أوردت الصحفية "بهية مارديني" خبراً نسبته إلى مصدر سوري تحت عنوان "تنحية مراكز القوى في سورية" جاء فيه:(أن الممسكين بزمام القرار في سورية اتخذوا قراراً استراتيجياً بتغييرات شاملة تحت عنوان: "إعادة تأسيس الجمهورية العربية السورية").
وفي سياق هذا الخبر ذكرت "مارديني" أموراً ينوي الممسكون بزمام الأمور فعلها منها: إغلاق ملف الاعتقال السياسي، وإعادة المنفيين والمبعدين طوعاً وقسراً دون قيد أو شرط، وإلغاء القانون 49 الخاص بإعدام كل من ينتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين.
ولعل من أهم ما جاء في هذا الخبر أن قياديين حاليين "سيخلون مراكزهم طوعاً أو كرهاً لصالح شباب ليبراليين وتكنوقراط يساهمون في وضع سورية على سكة التغيير التي يديرها الرئيس الشاب".
لا نريد أن نشق على قلوب هؤلاء "الممسكين بزمام الأمور" لنعرف إن كانت هذه الأمور ستتم بدافع ذاتي، أو تحت ضغط خارجي؟ فالمهم أن هذه الأمور ستحصل والسلام، ونحن إذ نرحب بهذه الأخبار - إن صحت -، فإننا نَصِفُها بأنها أخبار طيبة ولكنها لا تكفي.
لماذا؟
لقد مضى على سورية أكثر من أربعة عقود ارتكبت فيها أخطاء وخطايا بحق الوطن والمواطن أكبر من أن تحصى في مقال، ثم نسمع أن بعض من ساهم فيها يريد أن يصحح بعضاً يسيراً منها، وينتظر منا أن نقول: عفا الله عما مضى!.
نعم! نحن إذ نرحب باعتذار كل مسئول عما ارتكب من جرائم بحق الشعب والوطن، ويعترف بما فعل، ويعيد الأموال التي نهبها من الوطن والمواطنين، ويشهد على من يرفض أن يعترف ممن شاركه أو أمره أو ائتمر به، وعندها نقول له: عفا الله عما مضى، فبعد أن قال الله تعالى: (( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا .... إلى آخر الآية 33 من سورة المائدة))، قال في الآية 34 التي تليها: (( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم )).
فنحن نرحب بإغلاق ملف المعتقلين السياسيين، ونطالب أن يتم التعويض على من بقي منهم حياً، وأن يتم كفالة أسر الذين رحلوا عن هذه الدنيا، كما نطالب بمحاكمة كل الذين قاموا بالتعذيب أو أمروا به، وأن يحال إلى القضاء الذين شاركوا في قتل واغتيال أي مواطن سوري، ما لم يبادر هؤلاء بالتوبة والكشف عن الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء المظلومين، ولا تكفي توبة هؤلاء حتى نقول أن الأمور عادت إلى نصابها، بل لا بد أن يبادر حزب البعث بالاعتذار من كل الذين تعرضوا لما أصابهم عندما كان هذا الحزب "قائداً للدولة والمجتمع".
كما نرحب بفتح الحدود البرية والبحرية وصالات المطارات أمام عودة المبعدين والمنفيين إلى وطنهم، أما ما أشار إليه الخبر عن "منح جوازات سفر صالحة لمدة سنتين للمواطنين السوريين المبعدين"، فتجب المبادرة إلى تصحيح التعميم 17 الذي صدر في 17 من آذار المنصرم، بحيث يتم منح جوازات السفر لهؤلاء المبعدين لمدة ست سنوات كاملة حسب التعليمات التي نصت عليها تعليمات إدارة الهجرة والجوازات.
ولا يفوتنا هنا أن نطالب وزارة الخارجية بإرسال تعميم إلى السفارات والقنصليات لتقرأه على المنفيين، يتضمن الاعتذار منهم عن الأذى الذي أصابهم بسبب حرمانهم من حقهم في جواز سفر سوري، وما نتج عن ذلك من مواقف محرجة تعرضوا لها أمام أجهزة الأمن في الدول التي كانوا مقيمين فيها بدون جواز سفر.
ويستحسن أن ترسل صور من التعميم آنفاً إلى وزارات الخارجية في كل الدول التي استضافت هؤلاء المنفيين، وأن يذيل هذا التعميم بما يفيد بأن أجهزة الأمن في سورية تعتذر عن الإحراج الذي تسببت به بحق الطرفين: المواطن السوري والدولة المضيفة.
كما نسبت "مارديني" إلى المصدر السوري بأنه رجح أن "يتم إلغاء القانون 49 الخاص بإعدام كل من ينتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين قبل نهاية العام الحالي"، وفي هذا السياق وحتى تبرأ الذمم تجاه "جماعة الإخوان المسلمين" المعتدى عليها بموجب هذا القانون الشائن يجب أن يصدر مجلس الشعب السوري الحالي - أصالة عن نفسه، ونيابة عن كل مجالس الشعب السابقة - كتاباً يعتذر فيه من هذه الجماعة، وأن يعتبر أن هذا القانون نقطة سوداء ووصمة عار ما كان لها أن تحصل في بلد مثل سورية عريق في سن القوانين المتوازنة.
وإذا صح ما نقلته "مارديني" عن المصدر السوري بأنه يتوقع أن تحصل "تغييرات هائلة على مستويات عليا ممسكة بدفة القرار منذ مدة طويلة جداً، حيث سيخلي هؤلاء مراكزهم طوعاً أو كرهاً"، فإن ذلك سيكون خطوة هامة في طريق تنظيف مؤسسات الدولة من المفسدين الذين لم يخدموا إلا مصالحهم الضيقة على مدى أربعة عقود.
ولكن ما لم يوضحه الخبر هو الكيفية التي سيتم بها اختيار من وصفهم المصدر السوري بأنهم: "شباب ليبراليون وتكنوقراط يساهمون في وضع سورية على سكة التغيير التي يديرها الرئيس الشاب".
وما لم يتم اعتماد الأسلوب الديموقراطي** في حكم سورية بدعوة المواطنين إلى انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستوراً جديداً لسورية، ومن ثم اختيار حكومة مؤقتة تشرف على انتخابات مجلس للنواب يضع سورية على سكة الديموقراطية، فإن اختيار "شباب ليبراليين وتكنوقراط" من دون ذكر الآلية التي ستعتمد في هذا الاختيار سيوصلنا إلى حرس قديم جديد، "وكأنك يا أبو زيد ما غزيت".
ومما يقوي هذا الاستنتاج أن الخبر أحالنا إلى المؤتمر القطري الذي أعلن أنه سيعقد في النصف الثاني من أيار(مايو)المقبل، وهذا يعني أنه سيعاد إنتاج نفس السياسة الخاطئة السابقة التي سادت طيلة أربعة عقود.
ومع كل ما أوردناه من تخوفات فإننا نعتقد أن عجلات قطار "سورية" يتم العمل بصمت على وضعها في بداية سكة القطيعة مع الماضي المؤلم، والانطلاق بها نحو مستقبل أفضل، وقد يكون من المفيد أن يبقى الرئيس بشار لإكمال مدة رئاسته، ولكن مع مجلس للنواب ينتخبه الشعب لا مع "شباب ليبراليين وتكنوقراط" ينتخبهم المؤتمر القطري، وعندها فقط نقول: إن صافرة القطار بدأت تعلن عن التحرك المبارك المنشود.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد