فشلت كل مراكز الاستطلاع الأخيرة في توقع السيناريو الذي ستفرزه الانتخابات الرئاسية في أمريكا بين المرشحين الجمهوري جورج بوش الابن "الرئيس الحالي" والديمقراطي جون كيريº نظراً لتقارب النتائج وتساويها في أكثر من استطلاع، والتي بتاريخ 03 نوفمبر 2004م - كما هو متوقع - ستعطي النتائج الأولية للفائز بكرسي البيت الأبيض للفترة المقبلة, شريطة أن تجري دون مشاكل تذكر كما جرى في الانتخابات السابقة 2000 م.
وكما توقعت الصحف الأمريكية الأكثر انتشاراً وتأثيراً فإن "بصمات 11 سبتمبر على الانتخابات الأمريكية" سيطرت على هواجس نصف الأمريكيين من الناخبين، واحتل الملف الأمني ومحاربة الإرهاب الاهتمام الرئيس للناخبين، الأمر الذي يفسّر طبيعة هذه الانتخابات في نفسية الشعب الأمريكي الذي يتجاذبه الخوف من "القاعدة" و"الإرهابيين الإسلاميين" و"تهديدات أسامة بن لادن الأخيرة"، مع "المعاناة من التدهور الداخلي في الخدمات الاجتماعية"، و"تقليص فرص العمل"، و"الخوف من التضييقات في الحريات الشخصية والعامة" بسبب التدخلات المباشرة من طرف الإدارة الأمريكية التي سنت قوانين جائرة بحجة "مكافحة الإرهاب"، و"حماية الأمن العام الأمريكي"، وهي سابقة لم تشهدها أمريكا في تاريخها الحديث.
* بوش الابن: أنا القادر على حمايتكم!!
حملة الرئيس الأمريكي المرشح "بوش الابن" تركزت بشكل أساسي على المخاطر المتزايدة التي تواجه أمريكا من طرف أعدائها، والتي طالما نبّه إليها وحذر منها - والشريط الأخير لأسامة بن لادن دليل حي على هذا التوجه في نظر فريق بوش -، وقد اقترن الخيط الناظم للبرنامج الانتخابي لبوش الابن مقارنة بمنافسه جون كيري بالتخويف مما يعتبره مخاطر متزايدة محدقة بأمريكا وأمنها جراء "الهجمات المتصاعدة التي يلقاها الجيش الأمريكي" المحتل "في العراق من طرف الجماعات التابعة للزرقاوي أحد العناصر الفاعلة والنشطة في تنظيم القاعدة، وتصاعد العمليات العسكرية في أفغانستان من طرف عناصر الطالبان المساندة للقاعدة.
كيري في حملته الانتخابية وخلاف منافسه عمل للتأكيد على أنه يعارض سياسة الجمهوريين التي يمثلها بوش الابن بكل حماقاته، وتحالف مصالح شركات النفط والتسليح، وأنه الطرف الأنسب للدفاع عن أمريكا وهيبتها، وقد رفع شعار "إعادة صياغة التحالفات مع المجتمع الدولي، وحلفاء أمريكا التقليديين" الذي تأثر بالسياسة الرعناء بقيادة الرئيس بوش الابن مدة أربع سنوات مع حليفه البريطاني توني بلير، وينادي بصياغة سياسة جديدة لمكافحة "الإرهاب" تحمي المصالح الأمريكية العليا في كل مكان، مع الحفاظ على الشرعية الدولية في معالجة التوترات السائدة في العالم بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، وبدون شك تستقطب كل التصريحات والإجراءات التي تصب في المعالجة الأمنية شريحة مهمة من الرأي العام الأمريكي، يعيش هاجساً أمنياً ساهمت في تضخيمه جهات إعلامية محسوبة على تيار المحافظين الجدد، ومجموعات مصالح وضغط لحسابات سياسية واضحة.
* تأثير 11 سبتمبر على مسلمي أمريكا:
فعقب أحداث 11 سبتمبر انطلقت حملة إعلامية وسياسية شرسة تمحورت أساساً حول ضرورة " تعقّب الشبكات التابعة لتنظيم القاعدة في العالم وضربها" في إطار الحملة على "الإرهاب الدولي"، وكالعادة اتجهت أصابع الاتهام إلى الجالية المسلمة في أمريكا التي عانت - إلى جانب الإقصاء والتهميش - حالة ضغط نفسي مستمر في كل مرة يثار فيها موضوع العنف سواء في العالم العربي والإسلامي أو بلاد أخرى، ويتكرر نفس السيناريو بعد كل ظهور لأسامة بن لادن في شريط مرئي وسمعي أو نائبه الظواهري في ظل ما يجري من أحداث ومجازر في فلسطين والعراق، وتستغل وسائل الإعلام الأمريكية الواقعة تحت السيطرة اليهودية والتأثير المسيحي - الصهيوني اليميني المتشدد لتتهم الجالية الإسلامية في أمريكا بالتطرف والمساندة، وحتى القيام ببعض من هذه الأعمال، خدمة للجو العام السائد في أمريكا المعادي لكل ما هو عربي أو مسلم.
والمشكل أن دائرة الاتهام تتسع لدى بعض السياسيين المنتمين إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي والإعلاميين لتتحول إلى ظاهرة "إسلامو فوبيا"، والتخويف من الحضور الإسلامي الكبير لإحدى أهم الجاليات في أمريكا يتضمن مشاعر كراهية وعنصرية ضدهم (عرباً أو غيرهم)، وإرجاع كل الأزمات التي يعاني منها الشعب الأمريكي إلى هؤلاء.
ويلتقي أصحاب هذا الرأي في خانة دعاة التوجه المتنامي للتيار المحافظ الجديد المتشبع بالرؤية المسيحية - الصهيونية القائمة على مبدأ تفوق الغرب واستعلائه، وعنصريته الواضحة الذين يبحثون عن كبش فداء متمثلاً إما في العرب، أو المسلمين، أو معاً سوياً فيمن يختلف معهم فكرياً وثقافياًº بغية إلقاء مسؤولية شعورهم بالخوف وعدم الأمان والهستريا من "الإسلام" كدين يدين به أكثر من مليار ومائتي مليون مسلم منتشرين على وجه البسيطة ومنها أمريكا.
ومما يزيدهم تعنتاً - أي التيار الجديد المحافظ - شعورهم بأنّ خطابهم وأطروحتهم يسير في الاتجاه العام للفكر الأمريكي الذي يعتقد بأنه يجب على أمريكا أن تكون المهيمنة على كل شيء في هذه الأرض، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وفكرياً، وأن الجهة الوحيدة التي تقف حاجزاً في طريق تحقيق هذه الفكرة حالياً هو العالم الإسلامي بكتلته الكبيرة، رغم المآسي الذي يعيشها نتيجة الانقسامات والصراعات ونفوذ الديكتاتوريات، لكن هذا التوجه المعاكس لمسار التاريخ والحضارة تكذبه الوقائع الميدانية وخاصة في أمريكا، وأن القول بعدم قابلية اندماج المسلمين في الغرب تجاوزه الزمن - وأكبر دليل على ذلك المسلمون في أمريكا -º لأن هؤلاء تحولوا إلى جزء من النسيج الاجتماعي للمجتمعات الغربية، وأن شعار "تواجد المسلمين في الغرب مصدر إزعاج، واختلال للتوازن الحضاري" ليس له أي أساس من الصحة.
* هل انتصار بوش صفعة للعالم؟!
في هذا الصدد تشير أغلب توجهات المحللين والسياسيين والبسطاء من الناس بأن التصويت لصالح بوش الابن على حساب جون كيري رسالة واضحة لإقصاء الاعتدال والتسامح والوفاق والسلم العالمي، وأن معاقبته بعدم انتخابه للمرة الثانية في البيت الأبيض هو الحل الأمثل لحماية العالم من شخص "متهور" قد يقوده إلى حتفه لا محالة، وقد أشار استطلاع شهير نشر في سبتمبر الماضي قام به باحثون في جامعة ماريلاند بالتعاون مع شركة "غلوب سكان انكوبورتيدر" للاستطلاعات العالمية، سئل من خلاله 34 ألفاً و330 شخصاً في 35 بلداً عما إذا كانوا يأملون بأن يفوز بوش في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة شهر نوفمبر المقبل؟
وجاء نتيجة الاستطلاع لصالح بوش على حساب كيري في كل من بولندا ونيجيريا والفلبين، في حين أن مواطني الـ 32 بلداً الأخرى منحوا صوتهم لكيري بهوامش صغيرة "في الهند وتايلاند" وكبيرة في بقية البلدان!!!، وهذا الاستطلاع يدل بشكل واضح بأن إدارة بوش الابن المحافظة فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام والوئام في العالم عموماً، والعراق وأفغانستان خصوصاً، لأن مؤشرات تفاقم عمليات العنف لم تتوقف بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، بل تصاعدت وتيرتها بشكل رهيب، ولأن الإدارة الأمريكية الحالية تبنت نظرية زرع الفوضى والاضطرابات والقلاقل في المنطقة العربية لإعادة بنائها وتركيبها على أسس جديدة تلائم مصلحة واشنطن بشكل أفضل وحليفتها إسرائيل, ولأنها تعاملت بغطرسة مع دول المنطقة تاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون يقضي على احتمالات ما تبقى من السلام "الموهوم"، ويتصرف بالفلسطينيين ومعاناتهم كما يريد، محطماً حياتهم وآمالهم وكبرياءهم.
وتؤكد القراءة في تركيبة الناخبين الأمريكيين لصالح كيري أن كل الشرائح الاجتماعية والأقليات - ومنها الإسلامية والعربية - ستصوت له، وفي ذلك إشارة إلى سحب شق من الرأي العام لثقته من سياسات ووعود الحزب الجمهوري والرئيس بوش الابن، وفيه أيضاً تبن لأطروحات كيري المنادية باحترام الشرعية الدولية والأمم المتحدة في تناول الملفات الدولية الساخنة.
* المرحلة القادمة.. دقيقة وحاسمة:
ساعات قليلة وستحسم الانتخابات الأمريكية أمال الأمريكيين وترقبهم للنتائج المتوقعة، فإن كل الأطراف بدأت تراجع حساباتها، وتستعد للمرحلة السياسية القادمة الدقيقة، ورغم أن آخر عملية استطلاع تبين أن المرشحين متقاربين في نتائج الاستطلاعات بنقطة إلى نقطتين, فإن السياسيين ومجموعات الضغط القريبة من الحزبين واللوبيات والمنظمات الدينية بمختلف أطيافها تدعو إلى الحذر من التفاؤل، وعدم الاطمئنان لنتائج الاستطلاعات.
واضطرت العديد من الأقليات الدينية والعرقية إلى غض الطرف عن خلافاتها التي تصل إلى حد التناقض أحياناً، والدعوة على مضض إلى التصويت لصالح جون كيري، ليس حباً في توجهاته، وفي سياستهº وإنما لإنقاذ ما أمكن إنقاذه من حقوق مدنية وسياسية اكتسبتها الأقليات - وبالخصوص الإسلامية - على مدار عقود من الزمن من التضحيات والمعاناة والعمل الدءوب لتحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية في بلد الحريات وتساوي الفرص.
وبالنسبة لمسلمي أمريكا هناك مؤشرات على وجود شعور مزدوج من الارتياح والتخوف من المستقبل، الارتياح مصدره إمكانية التأثير لأول مرة في نتائج الانتخابات لهزيمة بوش الابن - الذي صعد إلى الحكم بسبب أصوات المسلمين العرب عام 2000 م وإن تم تجاهلها -، وتحجيم المحافظين الجدد إلى حجمهم الطبيعي، وإيصال اليسار المعتدل الذي يمثله الحزب الديمقراطي - التقليدي - إلى رأس السلطة في البيت الأبيض، القريب عموماً - إذا استثنينا موقفه من القضية الفلسطينية - في مواقفه الخارجية، حيث استطاع أن يصل إلى نوع من التوازن خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الملفات الحساسة التي تهم الشأن العربي الإسلامي مثل: العراق وأفغانستان.
وهذه المواقف يفسرها البعض بخفة حدة اللوبي اليهودي في صفوف الحزب الديمقراطي مقارنة بتغلغله في صفوف الحزب الجمهوري، وهي تُكسب الديمقراطيين تعاطف شق كبير من مسلمي أمريكا من الناخبين.
غير أن هناك شقاً آخر من مسلمي وعرب أمريكا لا يغتر بالخطاب السياسي لليسار التقليدي الممثل في الحزب الديمقراطي الذي يندرج في حقيقته في إطار حسابات ومصالح سياسية، ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن المحك الرئيسي يتجلى في التعامل الحقيقي مع الأقلية المسلمة في أمريكا مستقبلاً بعد معالجة كل المظالم التي تهاطلت عليها قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001م.
* إظهار التعاطف مع المسلمين الأمريكيين:
اعتبر الحزب الديمقراطي من خلال القائمين على حملة المرشح جون كيري أن مسؤولية أمريكا جد كبيرة في منع تحول محاربة "الإرهاب" إلى رد فعل غير مضبوط، وضمان حقوق المسلمين والعرب الأمريكيين باعتبارهم "غير شركاء للإرهاب، ولكنهم ضحايا له"، ودعا إلى أخذ مبادرات تجاههم من أجل إيجاد حلول حقيقية لمشاكلهم بالخصوص، وإعادة الحوار الأمريكي - الأمريكي الإسلامي، الأمريكي - الأمريكي العربي حول كل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية.
ومن خلال قراءة أولية للحملات الانتخابية على مدى شهور نرى تركيز الرئيس بوش الابن في حملته الانتخابية على إثارة خوف الأمريكيين من غلبة الإرهاب الدولي، وسقوط "الجمهورية" في قبضته، فيما يشدد منافسه الغريم جون كيري على استقطاب شرائح العاطلين، والطبقات الوسطى، والمثقفين فضلاً عن عامة الأمريكيين، منتقداً التهويل المبالغ فيه عن الإرهاب، والقتل، والموت، وانعدام الأمن، غير أن المرشحين اشتركا في مغازلة الأصوات الإسلامية والعربية، خاصة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
* لمن تذهب أصوات مسلمي أمريكا في الانتخابات المقبلة؟
يبدو من خلال بعض التصريحات الإعلامية المحتشمة أن كلا المرشحين الجمهوري (بوش) والديمقراطي (كيري) يتجهان بشكل أكبر التركيز على أصوات المسلمين الأمريكيين الذين ترشحهم مراكز أبحاث أمريكية جادة للعب دور حيوي ومصيري في تحديد نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الثالث من شهر نوفمبر المقبل، ويبدو أن بوش هذه المرة أصبح أكثر حاجة لأصوات مسلمي أمريكا على حد قول صحف أمريكية من أي وقت آخر.
ويبدو أن فوز بوش الابن بنسبة ضئيلة من الأصوات في انتخابات عام 2000م على منافسه آل جور بلغت بضعة آلاف صوت فقط في بعض الولايات، وبفارق 2% من الأصوات (فاز بأصوات ولاية أوهايو بفارق 165 ألف صوت فقط)، لن تتكرر هذه المرة، إضافة إلى تردي مكانته في استطلاعات الرأي لصالح منافسه كيري، وسمعته السيئة لدى المسلمين الأمريكيين بسبب غزوه لأفغانستان والعراق، والإجراءات المتخذة ضد المسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر2001، ستدفعه مرة أخرى لمخاطبة ودهم الذين كانوا سبباً رئيساً في نجاحه عام 2000م بإجماع كل المحللين السياسيين.
فقد أشار مقال نشرته جريدة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية بقلم دانتي تشين في 17/ 08 / 2004 م إلى أن: "قدرة مسلمي أمريكا على التصويت ككتلة انتخابية واحدة تزيد من أهميتهم خاصة في الانتخابات الرئاسية القادمة التي يتوقع كثير من المحللين أن تكون انتخابات متقاربة، هذا إضافة إلى أن بوش يبدو في استطلاعات الرأي متأخراً على كيري، وهو ما يزيد من حاجة بوش لأصوات المسلمين، الذين سبق وأن صوتوا له جماعياً في انتخابات عام 2000م".
وذكرت جريدة " سينسناتي إنكويرر" بقلم كارل ويسرفي 16 / 08 / 2004 م: "إن مسلمي أمريكا كأقلية يتمتعون في انتخابات العام الحالي بعدة خصائص تميزهم عن الجماعات الأخرى، وتجعلهم صوتاً يسعى الحزبان الكبيران إلى اجتذابه، مثل: وجودهم المكثف في بعض الولايات، والتصويت ككتلة انتخابية واحدة كما حدث في عام 2000م، أما الأهم فهو أن المسلمين الأمريكيين يعدون من أكثر الجماعات السياسية تعبئة سياسية في الوقت الحاليº نظراً للضغوط العديدة التي تعرضوا لها خلال السنوات الثلاثة الأخيرة عقب تفجيرات سبتمبر 2001م".
وقال أيضا: "إن بوش فاز بأصوات ولاية أوهايو بفارق 165 ألف صوت في انتخابات عام 2000م، وهو ما يعني أن المسلمين الأمريكيين (عددهم في هذه الولاية 150 ألف ) قادرين - إذا صوتوا كجماعة وبنشاط- أن يغيروا اتجاه ولاية أوهايو في انتخابات الرئاسة القادمة، وربما ولايات أخرى ".
كان من عادة المسلمين الأمريكيين التصويت للحزب الديمقراطي بسبب دوره المعروف المساند للأقليات عموماً، ولكنهم غيروا سياساتهم بشكل كلي، وصوتوا لبوش الابن ككتلة انتخابية في عام 2000م بعد أن أعلن بوش مساندته لمسلمي أمريكا على صعيد الحقوق المدنية، وأعلن أنه سيلغي قانون الأدلة السرية الذي شكا منه المسلمون (78 % من المسلمين الأمريكيين صوتوا لصالح الجمهوريين في عام 2000م) وهو القانون الذي سنه الرئيس الديمقراطي "بيل كلينتون"، ولكن السياسات الأمنية والقوانين المقيدة للحريات، واضطهاد المسلمين والعرب في عهد بوش ووزير عدله آشكروفت بدعوى محاربة الإرهابº دفعت المنظمات الإسلامية للمطالبة أخيراً وعلناً المسلمين والعرب بإسقاط بوش، والتصويت لصالح الديمقراطي جون كيري, رغم تحيزه اللا متناهي لإسرائيل، وضرورة حمايتها ودعمها مادياً وعسكرياً، وعدائه المعلن للمملكة العربية السعودية، وكان من أكبر اهتمامات مسلمي أمريكا مواقف مرشح الرئاسة الديمقراطي "كيري" تجاه قانون مكافحة الإرهاب المعروف اختصاراً باسم " باتريوت آكت " (PATRIOT ACT )، حيث تثير بعض بنوده خشية جماعات الحقوق والحريات المدنية بالولايات المتحدة بسبب تبعاتها السلبية على حقوق جميع الأمريكيين، وخاصة المسلمين والعرب التي تقيد حريتهم.
وقد أظهر استطلاع للرأي عن توجهات مسلمي أمريكا نحو مرشحي الرئاسة في الانتخابات الحالية قامت بها "مؤسسة زغبي إنترناشيونال لأبحاث الرأي العام" وهي مؤسسة جادة في الوسط السياسي والانتخابي، ويعتمد على أرقامها بفارق خطأ لا يتجاوز 3 أو 5 نقاط، أن 54 % منهم يميلون لجون كيري، وأن 26 % منهم يميلون للمرشح العربي رالف نادر في حين لا يساند بوش سوى نسبة قليلة جداً من المسلمين الأمريكيين لا ترقى إلى أن تشكل رقماً عشرياً!؟.
ووفق هذا الاستطلاع الذي ذكره جيمس زغبي (أحد النشطاء العرب الأمريكان) فإن نسبة من أعربوا عن تأييدهم لإعادة انتخاب بوش بين المسلمين من العرب الأمريكيين في أربع من كبرى الولايات الأمريكية لم تزد عن 6 %، فيما زادت نسبة من سينتخبون كيري من المسلمين العرب الأمريكيين عن 65 %، فيما أعربت نسبة 30 % من العرب الأمريكيين المنتمين للحزب الجمهوري عن اعتزامهم انتخاب مرشح آخر غير بوش بسبب مواقفه المعادية للمسلمين والعرب.
وأظهر استطلاع آراء العرب الأمريكيين في الولايات الأربع ( ميشيجان، وأوهايو، وبنسلفانيا، وفلوريدا )أن 58 % منهم يفضلون مواقف كيري إزاء ضرورة حماية الحقوق المدنية، و55 % منهم يفضلون مواقفه من العراق، و54 % يشعرون بأن موقفه إزاء الصراع العربي الإسرائيلي أفضل من مواقف بوش، ولكن عندما سئل العرب الأمريكيون عن آرائهم فيمن يحظى بثقتهم في حل الصراع بوش أم كيري؟ أعربت نسبة 50 % منهم عن اعتقادها بأنه ليس بوسع أي منهما تسوية الصراع!؟
أما بالنسبة للمرشح من أصل عربي رالف نادر، فإن نسبة من قالوا إنهم سيصوتون لصالح نادر من العرب الأمريكيين وصلت إلى 13 %، ولكنها ستواصل الانخفاض مع الاقتراب من موعد انتخابات الرئاسة، وسيتحول 67 % من أنصار رالف نادر من العرب الأمريكيين إلى كيري إذا تحسنت مواقفه من الصراع العربي الإسرائيلي، وفي المقابل أعربت نسبة 62 % من الذين سيصوتون لنادر عن استحالة تصويتهم لصالح بوش، وأعربت نسبة 36 % منهم عن احتمال التحول لتأييد بوش إذا تحسنت مواقفه قبل الانتخابات من القضية الفلسطينية.
أصوات مسلمي وعرب أمريكا ستكون حاسمة لا شك في انتخابات نوفمبر القادم في أمريكا لانتخابات الرئاسة والكونجرس معاً، والمتوقع أن يكون الفارق فيها ضئيل للغاية بين بوش وكيري، فالعرب الأمريكيين يمتلكون 5% من أصوات الناخبين في ولاية ميشيجان و2% من إجمالي الناخبين المسجلين في أوهايو، ويمتلكون نفس نسبة الأصوات في كل من بنسلفانيا وفلوريدا، ولهذا بدأ سباق من نوع خاص على أصواتهم بدأه بوش ولحق به كيري.
ولا شك أن هذه الاستطلاعات تزعج فريق الدعاية لبوش بشدة، ففي انتخابات 2000م التقى بوش الذي كان مرشحاً جمهورياً للرئاسة آنذاك بجماعات إسلامية، وهو الأمر الذي لم يفعله منافسة الديمقراطي آل جور حينئذ، ونوه بوش آنذاك لإلغاء قانون الأدلة السري الذي لاقى كراهية كبيرة، ولكن بوش لم يقدم أي شيء للمسلمين، بل على العكس سعى عقب أحداث11 سبتمبر لاعتماد المزيد من القوانين الجائرة التي تضع مزيداً من القيود على مسلمي أمريكا ما جعلهم يشعرون بالإحباط، والرغبة في إسقاطه مهما كان الثمن.
ويشعر الجميع - سياسيين وإعلاميين - بأنه سيكون بوسع الناخبين المسلمين والعرب في تلك الولايات المشاركة مع مجموعات انتخابية أخرى في حسم المعركة الانتخابية في نوفمبر لصالح مرشح الديمقراطيين جون كيري, خاصة مع الأقليتين السوداء والأسبانية.
وقال الدكتور جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأمريكي: إن "أهم ما أنجزه العرب الأمريكيون في سنة انتخابات الرئاسة الأمريكية 2004م، هو استعادة هويتهم كمجموعة لها وزنها في العملية السياسية الأمريكية"، ويعتقد جيمس زغبي أن العرب الأمريكيين نجحوا - بعد عمل متواصل، وبشكل تراكمي خلال العشرين عاماً الماضية - في إدخال نوع من التغيير على طبيعة الجدل السياسي في الولايات المتحدة، إلا أن الدكتور زغبي أكد أنه لا زال أمام العرب الأمريكيين عمل شاق قبل أن يكون لهم ما لأصوات اليهود الأمريكيين من تأثير، لاسيما عندما يتعلق الأمر بحجم تبرعاتهم السخية للمرشحين، وانخراطهم المكثف في العمل السياسي، والذي يماثل عشرة أضعاف ما يقدمه العرب والمسلمون الأمريكيون، فاللوبي اليهودي الأمريكي جمع بنفسه 50 مليون دولار في الحملة الانتخابية الأخيرة، كما جمع 50 مليون أخرى (أي 100 مليون إجمالاً) للرئيس الأمريكي بوش، وبالمقابل قدم العرب 300 ألف دولار فقط لحملة بوش الانتخابية، والفارق شاسع بين المبلغين ولا وجه للمقارنة, وهذه هي النقطة الأساسية بين اللوبي العربي واليهودي، ويقول زغبي:
"إنه لو فاز جون كيري بانتخابات الرئاسة القادمة فستحدث تغييرات أساسية في كل من قضايا السياسة الخارجية، والحقوق المدنية".
ويوضح بالقول: "لن يشن جون كيري حروباً استباقية من جانب واحد، كما سيحرص على بذل جهود متواصلة للتوصل إلى تسوية للصراع العربي الإسرائيلي، وسيسعى كذلك لبناء علاقات متينة مع العالم العربي، وتبقى المشكلة الوحيدة للعرب الأمريكيين معه في تكراره لانتقاد المملكة العربية السعودية على إتباعها المذهب الوهابي"، ويعتقد زغبي أن:" نجاح كيري سيبتعد بالسياسة الخارجية عن التوجه العقائدي الحالي لإدارة الرئيس بوش، وسيجعل ما يقوله الساسة الأمريكيون متناسقاً إلى حد كبير مع ما تفعله الحكومة"، ويضرب مثالاً على التفاوت بين القول والفعل في عهد الرئيس بوش بأن الأخير كرر القول: إن الحرب على الإرهاب ليست حرباً على الإسلام, لكن ممارسات وزارة العدل ووزارة الأمن الداخلي والبنتاغون تعكس استهدافاً للعرب والمسلمين في أمريكا وغيرها.
وعلى صعيد السياسة الخارجية ظل الرئيس بوش يكرر القول:" بأن له رؤية لحل الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إقامة دولة فلسطينية، تتوفر لها مقومات البقاء، وتعيش في سلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل، لكنه سرعان ما أغمض عينيه، فيما واصل شارون تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم مستعر، وأخذ يقيم الجدار الفاصل، ويستولي في مساره على أراضي الفلسطينيين دون معارضة أمريكية".
* الجالية الإسلامية في أمريكا تؤيد جون كيري:
وكانت المنظمات الإسلامية الأمريكية قد أعلنت تأييدها للسناتور جون كيري مرشح الديمقراطيين في خطوة جديدة من قبلها لدعم المرشح الأقل سوءاً ضد منافسه "المتطرف" بوش الابن.
وأشارت تقارير لمنظمات إسلامية أمريكية مهمة إلى تزايد أعداد المسلمين ليصل العدد إلى حوالي 7 مليون نسمة الآن، وهو العدد الذي تعترف به الحكومة الأمريكية حالياً، وهناك من أوصله إلى 10 ملايين نسمة، والعدد الأقرب إلى الحقيقة قد يصل إلى 8 ملايين نسمة، ومن بين هؤلاء مليون إلى مليوني ناخب يشاركون في العملية الانتخابية في أمريكا، مع تفاوت غير قليل يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من الربع إذا كانت الانتخابات رئاسية عكس الانتخابات الخاصة بالكونجرس، ومجلس الشيوخ، وتسعى المنظمات الإسلامية والعربية لمضاعفة الرقم إلى 3 أو 4 مليون ناخب، بحيث يكون هناك دور أساسي لمسلمي أمريكا في الانتخابات القادمة، ونفوذ يعادل نفوذ اللوبي الصهيوني النافذ، ويزيد خصوصاً أن عدد يهود أمريكا أقل من المسلمين (حوالي ستة ملايين)، وفي تناقص تدريجي بسبب الزاوج، والاختلاط مع الأمريكيين من غير اليهود, ولكن نفوذهم المالي والسياسي أكبر، ويبقى دائماً مؤثراً.
صحيح أن ما يسمى باللوبي الإسلامي بدأ يتشكل عام 1990م، فعمره قصيرة، وينقصه الدعم المالي القادر على جلب النفوذ ورسم السياسات الداخلية والخارجية، إلا أن ما يعانيه حالياً قلة الكوادر والخبرات المهتمة بصناعة الرأي العام وتوجيهه، وافتقارهم النسبي - وليس المطلق - للطاقات والموارد البشرية اللازمة لتفعيل وجودهم على المستويين السياسي والمدني بالولايات المتحدة، والمطلوب مزيد من التنسيق وتوحيد مواقف المسلمين - رغم اختلافاتهم المذهبية والقومية والسياسية -، والتواصل مع الجهات التي توفر التمويل من رجال أعمال ومؤسسات بحثية وإعلامية، وشركات عامة وخاصة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد