مسلمو البوسنة إلى أي شيء وصلوا الآن ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

تسع سنين مرت على نهاية الحرب في البوسنة، فماذا حقق المجمتع الدولي من الوعود التي قطعها على نفسه هناك؟ هل استتب الأمن والاستقرار وهل عاد اللاجئون إلى ديارهم؟ وهل ردت الحقوق أو بعضها إلى أصحابها؟ أم أن وعود المجتمع الدولي بإعادة البناء والاستقرار وبضخ ملايين الدولارات التي صحبتها ضجة إعلامية كبيرة ماهي إلا جعجعة في فنجان ومسرحية للضحك على ذقون الضعفاء تكررت في البوسنة وكوسوفو ومقدونيا وصربيا وأفغانستان؟

 

فكما يذكر الأستاذ زياد صالح في مقال له عن البلقان فإنه في الوقت الذي كانت فيه المفوضية الدولية في السنوات الماضية في البوسنة تقيم الدنيا ولا تقعدها بسبب قضايا الفساد التي ادعتها ضد حزب العمل الديمقراطي المسلم، وهددت بقطع المساعدات عن البوسنة إذا لم يتم إزاحة معظم رموز ذلك الحزب، حتى تمكنت من إزاحته عن الحكم وشوهت صورته، هاهي الأحداث المتسارعة تكشف لنا حقيقة تلك البعثات وأهمها الشرطة الدولية التي جاءت لإصلاح الوضع وتهيئة الأمن وتدريب الشرطة البوسنية على حماية المواطن والدفاع عن حقوقه، لتتورط هي ذاتها في سلسلة من فضائح الفساد والرشوة والرذيلة، فكما أشارت صحيفة Washington Post فقد أدينت تلك الشرطة بتهم كثيرة منها التلاعب والفساد والتورط في قضايا جنسية مما جعلها تعيد الكثير من هؤلاء المتورطين إلى بلادهم دون تحقيق، وقد حظيت أمريكا بالنصيب الأكبر من هؤلاء الفاسدين، وبلغ عدد الذين تم إرسالهم إلى بلادهم 1832 منهم 161 أمريكي، واتهم الأفراد الأمريكان من الشرطة الدولية بالاغتصاب والتورط في مسائل البغاء وقبول الهدايا من مسؤولين في البوسنة..!!

 

ويعود سبب هذا التردي في الشرطة الأمريكية المشاركة في البعثة الأمنية الدولية إلى النوعية المختارة حيث تتم اختيار هذه النوعية عبر شركة Dyn Corp الخاصة الواقعة في مدينة تكساس، والتي تقوم بعملية الترشيح عبر منحة حكومية تقدر بـ 15 مليون دولا سنويا، ليتم من خلالها توفير عقود لبعثات الشرطة الدولية للبوسنة، لكن هذه المؤسسة لا تبحث عن النوعية إنما تختار معظم أفراد تلك البعثة من الاحتياط أو من المتقاعدين الكبار في السن، الذين لم يعد لهم قدرة بدنية على القيام بمهام التدريب وغيرها.

 

 ويقول Steve Smith وهو أحد هذه أعضاء البعثة الأمريكية للشرطة الدولية والذي ينحدر من مدينة Santa Cruz وقد عمل كضابط إقليم بمدينة Stolac البوسنية 'إنهم أي أعضاء الشرطة الدولية الأميركيان- يحصلون على8500 دولار في الوقت الذي يحصل فيه غيرهم على 5000 دولار، ويقومون باصطياد البغايا ومصافحة الصبايا القاصرات، وانهم في الحقيقة ليسوا هناك إلا للتمتع بأطيب الأوقات..'.

 

ومن القضايا الأخرى قتل شرطي أمريكي من الشرطة الدولية في البوسنة بعد اتهامه من قبل بعثة الأمم المتحدة بدفع 2900 دولار لأحد البغايا، واتهم آخر بتورطه في علاقة جنسية مع قاصرة عمرها 13 سنة، كما تم طرد 6 من أعضاء الشرطة الدولية [أمريكيين، وبريطانيين وإسبانيين] بسبب تورطهم بعلاقات مع 34 امرأة في مواخير البغاء.. فكيف يمكن لبعثة ينخر فيها الفساد القيام بحفظ الأمن وتدريب شرطة البوسنة والهرسك، وعلى ماذا ستدربها يا ترى؟

 

إن استهتار المنظومة الدولية بحرية الشعوب واللعب بمصالحها والكيل بمكيالين أصبح من الجرائم التي تؤدي إلى كوارث أكبر من تلك التي عانتها تلك الشعوب من الظلم والاعتداء والتطهير العرقي.

 

ولم تقتصر صور ذلك الاستهتار عند فساد معظم تلك القوات الدولية، بل تعداه إلى المماطلة والتحايل على عملية الإصلاح برمتها من أجل إيجاد جو يكتنفه الضبابية وعدم الاستقرار لبقاء تلك المناطق تحت السيطرة والحماية الدولية إلى أجل غير محدود، وإلا فكيف يراد من البوسنة مثلا بناء قوات أمن في الوقت الذي تقوم فيه تلك القوات بتولي اتخاذ القرارات وإنجاز الأعمال والمهمات وتولي الجهاز المالي منفردة، وفوق ذلك كله استعمال الفيتو لتكبيل أيدي السلطات المحلية.

 

إن مهمة إنشاء قوات أمن عملية لا بد وأن تقوم في جو من الحرية وعدم التدخل وفرض سلطة القوي على الضعيف، كما أن استعمال القرارات الفوقية التي تمارسها الإدارة الدولية في البوسنة والهرسك، وإدخالها في متاهات من كثرة الأجهزة الرسمية والتعقيدات البيروقراطية وفرض الفيتو على أي قرار لا يروق لها وتعطيلها عبر إبقائها في إشكالات محددة طيلة السبع سنوات الماضية، وعرقلة أي محاولة استثمار أو نمو عبر بث الشكوك حول عدم الاستقرار في الإعلام العالمي، والتخويف من الوضع، وفرض دورات سريعة من الانتخابات وسلسلة معقدة ومتداخلة من السلطات، أمور بعثت الملل لدى الشعب البوسنوي المسلم وتأكدت لديه نية المجتمع الدولي، الذي سمح للصرب بالتمتع بجمهورية مستقلة دون أدنى تدخل في شؤونها، بينما فرضت عليه وهو الضحية هذا النوع من الاستعمار والسيطرة المكبلة لحقه وحريته واختياره.

 

ولأن الشيء بالشيء يُذكر.. كما أن اليوم أشبه بالأمس فإن ما حدث في أبو غريب شبيه بما حدث بالأمس في البوسنة.. من منا لا يتذكر الفظائع وجرائم الحرب التي ارتكبها [جيش ومدنيون وحكوميون] صرب ضد المسلمين، فقد اغتصبوا النساء، وعذبوا الرجال، ودفنوا عشرات الآلاف من مسلمي البوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفو أحياء، ولا تزال حتى اليوم تتم عمليات كشف لمقابر جماعية، كما أنه إبان فترة حرب البلقان حدثت جرائم دولية جسيمة، وثبت بالصور أيضا قيام جنود أوروبيين ' من المفترض أنهم ذهبوا للبلقان لحفظ الأمن والسلام ' بعمليات اغتصاب وامتهان لكرامة المسلمين، وبعضهم كان يتسلى بوضع سموم داخل حبات الشيكولاته، ويعطيها للأطفال المسلمين، وجنود هولندا تواطؤوا بالتستر على قوات الصرب، وأفسحوا لهم المجال لإسقاط مدينة ' سيربيرنيتشا المُسلمة' وتم تهريب صور وأفلام تسجيلية لجرائم الصرب وأعوانهم، وبدماء باردة اعترفت الحكومة الهولندية بجرائم أبنائها الذين شاركوا الصرب في التستر على مذبحة ضد المسلمين.

 

وبذات درجة حرارة الدماء المُـثـلجة أجريت تحقيقات برلمانية، وسقطت الحكومة الهولندية. ووافرحتاه.. ماذا فعل المسلمون بسقوط حكومة هولندا في حينه؟ وماذا لو سقطت حكومات كل الدول الأوروبية؟ هل عاد آلاف القتلى للحياة؟ ثم ماذا كسب مسلمو البوسنة والهرسك من القبض على الرئيس اليوغسلافي السابق 'سلوبودان ميلوسفيتش' الموجود في سجن محكمة الجزاء الدولية ليوغسلافيا السابقة في حي سيفننج بالقرب من لاهاي بهولندا؟ وماذا لو سقط الرئيس بوش وكل إدارته السياسية وبمن فيهم المسؤول العسكري رامسفيلد؟ هل سيرفع ذلك الآلام من على كاهل المعذبين العراقيين؟ بالطبع لا، فالمسألة كلها هي مشاهد وفصول لمسرحيات أقل وصف لها بأنها قذرة، فبالأمس كانت عمليات كشف وارتكاب جرائم حرب البلقان ضد أطفال ونساء وشيوخ المسلمين يتمان بمعرفة نسبية وتحت عيون الأوروبيين.

 

أيضا إطلاق يد وسائل الإعلام الغربي لنشر أخبار وتفاصيل تعذيب وامتهان كرامة المسلمين في البلقان تم عن قصد، وليس بالصُدفة، كما أن الذين وفروا الصور والتسجيلات هم أيضا الأوروبيون.

 

ذات الأسلوب حدث بخصوص عمليات التعذيب التي تمت في سجن أبوغريب وغيره. والهدف الأكبر وراء تعمُـد كشف فظاعة التعذيب وامتهان كرامة المسلمين أينما كانوا، هو ترويع وتخويف الشعوب الإسلامية.

 

إن الشعوب المسلمة في البوسنة وكوسوفو ومقدونيا راحت ضحية للظلم وهضم الحقوق مرتين، الأولى عبر جرائم الصرب، والثانية عبر تآمر الدول الكبرى داخل منظومة المجتمع الدولي، التي وبعد أن احتلت أراضيها، هضمت حقوقها وعلقت مصيرها وعطلت كفاحها المشروع، وعاقبتها بسلسلة من الإجراءات البيروقراطية والمشاريع الوهمية وأدخلتها في متاهات من الوعود والضبابية، فزادت معاناة الناس مما أدى بهم إلى اليأس والإحباط ولم يعد أمامه إلا خيارين: الهجرة أو خيار الانزلاق في عالم الجريمة التي انفتحت أبوابها وتهيأت ظروفها. !

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply