مجلة العصر/ تصدرت الحرب التي تدور رحاها منذ خمس سنوات في أفغانستان الواجهة الإعلامية في جهات العالم الأربع، واستحوذت على اهتمام القادة السياسيين، ومعاهد الدراسات، وكبار الباحثين والمختصين، وبخاصة مع تفاقم الفوضى والانفلات الأمني، وانتشار الفساد، وتنامي تدهور الظروف المعيشية، وازدهار تجارة المخدرات ثانية بالتزامن مع إخفاق قوات التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وزيادة الخلافات فيما بين الحلفاء الغربيين حول دور كل طرف من الأطراف في هذا الصراع الدائر على فرض السيطرة والهيمنة على القارة الأسيوية بالكامل.
ويتزامن ذلك أيضاً مع إعلان طالبان وإعدادها لاستراتيجية جديدة عرفت بخطة الربيع في مواجهة قوات التحالف الدولي في أفغانستان، ومنذ اليوم الأول على بدء الهجمات الأمريكية وحلفائها الدوليين على أفغانستانº أعلن الملا محمد عمر مجاهد الذي يطلق عليه من قبل أعضاء حركته وحلفائه بـ"خادم المقاومة الأفغانية، وأمير حركة طالبان الإسلامية" بأن الحرب على المحتلين ستكون حرب استنزاف طويلة الأمد وهي إشارة قوية على تخطيط طالبان لخوض حرب عصابات طويلة الأمد.
ولا بد من الإشارة والتوضيح إلى أن مفهوم الإمارة الذي يطلق على أفغانستان ومنصب أمير المؤمنينº انتقل بعد سقوط نظام طالبان ليصبح "إمارة حرب" وهي إمارة "نكاية" في المفهوم الفقهي، وتتولى قيادة عمليات المقاومة العسكرية والممانعة السياسية، والتعبئة وحشد الجهود، وتوحيد الصفوف في وجه الاحتلال وحلفائه من الأفغانيين، ولها شروطها وأحكامها وضوابطها الشرعية التي تختلف عن شروط وأحكام وضوابط الدولة الشرعية، وبالتالي فهي ليست إمارة "دولة" التي تتصف بالشوكة والتمكين.
وفي هذا المقال سنتناول التعريف بأفغانستان وحركة طالبان، ومكونات البلاد العرقية والقبلية، ونشأة الحركة، وأهم التحولات التي طرأت عليها بعد سقوط نظامها، وتحالفاتها الجديدة، ثم استراتيجيتها المستقبلية.
تقع أفغانستان في قلب آسيا الوسطى وهي دولة بلا منافذ بحرية، يحدها من الشمال تركمنستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، ومن الشرق الصين وإيران، ومن الجنوب والشرق أيضاً باكستان، وتلتقي ثلاث حضارات في أفغانستان هي حضارة الشرق الأوسط عرباً وفرساً، وحضارة آسيا الوسطى ( تركيا المغولية)، وحضارة شبه القارة الهندية.
وتبلغ طول الحدود مع باكستان حوالي 2466 كم، ومساحتها حوالي 652 كيلو متر مربع، وتشكل الجبال غالبية تضاريسها حيث تبلغ حوالي 85% من أراضيها، ويبلغ عدد سكانها حوالي 30 مليون نسمة معظمهم من المسلمين، حيث يشكلون نسبة تصل إلى 89% من السنة، وحوالي 8% من الشيعة، وحوالي 2% من الشيعة الإسماعيلية، فضلاً عن أقليات صغيرة من السيخ والهندوس واليهود الذين لا تزيد نسبتهم عن 1%، وتعتبر الباشتو والداري (الفارسيتان) اللغتين الرسميتين إضافة إلى حوالي 21 لغة محلية أخرى.
وتتكون أفغانستان من جماعات عرقية مختلفة، يشكل البشتون حوالي 55%، والطاجيك حوالي 15% من إجمالي عدد السكان، ويشكل الأوزبك حوالى 6,6%، والإيماق يشكلون 5,3%، والفارسوان 2.5%، أما الهزارا فيشكلون حوالي 5%، وجميع هذه الجماعات العرقية لها امتدادات مع دول وسط آسيا المجاورة.
ويشير الشاعر الباكستاني المفكر محمد إقبال إلى أهمية أفغانستان بما يلي:
آسـيا مقارنةُ بالجسمِ الحيِّ متكوّنة من تربةٍ, وماءٍ,:
إنّ القلبَ الذي يَضربُ داخل الجسمِ هو أفغانستان
دمار الأفغان سَيَكُونُ دمارَ آسيا
وفي تقدّمِهم وازدهارِهم تَكمن سعادة آسيا
وعلى ما يبدو فإن استهداف أفغانستان عبر التاريخ من قبل العديد من قوات الاحتلال الأجنبية كان للاستيلاء على منابع النفط والغاز في الشمال، والمعادن الغنية الموجودة في جنوبها مثل الفحم الحجري، والحديد، والزمرد، والماس، إضافة إلى الذهب، واليورانيوم، والنحاس.
أطلق اسم "طالبان" على "الحركة الإسلامية لطلبة المدارس الدينية"، وكانوا يدرسون في باكستان، وهي كلمة أفغانية معناها "الطلبة"، نشأت "طالبان" بشكل عفوي، وتدخلت في ذلك عدة عوامل داخلية بحسب ما قاله أمير الحركة الملا محمد عمر مجاهد أهمها: الحرب الأهلية، والمذابح المروعة بين السنة والشيعة، والفوضى والفساد الأخلاقي، إضافة إلى عوامل خارجية ساعدت على نشأتها منها: رغبة الولايات المتحدة الأمريكية وبدعم وتنسيق مع النظام الباكستاني في تفكيك وإضعاف الجماعات التقليدية للجهاد الأفغاني وذلك من خلال إيجاد بديل أقوى من الحزب الإسلامي الذي يتزعمه "قلب الدين حكمتيار" الزعيم الأفغاني المعارض لحكومة الرئيس برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود، وكذلك الحد من امتداد النفوذ الإيراني، وضرب الأصولية الأفغانية التقليدية بأصولية متشددة تنعكس تصرفاتها سلباً على الشعب الأفغاني، وقد خرجت طالبان من القومية البشتونية التي تشكل حوالي 55% من سكان أفغانستان الذين يتركزون في شرق وجنوب البلاد (قندهار)، في حين تنتمي غالبية المعارضة الأفغانية إلى قوميات مختلفة وهي: الطاجيك والأوزبك، والهزارا الذين يتمركزون في شمال البلاد.
وقد بينت طالبان منذ انطلاقها إلى أن أهم أهدافها هو إقامة حكومة إسلامية على منهج النبوة، وعقيدتها هي العقيدة الماتريدية التي تؤمن بالاختيار لا الجبر، ومن الناحية الفقهية تتبع حركة طالبان المدرسة الديوبندية التي تستمد أصولها من المذهب الحنفي التقليدي الذي يعتبر المذهب الرسمي للدولة، حيث يُحكم به في المحاكم الشرعية التي تعمل تحت إدارة طالبان، وطبيعة هذه المدرسة - الموجودة أيضاً في الهند وباكستان - أنها تعتبر حكم المذهب قولاً واحداً لا يحتمل الأخذ والرد بشأنه، ومن ثم يصير إنزال الأحكام لدى طالبان وفرضها على الشعب الأفغاني واجباً دينياً لا مفر من تنفيذه.
والمدرسة الديوبندية يُدرّس فيها منهج يسمى منهج الدرس النظامي نسبة إلى واضعه (نظام الدين بن قطب الدين السهالوي) المتوفى عام 1161 هجرية، والعلوم في المدرسة قسمان: أساسية (تشمل: التفسير والفقه والسنة) وآلية (تشمل: المنطق والنحو، والبلاغة والفلسفة، والفلك القديم والرياضيات)، ومنهج الدراسة فيها تقليدي مشابه لما عرف في التاريخ الإسلامي "بنظام الكتاتيب"، ويرتبط التعليم بالعلوم الأصيلة بعيداً عن المعاصرة حتى في الرياضيات والفلك، كما أنهم يرفضون التدريس في الفصول الحديثة، أو استخدام وسائل "حديثة"، ويتميز خريجو المدرسة باحترام شديد وطاعة مطلقة للمشايخ، وينظرون إلى أي حركة إحيائية في العالم الإسلامي نظرة شك حتى يتبينوا عقائدها ويتحققوا من منهجها.
دخلت قوات طالبان إلى كابل في 27 سبتمبر 1996م، وأعلنت الإمارة الإسلامية برئاسة أميرها الملا محمد عمر الذي تمت مبايعته من قبل مجلس كبير للشيوخ والعلماء قبل سقوط كابل بيدها، وتم تعيين مجلس وزاري مؤقت يدير شؤون البلد، غير أن حكومتها لم توفق في إدارة جميع مرافق الحياة نظراً لانعدام الخبرة، واستمرار المعارك بين طالبان التي سيطرت على 90% من البلاد وبين معارضيها في الشمال، وهي لا تعتقد في الديمقراطية التي تجعل التشريع المطلق بيد الشعب، والأمر في الحكومة الإسلامية عند طالبان كله لله، ومن ثم ترى أن الأمر يكون بيد أمير المؤمنين الذي انتخب من قبل العلماء الذين هم أهل الحل والعقد، وأن الإمارة تنعقد للأمير مدة حياته، ولا يصح عزله إلا بإحدى ثلاثة أمور: الانحراف عن الدين، العجز عن أداء الوظائف، الموت، وكذلك لا تعتقد طالبان في إلزام الشورى وتعتبرها مُعلِمَة فقط بمعنى أن القرار في النهاية بيد الأمير.
واستمر حكم طالبان حتى سقطت حكومتها، وفقدت سيطرتها الكاملة عن كل أفغانستان بفعل احتلال الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها عام 2001م، حيث انسحبت الحركة من كافة المدن، وذابت عناصرها وقواتها وقياداتها في المجتمع، وعادت إلى الجبال، يبدو أن الوضع في أفغانستان يزداد سوءاً بفعل ارتفاع وتيرة المقاومة المسلحة التي تقودها طالبان، وقد كان للهجوم الأمريكي على أفغانستان والعراق ثلاثة آثار سلبية مباشرة على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وهي: زيادة الكراهية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها في العالم أجمع عموماً، وفي العالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص، ارتفاع تكاليف الحرب على الإرهاب، وزيادة عدد القتلى من الجنود الأمريكان والدول المتحالفة معها في كل من العراق وأفغانستان.
وقد جاء هذا الوصف في ملخصات التقرير الذي صدر عن "منظمة مجموعة الأزمات الدولية" بتاريخ 29/1/2007م، والذي حدد ثلاث محاور للعمل عليها تنفذ على مدار الخمس سنوات القادمة، وقد أوصى التقرير بتبني الحكومة والدول الداعمة والمانحة العمل ضمنها وهي: الأمن والحكم الراشد، وتفعيل القانون وحقوق الإنسان، والتنمية الاجتماعية من خلال محاربة الفساد والمحسوبية، وبناء الدولة، وتفعيل المؤسسات الرسمية وبخاصة المؤسسات التشريعية الفرعية، وإشراكها في العملية السياسية.
وقد بدأت القوات العسكرية التي تقاتل ضد حركة طالبان الأفغانية - ومن بينها قوات "إيساف" الخاضعة لإشراف حلف شمال الأطلسي (الناتو) - في تبني استراتيجية تعتمد على استهداف قادة الحركة بدلاً من عناصرها - والتي تقدر أعدادها بالآلاف -، على أمل أن يؤدي ذلك إلى إقناع مقاتلي طالبان بالتخلي عن مقاومة الاحتلال.
وانتقلت استراتيجية المقاومة الأفغانية الحالية من مرحلة حرب العصابات والكر والفر إلى مرحلة المواجهة المباشرة والقتال وجهاً لوجه مع القوات الحكومية، وقوات الاحتلال، وتبنَت أساليب وتكتيكات عسكرية جديدة بما فيها استخدام العبوات لتفجير السيارات، والاغتيالات، والعمليات الاستشهادية، حيث وصف أحد قادة طالبان العسكريين وهو القائد الملا محمد ناصر أمير منطقة "غزني" في مقابلة صحفية مع مجلة "الصمود" التي تصدر عن "الجبهة الإعلامية لإمارة أفغانستان الإسلامية" في عددها الأول جمادي الآخرة 1427هـ استراتيجية طالبان القتالية بما يلي: "نوعية مقاومتنا أو العمليات العسكرية التي نقوم بها ضد الصليبين، تنقسم إلى أقسام عدة: منها العمليات الهجومية، وتنفذ هذه العمليات على مراكز وجود القوات الأجنبية وعملائهم، وبالأخص على قوافل القوات المحتلة التي تمر على الشارع الرئيسي كابول - قندهار من ولاية غزني، وكذلك العمليات الاستشهادية، التكتيك العسكري المعاصر، ينفذها أبطال الجهاد على دوريات القوات الغازية أثناء تجوالهم في المنطقة، وكذلك عمليات اقتحامية أو حرب العصابات، حيث يدخل المجاهدون بشكل مجموعات صغيرة إلى مناطق وجود العدو ويستهدفونه، ويستهدفون آلياته بمهارة عسكرية خاصة، ثم يرجعون إلى مراكزهم دون أن يصيبهم أي أذى من قبل العدو.
ويرى كثير من المراقبين أن وجود قوات التحالف والحكومة يكاد ينحصر فقط في المدن والولايات الكبرى, وأن العديد من هذه القوات انسحبت من بعض المناطق الغربية في أفغانستان بفعل هجمات وسيطرة طالبان على كثير من المديريات الكبيرة وطردها منها، كما لم يقتصر التصعيد العسكري لهم على ولايات الجنوب أو الشرق أو غيرها بل امتد إلى العاصمة الأفغانية كابل نفسها رغم وجود عشرات الآلاف من القوات الأجنبية والأفغانية.
فضلاً عن ذلك فإن قوات التحالف تواجه صعوبات وتحديات خطيرة وكبيرة منها: عدم تناسب طبيعة البيئة الحربية في أفغانستان وقدرة جنودها على التكيف معها من حيث العتاد والأسلحة والتدريب، وكذلك عوامل التربة والمناخ التي تحد من كفاءة أسلحتهم وأجهزتهم الالكترونية خاصة الطائرات والآليات المدرعة، وأجهزة الاتصالات والرصد وغيرها التي لا تحسم المعارك ذات الطبيعة اللامتوازية, فكل هذه العوامل تصب في صالح طالبان لشن عملياتهم في الأوقات التي لا يستطيع الطيران التحليق فيها، أو التي تهب فيها الرياح والأعاصير، وتسقط فيها الأمطار.
فالذي يحسم المعركة في حرب العصابات في أغلب الأحيان يتمثل أساساً في عناصر المقاومة التي تنتهج أسلوب الكر والفر، والتحرك بمهارة فائقة داخل بيئتها، ولابد من الإشارة هنا إلى أن قوات الناتو تقتصر مهمتها على الجوانب الأمنية وفرض القانون، حيث أشار التقرير الذي صدر عن قيادة حلف الناتو إلى أن مهام الحلف تنحصر في توليه مسؤولية المنسق الاستراتيجي لقوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان خلال صيف عام 2003م.
وقد دخل "الناتو" في التزام سياسي طويل المدى لمساعدة الحكومة الأفغانية وشعبها، وأن مشاركته هذا المجهود كانت دليلاً واضحاً على تكيف الحلف مع المتطلبات الأمنية للقرن الحادي والعشرين، فهو الآن حلف لديه الاستعداد والرغبة في المساهمة في جهود مكافحة الإرهاب، والجهود الأمنية الدولية خارج نطاق المنطقة الأوروبية - الأطلسية.
وعلى ما يبدو فإن حلف الناتو غير مستعد ولا يملك الكفاءة الكافية لخوض معركة قتالية تعتمد على أسلوب حرب العصابات، ومواجهة العمليات الانتحارية - الاستشهادية، وما طلب قيادة الحلف بزيادة الموازنة العسكرية لقواته في أفغانستان، وكذلك زيادة عدد الجنودº إلا أحد المؤشرات الواضحة على خطورة الموقف التي تواجهه تلك القوات في أفغانستان، وبخاصة مع بداية انحياز القوات الأمريكية إلى مناطق أكثر أمناً في شمال البلاد تجنباً للهجمات الشرسة التي يشنها مقاتلو طالبان وحلفائها.
وقامت أيضاً بتخفيض عدد قواتها الموجودة في أفغانستان بنسبة 13% - أي من 21000 إلى 16500 جندي - خلال الأشهر الثلاثة الأولى لعام (2006م)، وزيادة عدد قوات حلف الناتو وتوزيعها في الولايات الجنوبية الأفغانية من 9000 إلى 15000, بينما تشير التقارير والوقائع - من وجهة نظر الخبراء الأجانب والأفغان - إلى شدة الحاجة لوجود القوات الأمريكية، لأن مهمة قوات الناتو هي "حفظ سلام"، والقيام بدور الشرطي الذي لا يبحث عن المشاكل! ولذا فهي غير مجهزة للمهام القتالية لا من ناحية العدد ولا العتاد.
أما موقف الطالبان من المحادثات مع قوات الاحتلال فقد بينته الحركة في بيانها الصادر بتاريخ 3/2/2007م، حيث جاء فيه: "وقعت أفغانستان تحت احتلال القوات المحتلة، والآن لا يوجد فيها نظام مستقل ذات هوية أفغانية، فإن إمارة أفغانستان الإسلامية ثابتة إلى الأبد على موقفها السابق المتين: وهو ألا تقوم بمباحثات الصلح لا مع العملاء الداخليين، ولا مع المحتلين الأجانب، بل إن ˜فاحنا الجاري سيستمر إلى استقلال الوطن ˜املاً، وإلى طرد المحتلين بش˜ل ˜امل، ونرفض مرة أخرى بشدة عرض المباحثات المقدم من قبل ˜رزاي، ونضيف أيضاً بأن إعلان العفو من قبل البرلمان لا قيمة له لا شرعياً ولا حقوقياً، بل لا نعفو عن أولئك الأشخاص الذين دعوا الأمريكان إلى أرضنا، ودخلوا إلى ˜ابل برفقة الطائرات الأمريكية، لأن الشعب لا يعفو عنهم أبداً، فهؤلاء باعوا الهوية والحرية الأفغانيتين".
نعود إلى الأسباب الحقيقية للانسحاب الأمريكي المبدئي من أفغانستان فنذكر أن من أهم هذه الأسباب التي ذكرتها طالبان في البيانات والدراسات الصادرة عنها:
- ثبات قادة الطالبان الكبار وعلى رأسهم الملا محمد عمر, وقيادتهم للمسيرة الجهادية بأنفسهم, ومتابعة التطورات ومواكبة الأحداث, وإصدار البيانات التي تبرز قيامهم بهذا الواجب.
- تجميع الطالبان لقواتهم، وإدخال أساليب قتالية جديدة لم تكن معتادة في أفغانستان, والبدء في تنفيذ العمليات الاستشهادية على نطاق واسع، مما يكبِّد القوات الأمريكية والحليفة لها خسائر مادية وبشرية فادحة، ووجود أعداد كبيرة من المجاهدين غير الأفغان الذين لديهم خبرات قتالية ينقلونها لإخوانهم من المجاهدين الأفغان, بجانب رفع الروح المعنوية لهم, وشد أزرهم بمشاركتهم لهم في أدق وأصعب العمليات، مما كان له الأثر الأكبر في قلب موازين المعادلة العسكرية لصالحهم.
- فشل المخابرات الأمريكية في عملياتها داخل أفغانستان خاصة في تعقب قادة الطالبان والقاعدة.
- تكرار الأخطاء القتالية رغم التكنولوجيا المتطورة المزعومة التي تعمل بها معظم المعدات والأجهزة القتالية الأمريكية, وفقدان التنسيق بين القوات الجوية والقوات البرية في المعارك الفاصلة ومن أشهرها معركة "شاهي كوت"، والتي أطلقت عليها القوات الأمريكية اسم "أناكوندا" كما تعترف بذلك القيادة العسكرية الأمريكية.
- الحالة النفسية السيئة والانهيار الذي يجتاح القوات الأمريكية وقوات الناتو في أفغانستان, وعدم قدرتهم على تحمل تبعات المعركة, في مقابل الآلاف من الطالبان الذين الساخطين على المحتلين الأجانب, ولا ينامون عن الثأر لدينهم ودمائهم، وأعراضهم وعزتهم، مهما كلفهم الأمر والتضحيات, ويرضون بأقل القليل من القوت والزاد والسلاح، ورفض الشعب الأفغاني للاحتلال، ومساعدته للمقاتلين بشكل مباشر وغير مباشر، بعد أن كابد - ولا يزال - تحت الاحتلال، ولم يستفد شيئاً إلا الإذلال والفقر والبطالة في ظل حكومة عميلة اتضحت عمالتها وخيانتها لكل ذي عينين.
- معارضة غالبية الشعب الأفغاني وهو مجتمع محافظ بطبعه يميل إلى حب الدين والشرف والعفة, ويأنف من الفسق والفجور والانحلال, للتغيير السيئ الذي حدث في ثقافة وسلوكيات الأفغان نتيجة وجود قوات الاحتلال الصليبي وتشجيعها ذلك, ولذلك يرفع العلماء أصواتهم الآن بالجهاد، ودعم الطالبان على الملأ حتى في مساجد العاصمة كابل!، واضطرار وزارة الدفاع الأمريكية لسحب بعض قواتها من أفغانستان لمواجهة خسائرها البشرية الهائلة في العراق، وعدم وجود الاحتياطي الكافي لتعويض تلك الخسائر، وهذا يصب في صالح المجاهدين الأفغان وأنصارهم، ووجود قوات حلف الناتو والقوات الحليفة في أفغانستان مما يسهل الانسحاب، وترك كباش الفداء لتحمل التبعات وتكبد الخسائر.
وفي هذا السياق يقول وزير الدفاع الأمريكي السابق في مقابلة نشرتها صحيفة "نيشن" الباكستانية: إن الولايات المتحدة لا تستطيع كسب "الحرب على الإرهاب" بالقوة العسكرية وحدها، أو بدون دعم من الدول الأخرى، "بالرغم من النجاحات فإن قادة الإرهابيين الجدد يواصلون التقدم، وتظهر شبكات جديدة لهم" "هناك حقيقتان ظاهرتان: أولاً: أن هذه المعركة لن تكسب بالوسائل العسكرية وحدها، وثانياً: أن هذا الصراع سوف لن يكسب من أي دولة منفردة".
وكانت إيساف بقيادة حلف الناتو قد تولت قيادة المنطقة الجنوبية لأفغانستان من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة يوم 31-7-2006م، بالإضافة إلى دور الناتو السابق في دعم الحكومة الأفغانية في استتباب الأمن في مناطق عمله, وكان الناتو - إيساف يمتد سابقاً من كابل إلى 13 ولاية في شمال وغرب أفغانستان، بينما احتفظت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بمسئولية المنطقة الشرقية والمعروفة أيضاً باسم "القيادة الإقليمية للشرق"، والتي تضم ولايات: بكتيكا, غزني, باميان, ميدان، وردك, لوجر, خوست, ننجرهار, كابل, بروان, لغمان, كنر, نورستان, وبنجشير.
غير أن وضع الجنوب الأفغاني يؤشر على قرب خروج قوات الاحتلال الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، وتحديداً من الولايات الثلاث التي توصف بالخطيرة: ولاية هلمند حيث ترابط القوات البريطانية, وولاية قندهار حيث توجد القوات الكندية, وولاية آرزجان حيث تتمركز القوات الهولندية نظراً للمشاكل المعقدة التي تحيط بتلك القوات، وزيادة المعارضة الشعبية لمهمتها في أفغانستان خاصة إذا استفحلت خسائرهم البشرية.
وسوف نتتبع في مقالنا القادم الأسس الجديدة لاستراتيجية حركة طالبان في مواجهة الأمريكان، ونكشف عن النجاحات التي تحققت، والخطة الجديدة التي تعد لها بشكل هجوم شامل على قوات الناتو والقوات الحكومية والأمريكية في مطلع الصيف القادم الذي توعد قادة الحركة بأن يكون حاراً وقاتلاً وحاسماً، يكون بداية لإعلان إمارة طالبان مرة أخرى على المناطق المحررة لتكتمل حلقات السيطرة على مجمل الأراضي الأفغانية بحدود عام 2008م.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد