون ذلك أدعى للتحصيل والاجتهاد. وأقوم للمحاسبة والمراجعة.
• هدف البرنامج:
الإلمام بأصول وأساسيات أحكام أركان الإسلام الخمسة وما يتعلق بها، إضافة إلى حفظ القرآن الكريم مع تفسير آيات المفصل منه.
• البرنامج يعتمد أكثر ما يعتمد على التحصيل الذاتي أو قل - التربية الذاتية -.
على أن تنفيذه من خلال مجموعة أنفع وآكد في التنفيذ والاستمرار والمراجعة والتقويم.
• الأشهر ما بين الفصلين تُستغل في مراجعة ما تمّ حفظه من القرآن الكريم مع عدم الزيادة على المحفوظ.
• أن يحرص المتعلم على أن يكون له حضور أسبوعي في مجلس علم يتعلم فيه أحد مفردات البرنامج إن أمكن.
بالنسبة للأخوات فإنه بإمكان الأخت أن تُلزم نفسها سماع أسبوعي لسلسة شروحات المتون لفضيلة الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله - أو غيره مما تتناسب مادته مع مفردات البرنامج.
• في الأجازات الفصلية (الربيع - الصيف) يُفضل للمتعلم أن يكمّل جانب المهارات بالاشتراك في الدورات المهنية التي تصقل المهارة.
على أن لا يكون هناك تعارض بين تنفيذ مفردات البرنامج والالتحاق بمثل هذه الدورات.
• مفردات البرنامج:
- حفظ القرآن الكريم مع إجادة تلاوته نظراً.
- قراءة تفسير سور المفصل. من كتاب المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير.
- معرفة أحكام الشهادتين (لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله) من خلال متنين:
المتن الأول (الأصول الثلاثة).
المتن الثاني (كتاب التوحيد).
- معرفة أحكام الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج. من كتاب (تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ) للبسام.
- القراءة في السيرة النبوية.
- تهذيب النفس والسلوك.
اسأل الله العظيم أن يبارك الجهد وان يعظم الأجر وأن يثبتنا على طريق الهدى والرشاد.
والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد