بسم الله الرحمن الرحيم
أسماؤها:
المدينة: إذا أطلق هذا الاسم فإنه ينصرف مباشرة إلى مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو الاسم الغالب عليها، وأصبح علما عليها، تتميز به عن جميع الديار وكافة الأمصار، فاستغرقت بالألف واللام جميع مواصفات المدن ومقومات بقائها، وأسس حضاراتها.
تشرفت بهذا الاسم بتسمية الله لها بها في القرآن في أربعة مواضع، أما في السنة المطهرة فيصعب حصر الأحاديث التي ذكره فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الاسم وسماها به.
كل الأمم والشعوب بل كل فرد على وجه الأرض - على تباين أديانهم وعاداتهم وتقاليدهم وألوانهم وبلدانهم - ينشد السعادة ويتطلع إليها، ويبحث عن الحياة الطيبة والعيش الهانئ، ويتوق إلى راحة البال وطيب المقام.
وهذا المطلب العام لجميع بني البشر يجده كل من سكن المدينة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، حتى استحقت أن يسميها العظيم في علاه من فوق عرشه «طابة» في صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله سمى المدينة طابة» وكفا المدينة فخراً وكرامة وعزا ومنزلة وفضلاً أن الله الجليل في علاه يسميها بنفسه بهذا الاسم الكريم! وقل لي بربك أي مدينة وبلدة نالت هذا الوسام من رب الأنام!
وسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «طيبة" كما في صحيح مسلم، دلالة على طيب عيشها مأخوذ من الطيب، وهذه الأسماء دالة على فضلها وعلو منزلتها عند الله وعند رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومميزة لها عن غيرها من المدن، فهي طيبة في رائحتها، وطيبة في عيشها وطيبة ومطيبة في حلول الطيب المطيب فيها - صلى الله عليه وسلم -.
وطيب عيش المدينة يشهد به كل من سكنها على مر التاريخ خاصة من سكنها تدينا، مبتغيا ما عند الله، معظما لحرمتها وحرمة ساكنها - عليه الصلاة والسلام - متبعا لهديه، سائرا على سنته، مقتفيا لأثره، محتسبا الأجر والثواب الوارد على لسانه - صلى الله عليه وسلم -.
الأمن قوام الحضارة:
الأمن هو قوام الحضارات ومحضن الإبداع والتفوق، فالحضارات كلها لا تبنى إلا في جو نقي ومناخ آمن يأمن الناس فيه على أديانهم وأرواحهم وأموالهم.
والمدينة من أول يوم عرفت فيه الإسلام وحل فيها رسول الله - عليه أفضل الصلاة والسلام - أصبحت حرما آمنا يأمن فيها الناس على حياتهم وممتلكاتهم، بل تعدى هذا الأمن وهذه الحرمة إلى الطيور في أوكارها والأشجار في منابتها. ففي صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إني أحرم المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عِضاها ولا يصاد صيدها».
أي مدينة في الدنيا - غير مكة المكرمة - وصلت إلى هذه الحرمة والتعظيم حتى الطيور والأشجار ينبغي أن تعيش آمنة من كل تكدير أو أذى يصيبها؟!
أي حضارة وأي مدنية تكفل هذا الأمن لمن عاش فيها، وأي مدينة يتعين على الناس أن يتعايشوا فيها بمثل هذا الأمن التام على أموالهم ودمائهم وأبصارهم، بل وعلى نفسياتهم من الخوف والاضطراب أو التهديد والوعيد، أو المتابعة والمراقبة والكيد. لقد توعد كل من سولت له نفسه كيد أهل المدينة وإخافتهم - سواء كان من داخلها أو خارجها - بالعذاب الأليم.
ففي البخاري عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء» وقال: «من أراد أهل هذه البلدة - يعني المدينة - بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء».
ففي هذه الأحاديث دلالة على ما يجب أن يحظى به ساكن المدينة من الحرمة والأمن النفسي فضلا عن الأمن العام على الأجساد والأموال والأولاد.
كيف يتصور هذا المجتمع الطاهر الآمن على نفسه وماله بل وعلا نفسيته! وكيف تكون إنتاجيته وتفاعله مع من حوله؟ وكيف تكون حضارته وسعة أفقه وغزارة علمه وبراعة أفكاره، وكيف يكون إبداعه واختراعهº إذ من المعلوم والمقطوع به أن العلم والتفوق لا يقومان إلا في مثل هذه المناخات الآمنة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد