بسم الله الرحمن الرحيم
"الإجازة الصيفية" كلمة لها وقع مختلف على كل من الآباء والأبناءº فبينما يراها الأبناء واحة ومتعة وخلو بال من عناء مسئولية المذاكرة والامتحانات يراها الآباء مسئولية وعناء.. بل في بعض الأحيان مرادفا للشقاء.
فمن همّ التفكير في كيفية إخماد طاقة الأبناء في فترة الصيف إلى الإعداد لجداول التدريبات والأنشطة الصيفية إلى النزول يوميا لمصاحبة الأبناء من وإلى هذه الأنشطة ومتابعتهم، وفي النهاية إلى محاولات إرضاء رغبات واحتياجات الحالة المزاجية للأبناء.
"الإجازة الصيفية" زائرنا السنوي المعتاد.. هل أعددنا عدتنا لاستقباله؟
لماذا يمثل الصيف بالنسبة للغالبية العظمى من الآباء ضيفًا ثقيلا لا يثير خبرًا قرب وصوله سوى الارتباك والاضطراب والضيق. فالمدارس بالرغم من كونها مؤسسات ذات إمكانيات ضخمة يمكن أن تمثل مجالا خصبًا لأنشطة الأبناء فإن معظمها لا تعبأ إلا بالمناهج التعليمية، وكأن دورها ينتهي مع انتهاء ووضع التقييم على الصفحة الأخيرة من شهادات الطلاب.. هذا يتضح مع قلة الاهتمام الذي توليه المدارس لمادة الأنشطة أثناء العام الدراسي وانعدام هذا الاهتمام أثناء الإجازة الصيفية. وبالتالي أصبحت الأنشطة خلال الإجازة الصيفية.. حكاية كل بيت.. مسئولية ملقاة على عاتق الوالدين دونما مساعدة من مؤسسة المدرسة.
كما أن المؤسسة الإعلامية لا تقدم عونًا للأهلº فالتليفزيون بسبب ما يقدمه لأطفالنا في عالمنا العربي من مواد في أغلبها تغريبية تحتوي على مشاهد عنف وإعلانات شرهة، أصبح هناك في كل بيت ما يمكن أن نعتبره معركة مع التلفاز. الأطفال يفضلون البقاء أمامه كالتماثيل لا حراك لها ولا إرادة سوى الاستقبال السلبي لكل ما يقدم، المؤدي لا محالة إلى تخمة البدن والعقل معا، حينما اهتمت الأمهات الواعيات بآثار التليفزيون السلبية إن تعدى معدل المشاهدة إلى معدل الإدمانº فجاءت تجربة حياة أطفالنا بدون تليفزيون تجربة واقعية حية لبدائل عالم الكارتون، وعالم توم جيري، وعالم البوكيمون، والإعلانات الشرهة.
ومن أجل إجازة صيفية مفيدة ممتعة ومستثمرة خير استثمار نقترح على قرائنا 4 محاور محددة، ستناولها من منظور الهدف المرجو من كل منها:
1 – إثراء الخبرة الجمالية لدى صغارنا.
2 – اكتشاف عوالم الكتب والمكتبات.
3 – إدراك جمال اختلاف البلدان.
4- الاهتمام بالأبدان
أولا: إثراء الخبرة الجمالية لدى صغارنا
ولن يحدث ذلك إلا من خلال إطلاق خيال الصغار أولاº فندعهم يعبرون بأناملهم الصغيرة الرقيقة عن طريق الرسم والتلوين عما يدور بداخلهم وبداخل عقولهم الصغيرة من أفكار ومشاعر وأحاسيسº فقد أثبتت التجارب أن إدراك الجمال نماء للصغارº فمن ناحية يثري المواهب الفنية والخبرة الجمالية والقدرة على التذوق الجمالي، ومن ناحية أخرى تؤثر التجربة الفنية في مستوى ذكاء الصغار، فقد اكتشف علماء النفس والتربية أهمية الفن كمقياس للذكاء، وأنه وسيلة من وسائل تنمية ذكاء الأطفال.
فلا يجوز لنا كآباء وأمهات ومربيين أن نهمل هذا الجانب من التربية (إثراء الخبرة الجمالية)، وتنمية المواهب الفنية لدى صغارنا. فلنشجعهم على الرسم والتلوين، على القص واللصق، على الأعمال الفنية المصنوعة من المواد البيئية.. ولا يتوقف دورنا عند مجرد التشجيع والتوجيه بل علينا استثمار هذه المواهب في بناء ثقتهم بأنفسهم ومعرفتهم بقدراتهم وإمكانياتهم الحقيقية.
وقد اقترحت إحدى الأمهات أسلوبًا جديدًا لبلوغ هذه الغايةº ألا وهو "مذكرات الإجازة الصيفية.. بذرة لأديب أو فنان"º فتشجيعهم على تسجيل لحظاتهم الجميلة يعطيهم ثقة أكبر بأنفسهم وبقيمة وجودهم في حياتنا، فهم في النهاية فرحتنا رغم كل الأوقات العصيبة.
ثانيا: اكتشاف عوالم الكتب والمكتبات
القراءة ليست هدفًا في حد ذاتها، وإنما هي الوسيلة الأولى للتعلم والمعرفة والتفاعل الإيجابي، ولن تبلغ القراءة هذه الغاية إلا من خلال ما يسميه العلماء بالقراءة النشطة التي تتمثل في إشراك الآباء والأمهات أبناءهم الحوار حول ما يقرءونه مثلا في قصة، وذلك من خلال ثلاث خطوات:
1- تشجيع الأبناء على التعليق على بعض أحداث القصة.
2- ثم تعليقهم على ما يقوله الصغار.
3- وفي النهاية الثناء على محاولاتهم في إقامة حوار ونقاش حول القصة.
كما أن قراءة القصص للأطفال تجعلهم يكتشفون العالم من حولهمº فالسرد القصصي والقراءة أسلوبان فاعلان لتنمية الخيال عند الأطفال.. ومن ناحية أخرى تنمي القراءة للأطفال رابطة قوية بين الوالدين والأطفال، وتعزز تأثير الوالدين مع الأبناء. هذا بالإضافة إلى أن وجود الكتاب حول الطفل في مراحل عمره المبكرة يساعد في تكوين طفل إيجابي ذي اتجاه إيجابي نحو الكتب والعلوم والمعارف، وهو ما يؤثر على نجاح الطفل مستقبلا على دراستهº فالكتاب الجميل يربي طفلا إيجابيا.
ولكن هناك نشاطًا آخر لا يقل أهمية عن القراءة النشطة للأطفالº ألا وهو قراءة القصص من قبل الآباء، ثم حكيها دون الاعتماد على الكتاب باستخدام الإيماءات وتعبيرات الوجه والجسد، ومحاولة محاكاة الشخصيات بالصوت والحركة.. فهذا النوع من فن الحكي يثير الأطفال ويحفزهم لتجريب رواية القصة بأنفسهم ودفعهم لرواية قصصهم الذاتية، "كان ياما كان" هي بداية لقصص كثيرة ومثيرة تمتع أطفالك. كل ذلك يطلق إبداع الصغار، وينمي قدراتهم اللغوية، ويدربهم على مهارات التواصل والحديث والإنصات. ولكن في النهاية هذا كله يُعد واجبًا ودورًا إيجابيًّا من قِبل الأهل في حسن اختيار الكتاب وانتقائه من حيث المضمون والشكل.
ثالثا: إدراك جمال واختلاف البلدان
فالسفر والترحال يحققان العديد من الفوائد، جمعها الشافعي في بيت شعر:
تفريغ هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد
وعليه نجد أن للسياحة فوائدها التربوية إذا ما أُحسن تنظيمها والإعداد لهاº فالسياحة الداخلية هي في الحقيقة نوع من الترويح التربوي الهادف الذي يجمع بين المتعة والمعرفةº بحيث يضيف العديد إلى خبرات أبنائنا الثقافية والعلمية، ويثري معلوماتهم التاريخية والجغرافية، كما يكسبهم السفر والترحال المهاراتِ المعرفيةَ والقدرات العقلية والإبداعية لديهمº فالتعليم الفعال هو التعليم المشوق.. وليس هناك أكثر تشويقا من السفر.
أين نسافر؟* لا يهم إلى أين سيسافر الأبناء؟ طالما خططنا لسفرهم جيدا، وأعددنا لذلك مبكرا، ومن أهم ما علينا التفكير به صحبة السفر.. مع من يسافر الأبناء؟ فقد نجد صحبة طيبة صالحة في المخيمات الكشفية كالتي تنظمها بعض المنظمات الإسلامية، أو بعض المراكز الإسلامية في الخارج التي تهدف إلى إنماء اللغات لدى أبنائنا.
نحن ندعو إلى السياحة الثقافية الهادفة الممتعة التي تجعل من الإعداد والتخطيط الجيدين شرطي نجاح، والتي إن روعيت فيها كل الأطر الشرعية والأخلاقية صارت متعة وإفادة وثوابًا. ومن أهم ما نحن بحاجة إلى تعليمه إلى أبنائنا الأحباء هو احترام الآخر والاعتراف بوجوده وحقه في الاختلاف، وهذا لن يتحقق إلا بالانفتاح المنضبط على العالم من حولنا، من خلال إدراك ووعي لمعنى ومغزى الآية الكريمة: "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..". فلكل شعب ولكل موطن خصوصيته الثقافية وخلفيته التاريخية وإنجازاته الحضارية، وإدراك ذلك مبكرا يؤثر إيجابيا على عقلية الأبناءº بحيث يدركون نقاط الضعف والقوة فيمن حولهم وفي أنفسهمº فيتحولون في تعاملهم مع الآخر إلى مرحلة من النضج والوعي والتأثير.
رابعا: الإحسان إلى الأبدان
غني عن الذكر أهمية الاهتمام بالصحة والبدن واللياقة، وكلما ذكرت أهمية الاهتمام باللياقة البدنية والقوة الجسمية تذكرنا المثل الشهير "العقل السليم في الجسم السليم"، ونسينا آيات وعبرًا قرآنية مُنزَّلة تمتدح قوة الجسم، وترشدنا لكونه منحة ونعمة ربانية تستحق الحمد والحفظ والرعاية " وَقَالَ لَهُم نَبِيٌّهُم إِنَّ اللهَ قَد بَعَثَ لَكُم طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلكُ عَلَينَا وَنَحنُ أَحَقٌّ بِالمُلكِ مِنهُ وَلَم يُؤتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصطَفَاهُ عَلَيكُم وَزَادَهُ بَسطَةً فِي العِلمِ وَالجِسمِ وَاللهُ يُؤتِي مُلكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ". وكأن العلم ونعمة الجسم وقوته أرفع مكانة وأرفع منزلة من المال، وبالتالي كان على الوالدين دور في حفظ تلك النعمة وهذه المنحة: الجسم السليم، وليس هناك من سبيل إلى ذلك إلا بتنمية قدرات الأبناء الرياضيةº فبالرياضة يحفظ البدن لياقته ومرونته ونشاطه. وعندما ندعو إلى الاهتمام بهذا الجانب لا نفرق بين بنت وولد، فحفظ الأبدان حق لكليهما وواجب على كافة الأبناء والأمهات والحدود الشرعية لممارسة الرياضة بالنسبة للبنات أضحت معروفة وضوابطها محددة ومشهورة.
والسؤال أصبح: لماذا ننتظر طويلا حتى تصبح البنت فتاتا يافعة حتى نهتم بأمر الرياضة؟ أين السنوات العشر الأولى؟ أليس من الأجدى الاهتمام بالرياضة في سني الأبناء الأولىº حيث مرحلة البناء الحقيقية (بناء الروح، العقل، البدن)، فلنعتبر كل صيف هو فرصتنا الذهبية لانطلاق الأبناء في رياضات نافعة ومفيدة كالكاراتيه والسباحة والجمباز وكرة اليد...
ولتستمتع كل أم برؤية أبنائها يندمجون مع فريق رياضي، ويفرغون طاقتهم فيما بعد. وإن سئمت يوما الجلوس أمام المسبح أو على مدرج أو على كرسي في ركن ناءٍ, في ملعب، فلتتذكر أن الصحة نعمة من نعم الله فهي بحق تاج، إنها تقي أولادنا "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" حديث.
خامسا: إمتاع الأرواح بآيات وعبر ربانية
نهتم كثيرا بإثراء العقل والذهن والفكر بكل ما هو مفيد، ونسرف أحيانا في اهتمامنا بتغذية البدن والجسم، وننسى كثيرا أحد أهم جوانب الشخصية، جاء الصيف حيث الوقت والفراغ، حيث الفرصة سانحة للاهتمام بأرواحنا وأرواح أبنائنا. وإن أحببنا كآباء وأمهات فعلا أن "نريح أرواحهم"º فنرشدهم إلى ظلال الشجرة المثمرة أبدًا إلى ظلال القرآن الكريمº حيث رائحة الوحي وعطر الرعيل الأول، وشذا الأنبياء.. حيث زاد لا ضرر فيه ولا أسقام، حيث صور ترشدنا للإيمان والإحسان، حيث أطياف الروح والإيمان.
فهل سننسى إلحاق أبنائنا بمسجد؟ هل سنعدم الوسيلة في إيجاد محفظ كفء يتابع حفظ القرآن الكريم وشرحه لأحبائنا الصغار، أم أن الروح لا تجد لها نصيبًا من وقتنا ومجهودنا واهتمامنا بل إنها الأولى؟
*لا بل من المهم جداً تخير البلدان التي تزار فلا يجوز الذهاب إلى بلدان الكفر ولا إلى أماكن يكثر فيها التبرج والسفور
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد