يبدو أن توقيت القرار الإيراني لإزاحة غطاء التدخل عن الشركة الأمريكية "هاليبورتون" Halliburton، ومن ثم الانغماس في مشروع استثمار حقل الغاز العملاق في إيران، يتزامن مع ما تشهده مدرسة التفكير في الولايات المتحدة - على مستوى مراكز الفكر والدراسات - من نقاش متزايد بشأن ما إذا كانت إدارة بوش يجب أن تختار سياسة "الارتباط البناء" مع طهران.
وقد ذكرت إيران هذا الأسبوع بأن شركة تابعة لـ"هاليبورتن" ستعمل بالشراكة مع شركة إيرانية في الحقل الجنوبي لإيران، الذي يعتقد بأنه أكبر حقل غاز طبيعي في العالم.
ولعل آخر بروز لمدرسة "التدخل في إيران" كان من خلال "لجنة الخطر الحالي" (CPD) مجموعة دفاع أمريكية تسيطر عليها وجوه بارزة في الحزب الجمهوري عبر دراسة منشورة بعنوان: "إيران: نظرة جديدة "، تدعو إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع طهران لإنهاء الجفاء الذي عمر طيلة 25 سنة بعد أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران في 1979، في أعقاب الثورة الشعبية، ويترأس "لجنة الخطر الحالي" كل من وزير الخارجية الأمريكي السابق جورج شولتز، والمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية جيمس ولزي، وفي الحقيقة فإن إدارة بوش خففت تقريباً من لهجتها تجاه إيران مؤخراً.
لكن يبدو أن إيران تريد بعض الشفافية والوضوح فيما يتعلق بنوايا إدارة بوش، والمؤكد أن صفقة حقل الغاز في جنوب إيران ستكون مربحة لشركة "هاليبرتون" ومقرها في تكساس، لكن الإيرانيين لا يريدون أن يرتبطوا بعلاقة "يوم واحد" مع إدارة بوش، وإنما يتطلعون إلى علاقة مفيدة قائمة على الاعتماد المتبادل مع الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن تتابع وتراقب طهران بحماس واهتمام رد فعل واشنطن على "التسريب الإعلامي" الإيراني بشأن الصفقة، والسؤال المطروح بإلحاح حالياً: هل تشكل صفقة "هاليبورتون" خطوة أولى ذات دلالة ومغزى أبعد من مجرد "مشروع ربحي"، توحي بتوجه جديد للدبلوماسية الأمريكية في التعامل "البناء" مع إيران؟.
إن رد الفعل الأولي بين المجمع الإستراتيجيِ الأمريكي أن هناك نوعاً من "الرقص" حسب تعبير أحد المحللين الغربيين،
وطبقاً للمراقبين الدبلوماسيين فإن بعض النشاط في الأسابيع الأخيرة كان وراء التحضير لـ"حفلة الرقص الموسيقية"، ولعل من أبرزه مشاركة مستشار الأمن القومي الأمريكي القادم ستيفن هادلي، ووزير الخارجية الإيراني كمال خرازي في المؤتمر الأخير في دبي (الذي نظمه المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية) حول بناء أمني إقليمي جديد لمنطقة الخليجº وكذا الزيارة الأولى لمكتبي الكونغرس الأمريكي إلى طهران، إلى جانب الاهتمامات الملحة بالحالة العراقية وقضية فلسطين، اللذين يزودان في الواقع خلفية ضخمة لمسرح "الرقص".
لكن ماذا عن جمهور مثل هذه الحفلة الموسيقية؟
بالنسبة لجمهور إيران فليس هناك ما يشير إلى أن طهران ستشهد من الآن وحتى الانتخابات الرئاسية في يونيو القادم تبادلاً للتهم، وتأجيجاً للنقد بشأن هذه الصفقة، سواء أكان هذا "الرقص" حدثاً ثقافياً متفقاً عليه من كل الفئات الإيرانية على حد سواء، أم محل خلاف، كالذي تجلى في خطاب المرشح الرئاسي المؤثر ووزير الخارجية السابق الدكتور علي أكبر ولاياتي "الحار" في طهران في 12 يناير، وبعد يومين من التسريب الإعلامي لخير صفقة "هاليبورتن"، حيث شدد على ضرورة حماية "إنجازات إيران النووية" مهما كلف الثمن، وانتقد أولئك الذين قد يعتقدون بأن "إيران قد تكسب مغانم جديدة في حالة التخلي عن إنجازاتها النووية"، مؤكداً أنه لا شيء يمكن أن يعوض أبداً "خسارة إيران لبرنامجها النووي"، وحذر جمهوره من سياسات "المناورة" في التعامل مع الولايات المتحدة.
وأما بالنسبة لجمهور منطقة إيران وما وراءها فإنه لا خيار لهم إلا المشاركة في هذه "الحفلة الموسيقية"، مادام الطرف الأبرز فيها هو القوة العظمى الولايات المتحدة!، ولكن هل توافق "أوروبا القديمة" على حضور فنانيها للحفلة الموسيقية، وترضى بأن تكون مشاركاً؟ أو بالأحرى هل تتابع اختيار واشنطن لجلب طهران إلى "جوقها" الخاص بعين حاسدة؟
وبالنسبة للقوى العالمية مثل: روسيا والصين فإن التحرك الأمريكي باتجاه إيران قد لا يكون مفاجأة في حد ذاته، ولكن توقيته من المحتمل أن يكون له تأثير، في حين فإن الرسالة التي بعثت بها كل من طهران وواشنطن إلى الدول الأخرى التي تبدو "عصية" أن يتعلموا "فن الرقص".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد