يبدو أن المثل القائل: "قلب الإنسان دليله" قد أثبت صدقه مع نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشني" الذي قطع آلاف الأميال عابراً المحيطات في خطوة استباقية ليتلافى حدوث ما يتوجس منه خيفة، فإذا به يقع فريسة هذا التخوف.
وقفت أتأمل بخشوع حديث رسول الله - عليه الصلاة والسلام -: (تفاءلوا بالخير تجدوه)، وأنا اسمع نبأ التفجير الذي وقع في قاعدة "باغرام" أثناء وجود "ديك تشيني" بداخلها، قلت في نفسي: مسكين هذا الرجل فهو لا يعرف النبي محمد - عليه الصلاة والسلام -، وربما يراه سبب الشرور في العالم، فكيف يستفيد من حكمته في هذا الحديث؟ نعم من تفاءل بالخير هي طالبان فاقتربت منه، بل كادت أن تحظى برأس بالرجل الثاني في إدارة البيت الأبيض، في حين أن "ديك تشيني" الذي لم تصل له هذه الحكمة توجس الشر فوقع فيه.
الرعب الذي عاشته دول التحالف - لاسيما بريطانيا والولايات المتحدة - مع ظهور التهديدات الطالبانية لجنودهم في أفغانستان بأنها ستحول ربيع أفغانستان إلى جحيم لقوات التحالف، في الوقت الذي تفيد فيه التقاربر أن طالبان وصلت إلى مرحلة متطورة جداً من الاستعداد القتالي، فهي تسيطر على مساحات واسعة من الحدود الجنوبية لأفغانستان، كما أن مقاتليها والقاعدة يشنون هجمات يومية منظمة ودقيقة ضد القوات الأميركية عبر الحدود الباكستانية، هو الذي دفع بالولايات المتحدة وبريطانيا أن تتلافى قوة طالبان من خلال قدوم نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشيني" إلى باكستان وأفغانستان في تناغم تام وتنسيق واضح مع قدوم وزيرة الخارجية البريطانية "مرغريت بكيت" للعاصمة إسلام آباد، حيث تهدف الزيارتين للضغط على باكستان لبذل جهد أكبر في تطويق طالبان، والحد من تسلل طالبان عبر حدودها.
وقد برز ذلك في تصريح بكيت التي قالت عقب لقاء الرئيس الباكستاني برويز مشرف: أنها بحثت معه عدة مواضيع، من أهمها حماية الحدود الأفغانية الباكستانية، ومواجهة حركة طالبان، وموضوع زيادة القوات البريطانية في أفغانستان.
نعم القلق الذي يعيشه البيت الأبيض دفع تشيني أن يحذر من الخطر المتنامي لحركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان إلى درجة أنه قلق من تجمع مسلحي طالبان بالمناطق القبلية على الحدود الأفغانية الباكستانية، بل إن الفشل الذي يتخبطون فيه دفع "تشيني" في ختام زيارته لإسلام آباد ليهدد الرئيس الباكستاني "برويز مشرف" خلال محادثاتهما بقطع المساعدات الأمريكية التي تقدم سنوياً لباكستان في حال لم يمنع كل أنشطة طالبان من الأراضي الباكستانية، هذا في الوقت الذي أعلن وزير الدفاع البريطاني "ديس براون" أن بلاده سترسل ألفاً وأربعمائة جندي وعدداً من الطائرات، في حين يسعى حلف شمال الأطلسي إلى تعزيز قواته البالغ عددها حالياً 33 ألف جندي تحسباً لهجوم طالبان التي أعلنت مؤخراً تجهيز مئات الفدائيين، وآلاف المقاتلين استعداداً لهجوم الربيع.
ويزداد القلق الغربي من تنامي قوة طالبان، حيث تؤكد الاستخبارات العسكرية الأمريكية بحسب صحيفة "نيويرك تايمز" أنه يجرى العمل على إعادة تشكيل البنى التحتية للقاعدة وحركة طالبان في الوقت الذي فتر فيه "برويز مشرف" عن بذل ما يستطيع في مواجهتها.
ثم نقف أمام الانفجار الذي وقع في قاعدة "باغرام" أمس لنسأل: هل لم يعد هناك مكان آمن للرجل الثاني في البيت الأبيض على الأرض الأفغانية ولو ليوم واحد؟
فالتفجير الذي وقع أمس في قاعدة "باغرام" حمل أكثر من رسالة على الرغم من التفسير السطحي لـ"ديك تشيني" من أن طالبان" يبحثون عن سبل للتشكيك في سلطة الحكومة المركزية".
فقاعدة"باغرام" تعتبر القاعدة العسكرية الرئيسية للقوات الأميركية في أفغانستان، يعني تمثل العاصمة الأمريكية في أفغانستان، وبالتالي فإن مناعتها من وصول طالبان لها ينبغي أن تكون عالية جداً، حيث تعكس متانة وقوة الوجود العسكري لحلف الناتو والقوات الأمريكية هناك، وبالتالي فإن استهدافها يدل على هشاشة الوضع الأمني في أفغانستان، فضلاً عن عدم القدرة على التحكم بالأمور.
ومن المعلوم أن قاعدة "باغرام" تقع على بعد ستين كلم شمال العاصمة كابول حيث التواجد الطالباني ضعيف قياساً على تواجدها في الجنوب الأفغاني، ثم إن وقوع التفجير أثناء اجتماع بعض العاملين الأفغان داخل القاعدة عند البوابة الأمنية الأولى لها يطرح علامة استفهام كبيرة، حيث من المفترض والحالة هذه أن تكون القوات الأمريكية أو البوابة هذه بالذات أكثر أمناً وانضباطاً وخصوصاً مع تواجد نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشيني" حيث من المفترض بقادة قاعدة "باغرام" أن يحولوا دون وقوع أي عمل من شأنه أن يعكس فشلهم في إدارة الملف الأمني.
وإذا كانت طالبان بدأت تسترجع قوتها شيئاً فشيئاً، وبدأت سيطرتها تلوح في الأفق مع اعتمادها خيارات عسكرية لم تكن متوفرة لها من قبل في ظل قيادة تمسك بقاعدة مناصريها وأتباعها فإن ما ينتظر الأمريكيين وأتباعهم في أفغانستان كبير وكبير جداً، ولا يبدو بحال من الأحوال أن المستنقع الذي غرق به بوش في كل من أفغانستان والعراق قادر على الخروج منه سريعاً، فقد بدأت الإدارة الأمريكية على ما يسمى "الحرب على الإرهاب" بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، حيث غزت أفغانستان في أكتوبر 2001م، وأسقطت حركة طالبان، ثم غزت العراق في مارس2003م، وهاهي قد مضى عليها ما يناهز الخمس سنوات ولم يتغير شيء، بل الأمر زاد تفاقماً إذا أخذنا بما تنبأ به مركز دولي للأبحاث الأمنية أن تلك الحرب ستمتد لأكثر من 30 عاماً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد