دأب المراقبون والكتاب والمتابعون للشأن الأردني على وصف الأردنيين بـ"معالي الشعب الأردني"، في معرض تعليقهم أو حديثهم عن أي تغيير أو تعديل على الحكومات الأردنية المتعاقبة - على كثرتها - وفي هذا المصطلح إشارة واضحة إلى حالة "الاستيزار" التي تنتاب الأردنيين بمجرد الحديث عن أي تغيير أو تعديل حكومي.
حكومة مضر بدران الرجل الأكاديمي غير السياسي التي حلت أخيراً هي السادسة في عهد الملك عبد الله منذ اعتلى العرش في السابع من شباط (فبراير) عام 1999م.
وكان عبد الرؤوف الروابدة صاحب قضية إبعاد قادة حماس من الأردن شكل أول حكومة في عهد الملك عبد الله الثاني في الرابع من آذار (مارس) 1999م، واستمرت حتى التاسع عشر من حزيران (يونيو) عام 2000م.
تبعتها حكومة علي أبو الراغب الأولى في التاسع عشر من حزيران (يونيو) 2000مº إلى أن استقالت في الرابع عشر من كانون الثاني (يناير) 2002م، عندما شكّل أبو الراغب حكومته الثانية حتى 21 تموز (يوليو) 2003م، في 31 تموز (يوليو) شكل أبو الراغب حكومة ثالثة قبل أن تستقيل في 25 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2003م، ثم تبعتها حكومة فيصل الفايز قبل أن تطيح بها حكومة بدران الأخيرة.
ما يهمنا أن سياسة التعديل والتغيير الحكومي أصبحت ظاهرة ملفتة تكاد تمتاز بها الأردن دون غيرها من الدول العربية ينظر البعض إليها على أنها علامة صحة فيما يرى فيها الآخرون مرضاً وعلة.
الثابت في السياسة الأردنية الداخلية هو الولاء المطلق للنظام الأردني الملكي، والمعلوم أن الحكومات الأردنية المتعاقبة تخضع لرغبة (العاهل الأردني) عبد الله الثاني ومن قبله الملك الراحل الحسين بن طلال، وليس لأي سلطة أخرى رقابية كانت، أو تشريعية، أو حتى أي تيار سياسي دور في اختيار وتشكيل الحكومات الأردنية.
وتبعاً لذلك يمكن القول: إن المحدد الأساسي في تشكيلة الحكومات الأردنية هي رؤية النظام، وعليه فإن شكل الحكومات الأردنية منذ اعتلاء عبد الله الثاني العرش تختلف إلى حد ما عن الحكومات في عهد الراحل الحسين بن طلال.
أراد العاهل الأردني بتغييراته الحكومية ترجمة أفكاره وطموحاته الشابة في بلده، فشكل وعدل الكثير من الحكومات المتعاقبة التي كان يجمعها صفة " التكنوقراط" من الوزراء الشباب، أصحاب الاختصاص غلاباً في وزاراتهم.
النموذج الغربي والأمريكي تحديداً كان واضحاً في طموحات الملك الشاب لأردن جديد يحلم به، ومن هنا لم يكن مستغرباً أن يكون أغلب وزراء حكوماته - إن لم يكن كلهم - من خريجي الجامعات الغربية - والأمريكية تحديداً - كما هو الحال في الحكومة الأخيرة.
وثمة تحديات اقتصادية واجتماعية - وحتى سياسية - في الأردن تتحكم أيضاً في تشكيل الحكومات الأردنية، وثمة ملفات خارجية أيضاً من قبيل الأوضاع الاقتصادية، وسياسة التحول الاقتصادي، والعلاقة مع الأحزاب والحركة الإسلامية، ومشروع التنمية السياسية، بالإضافة إلى ملفات العراق، والحلف المعلن مع الولايات المتحدة، والأوضاع في الضفة الغربية لدى الجار الأكثر قرباً.
في الموروث الشعبي الأردن ثمة حب للزعامة والسيادة بدءاً من المختار وحتى الوزير، والأردنيون هم أكثر الشعوب العربية حباً لتسلم القيادة والسلطة، ومرد ذلك أن ثمة انقسام وشعور بالمحاصصة بين الأردنيين على قاعدة "أردني وفلسطيني".
الشعب الأردني الذي بلغ تعداده في آخر إحصائية خمسة ملايين وثلاثمائة ألف أغلبه من الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية "غرب أردنيين"، الذين تتجاذبهم الولاءات ما بين أرض محتلة، وأرض ولد أغلبهم فيها ونشأ.
أما الشرق أردنيين فهم يشعرون أيضاً في هذه الدولة الإشكالية بأنهم مغبونون لصالح الأغلبية الفلسطينية، وما بين هذه الرؤية وتلك يبرز تفسير سعي الطرفين للقيادة والسيادة بأشكاله المختلفة "نيابة، وزارة، بلديات... إلخ".
89 حكومة هي عدد الحكومات الأردنية المتعاقبة منذ نشوء إمارة شرق الأردن عام 1921م، ولا شك أن هذا العدد الكبير من الحكومات الأردنية مثار استغراب الكثيرين.
في الموروث الشعبي الأردني ثمة طرفة يتداولها الأردنيون كثيراً، وهي أن الأردنيين يحلمون بأن تشملهم التغييرات الحكومة، فالكل مرشح لتسلم وزارة أو منصب لكثرة الحكومات!!
وثمة معايير كثيرة تتحكم في تشكيل الحكومات الأردنية ليس أقلها محاولة إرضاء كافة أطراف مكونات الشعب الأردني من أردنيين وفلسطينيين، وبدو وفلاحين، وشمال وجنوب، ووسط وشركس، وشيشان ومسيحيين!!
الأبرز في قصة الحكومات الأردنية خضوعها للمتغيرات الدولية، فثمة حكومة لكل مرحلة، وعلى سبيل المثال كانت حكومة عبدالسلام المجالي حكومة اتفاق السلام "وادي عربة" الأردني مع إسرائيل، بينما كانت حكومة عبد الرؤوف الروابدة حكومة طرد قادة حماس من الأردن والتقرب من الولايات المتحدة، في حين اتسمت حكومة علي أبو الراغب بأنها حكومة قمع الحريات والتيارات السياسية وتحديداً الإسلاميين.
أما الحكومة قبل الأخيرة "فيصل الفايز" فاعتبرت حكومة التحول الاقتصادي عن جدارة، وثمة حكومات لعبت دوراً أمنياً، فيما أخرى اتسمت بطابعها الأكاديمي، وعموماً تلعب محددات العلاقة الأردنية بالولايات المتحدة، والتطبيع الأردني مع إسرائيل، ودور الأردن في الحرب على الإرهاب، فضلاً عن الدور الأردني الإقليمي في المنطقةº دور كبير في تشكيل أي حكومة أردنية مقبلة
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد