النهر الباكي.. لم أجد في المفردات اللغوية ما هو أقرب لوصف نهر الليطاني ومنبعه الوزاني... فالجارة الغاصبة دولة امتهنت وعلى مرأى المجتمع العالمي كل المحاذير الدولية ودون رادع... تهديد ما زال قائماً طل علينا بعناده المعهود هذه الأيام عبر قنوات إعلامية من هنا وهناك... تهديد من الصعب على الباحث المطلع أو على غيره إنكاره أو التشكيك فيه أو في محتوياته.
نهر معطاء.. ذلك النهر اللبناني المنبع والجنسية... نهر كان فيما مضى ضحية أساسية للتعددية الدينية والطائفية والسياسية للبنان، تعددية كان بلا شك لها الأثر الفعال في إهماله وعدم توقف القائمين على الأمر عنده توقف المنصف المقدر لنعمة مائية هي في واقع الحال والتاريخ محل حسد الطفيليين من حولنا..
ولكن مع ذلك كله سيكون من الإجحاف ألا نقر بوجود أصوات لبنانية واعية دعت لاستثمار نهر الليطاني بما يعود بالخير على لبنان وأهله... ومن الإجحاف ألا نذكر دراسة قام بها الشهيد المهندس (إبراهيم عبدالعال) عام 1948م بعنوان (الليطاني) كانت تدعو لهذا الاستثمار وتوضح المطامع والمخططات الصهيونية التي تهدف للاستيلاء على مياهه، والذي مات عام 1969م، في ظروف غامضة يرجح أن أيديا صهيونية تربعت خلفها...
ولبيان أهمية هذا النهر للمحتل الصهيوني أضع بين أيديكم ما قاله (دافيد بن جوريون) عام 1955م وأمام جمع اجتمع للاحتفال بذكرى إعلان الكيان الصهيوني كدولة: (إننا نخوض مع العرب معركة المياه، وعلى نتيجة هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل، فإذا لم نربح هذه المعركة كأننا لم نفعل شيئاً).
وإمعانا في إظهار هذه المطامع نذكر ما قاله (ثيودر هرتزل) مؤسس الصهيونية وراعيها الأول: (إن وجود إسرائيل يتوقف على وجود الموارد المائية لتحقيق الخدمات لشعبها) ثم ألم يقل عام 1886م قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسنوات: (إن المؤسسين الحقيقيين للدولة اليهودية القديمة الحديثة هم مهندسو المياه).
لم يقبل (هرتزل) ولا (بن جوريون) ولا زبانيتهما على مختلف العقود طبيعة أرض فلسطين... أرض قدر لها المولى - سبحانه - بحكمته أن تكون ثلاثة أرباع مساحتها صحراوية غير صالحة للزراعة... أرض تتطلب لاستصلاحها كلفة عالية.
ولا أدري كيف سيكون حالنا مع هذه الغصة الصهيونية التي نخشى أن تميت فينا الثبات والصمود على تفاهتها في واقع الأمر، ولا أدري ما سيكون حالنا مع ما نشاهده من صمت غربي وتجن أمريكي أمام تدخل الصهيونية السافر لمنع ممارساتنا كعرب لحقنا العربي في أرضنا... وفي مائنا... وغداً قد يكون تدخلهم في وجهة وكمية الهواء الذي يمر عبر أنوفنا...
إليكم مقتطفات من رسالة كتبها (حاييم وايزمن) لوزير خارجية بريطانيا عام 1920م قبل إعلان الكيان الصهيوني بسنوات عدة، تنبئ محتوياتها بحالنا اليوم، وآمل ألا تنبئ بحال أبنائنا غداً فقد جاء فيها: (تدركون أهمية الليطاني الكبرى لفلسطين فلو تأمنت لها جميع مياه الأردن واليرموك لن تفي بحاجتها، وإن صيف فلسطين حار جداً وتبخر المياه سريع وكثير، إن الليطاني هو المصدر الذي يمكنه أن يؤمن المياه لري الجليل الأعلى... فإذا حرمت فلسطين من مياه الليطاني والأردن واليرموك لن يكون لها أي استقلال اقتصادي).
وفي عام 1949م أعلنت (لجنة التوفيق الدولية) المنبثقة عن الأمم المتحدة، بتوصية على لسان رئيسها (جوردن كلاب) تتضمن (الطلب من لبنان تقديم ما يعادل سبعة أثمان مياه نهر الليطاني إلى إسرائيل، لأن إسرائيل لم تكن راضية بحدود 1948م، وتتطلع إلى حدود يقع نهر الليطاني ضمنها... )
وعليه لم يكن مستغرباً لنا كأمة عربية أن نقف على سرقة الكيان الصهيوني للمياه العربية في لبنان في وضح النهار، ودون معارضة تذكر من المجتمع الدولي الذي اكتفى بإدانات كلامية، يوجهها على استحياء للكيان الصهيوني، إدانات أدمن الغرب على إصدارها، لتصبح مع الأيام مجال سخرية الساخرين..
وأخيراً طالعنا ذلك المفوه شارون بتهديد دغدغ مشاعرنا، وأضحكنا حتى الثمالة، فقد كشر عن أنيابه المترهلة مؤكداً أنه لا يمكن لإسرائيل قبول مشروع لبناني لضخ مياه الوزاني وإمداد عشرين قرية لبنانية بالماء، مؤكداً أن إسرائيل لن تقدم تنازلات في هذا الملف، وأن الولايات المتحدة تعلم ذلك، وستقرر إسرائيل الوقت المناسب للتحرك...
نعم مع ذلك كله أعيش حالة تفاؤل.. ولتفاؤلي أسباب جوهرية ولله الحمد، إذ ترجع في المقام الأول لموقف حكومة لبنان من التهديدات الإسرائيلية الاستفزازية ومن سعاة بريدها المخلصين، فما أعلنه رئيس مجلس النواب اللبناني(نبيه بري) للقائمة بأعمال سفارة الولايات المتحدة في بيروت (كارول كالين) إثر تدخلها كما بدا لنالحماية أطماع إسرائيل فى المياه اللبنانية، ونبعه الوزاني، يؤكد الوضع العربي الرافض للغزو الصهيوني لثرواتنا وأرضنا، فقد أكد أن تدشين المشروع المعني بهذه التحركات سيتم برعايته، وأن مناقشة موضوعات المياه كما هو متعارف دوليا يتم في إطار الأمم المتحدة، مؤكداً على سرقة إسرائيل الفاضحة لمياه لبنان خلال العقود الماضية).
لعل القائمة بأعمال سفارة الولايات المتحدة في بيروت بعد حديث رئيس مجلس النواب اللبناني معها تفهم...وتحاول أن تفهم من تمثل، إننا كأمة وصلنا لسن الرشد، ولم نعد بحاجة لوصاية الأوصياء.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد