بأي حال عدت يا عيد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما طفقت أرواحنا تعايش رمضان الأمس.. ولما تزل منغمسة برحماته، حيث كان أمل الباحثين عن الحسنات، وموطن النصر على صفحات التاريخ، وانتصار النفوس الصافية، والتلذذ بحلاوة تجميد الشهوة مع النفس بسلاسل الإيمان.. فرطبنا ألسنتنا بالاستغفار ومزجنا حنيننا بالخوف والرجاء بين السجود والدعاء، والأمل غمرناه بالرحمة.. والمغفرة.. والعتق من القبول.

 

ها نحن نستقبل أيام العيد ـ وأنا عن الأهل والأحبة بعيد ـ أحاول تفجير الفرح الذي خلفته هاتيك الأيام.. فلم أتمكن من إزاحة تلكم الحواجز التي أفرزتها الغربة والمهجّرون من ديارهم تحت القصف، وآلاف من جرحى الانتفاضة المباركة في مشافيهم.. وأخوة الجهاد في معاناتهم.. كل ذلك يحول دونه، ويجعلني أتساءل من جديد.. هل غداً عيد؟!

 

إن ما نحن فيه.. وبعدما تجاوز عدد شهداء الانتفاضة، وكذلك القتل والتشريد والقصف.. كل التقديرات والتخمينات.. يحتم علينا أن نعيد غسل الضمائر بصابون اليقظة، لتصبح نظيفة مما وسخته كلمات وأفعال المرجفين والمغالطين.

 

لقد مللنا القصائد الوطنية التي يكتبها من يضع على صدره نياشين لا تتنفس، وصفحات الطبخ التي يدبجها مختص تموين، وأحوال أدعياء الفن وأخبار سفاهاتهم وزواجهم وطلاقهم.. يسودون بها صفحات الصحف، يجمع حروفها المبعثرة منكبون بينما الدموع باكية على ما تسفكه أيدي الإجرام والمعتدين من مئات الشهداء والأبرار، كما يطأطىء الجفن بعد الهامة خجلاً وحياء وتقزماً لأصغر جنرال من جنرالات الحجارة المتوضئة التي يرهبون بها أعداء الله وأعداءهم، محتقرين جميع أسلحتهم ومن يقف خلف زنادها، يدوسونه بأقدامهم لأنه «كتبت عليهم الذلّة"فقد تلبّست قلوبهم بالجهاد، فاستهانوا بأحدث عتاد، ولا يخافون جميع الأوغاد.. فقد أعطوا الله ورسوله الانقياد. حيث اخترق المجاهدون جدار الموت، واستطاعوا تحويل الإنسان إلى رمز، والجثة إلى روح، وآثروا الرمز والروح.. على الإنسان والجثة، حيث لا أحد يمكنه أن يغتال الرمز والروح.

 

أيها المتثاقلون إلى الأرض دعوا: لن نستطيع.. لن نقدر.. لن نتهيأ.. لن.. لن.. وتمطروننا بلنّاتكم هذه، ألا.. فليرفع العربي من ثمنه، بعدما أرخصه المتحدثون باسمه لأنه طأطأ فقرات عنقه لهم، وترك دينه الذي لا يكون عزيزاً وغالياً ومقدساً.. دون أن يرتدي رداءه، والإنسان حيث يضع نفسه، وهو بمقدار ما يثمن قيمته.

 

ولا يهين الشعوب إلا رضاها      رضي الناس بالهوان فهانوا

 

لقد تغيرت عقارب الزمن، وصارت تلدغ الأحلام، ونحن نيام في ظل الزمن الذي ينساب، والعيد عند المسلم له شأن خاص:

 

ــ إن يوماً لا نعصي الله فيه.. هو عيدنا.

 

ــ ويوماً نعود إلى رحاب الله فنصلح من شأننا.. هو عيدنا.

 

فليس العيد لمن لبس الجديد.. إنما العيد لمن طاعاته تزيد.

 

وليس العيد لمن لبس الملابس الفاخرة.. لكنما العيد لمن أمن عذاب الآخرة.

 

كل ذلك يجعلني أتساءل من جديد.. هل اليوم عيد؟!

 

عيد بأية حال عدت يا عيد*** بما مضى أم لأمر فيك تجديد

 

فما لون العيد في الأقصى؟ وما لون العيد هناك؟ ما طعمه؟ ثم هل هناك عيد؟

 

إن هناك من يقصف إخوتنا، وهناك من يصوّب الرصاص إلى الأجساد.. يقتلون الآباء والأبناء.. ويسفكون الدماء، ويهدمون البيوت وكل بناء.

 

فالعيد عند انتصارهم.. لأنهم وحدهم العيد.. بل هم العيد لكل الأيام.. فيوم يتحقق نصر الله للمؤمنين بعودة فلسطين وأقصاها الحزين.. وكافة أقطار المسلمين.

 

عندها يكون عيدنا.. فذاك عيدنا.. ذاك عيدنا..

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply