بدأ الربيع رسمياً في بلاد أفغانستان، والربيع يعد فصلاً خاصاً للشعب الأفغانيº فالسنة الأفغانية تبدأ في هذا الفصل الذي يعد بداية الحياة الحقيقية لهذه المنطقة من العالم، ويحتفلون بقدومه، ولكن ليس المهم في الربيع الآن في ظل الاحتلال هو ازدهار الزراعة، أو حركة التجارة، أو غيرها من النشاطاتº ولكن الأهم في هذا الفصل هو "ذوبان الجليد" الذي يغلق ممرات الجبال والأودية، والذي يتزامن مع حملة طالبان لمقاومة الاحتلال في إطار ما وصفته بـ"هجوم الربيع"، والذي أعلنت - أو توعدت به - الحركة في وقت سابق.
وفي الأعراف العسكرية لا تعلن الأطراف المهاجمة عن وقت أو كيفية أو طبيعة الهجوم - حتى بين أعتى الجيوش النظامية -، ولكن في حالة طالبان أعلنت الحركة قبل وقت طويل عن استعدادها لهذا الهجوم بتجنيد أعداد كبيرة من الاستشهاديين، وبالإعلان كذلك عن حصولها على عدد من الأسلحة والمتفجرات، وأنها جهزت جيشاً من المقاتلين يبلغ قوامه ما بين 6 آلاف إلى 10 آلاف استشهادي استعداداً لهجوم الربيع، والذي يمثل من حيث الأرقام ذروة نشاط حركة طالبان في الآونة الأخيرة.
فقد أشارت التقارير إلى أن عمليات الحركة في ازدياد منذ عام 2005م، فقد استغرق المجاهدون في أفغانستان وقتاً طويلاً لامتصاص الصدمة التي حدثت في أكتوبر 2001م مع بدء غزو أفغانستان في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وذلك بعد أن انفرط عقد تنظيم القاعدة هناك، وكذلك حركة طالبان التي كانت تحكم البلاد آنذاك، وهي فترة طويلة نسبياً، ولكنها واقعية بسبب تركيبة الحركة وبنيتها، ومصادر تسليحها وعدم وجود جيش نظامي لديها يحارب طبقاً للقواعد العسكرية المعروفة.
فقد اختارت الحركة نظام حرب العصابات، والكر والفر بعد دخول القوات الغازية إلى أفغانستان، ولكن لعدم وجود وحدات قيادة وتحكم لدى الحركة، أو نظام اتصالات يعتمد عليهº فإن ذلك جعل من مقاتليها بمثابة الجزر المنعزلة، والتي تفرقت في كهوف وجبال الجنوب الأفغاني انتظاراً لانتهاء حالة المد العسكري في أعقاب احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان وقدوم قوات حلف شمال الأطلنطي (الناتو) لملء الفراغ العسكري الذي نشأ عن انحسار الحركة، وانحيازها إلى الجبال في شتاء 2001م.
فعلى الجانب العسكري استطاعت الحركة تجميع صفوفها، وشنت سلسلة من الهجمات وصلت إلى ذروتها في عام 2006م، فقد أشارت أرقام جيش الاحتلال الأمريكي أن أفغانستان شهدت في هذا العام 139 هجوماً استشهادياً، وهو ما يعادل 4 أضعاف الهجمات التي وقعت في عام 2005م، في حين وصل عدد الهجمات بالعبوات الناسفة والقنابل إلى أكثر من 1600 هجوم في عام 2006م، وهو رقم لا يستهان به إذا وضعنا في الاعتبار أنه صادر عن الجيش الأمريكي وليس عن حركة طالبان.
كما أعلنت الحركة عن امتلاكها لأسلحة جديدة تمكنت بها من إسقاط عدة طائرات عسكرية، وهو ما شكل نقلة نوعية في طبيعة الحرب في أفغانستان، والتي يصعب أن تمارس فيها الآليات وقوات المشاة الأرضية للقوات الغازية دوراً كبيراً بسبب الطبيعة الوعرة والجبلية للبلاد، ما يجعل المروحيات هي الطريقة المثلى لاصطياد المقاتلين على الأرض، وبتحييد مروحيات الاحتلال في حال وجود أسلحة جديدة لدى طالبان فإن ذلك سوف يمثل تفوقاً معنوياً وعسكرياً للحركة على قوات الاحتلال.
كما ازدادت حدة هجمات الحركة على مواقع القيادة والتحكم التابعة للجيش الأفغاني الموالي للاحتلال، وسقط في هجمات حركة طالبان أكثر من 4 آلاف قتيل من القوات الأفغانية في العام السابق وحده، كما سيطرت طالبان على قطاعات كبيرة من الجنوب الأفغاني، وصرحت الحركة أنها تسيطر فعلياً على ثلاثة أرباع البلاد، وذلك لأن قوات الاحتلال لا تسيطر فعلياً إلا على ربع المحافظات التي تحتلها، وذلك بتمركزها في مناطق آمنة كما هو الحال في العراق، ولا تسيطر على مساحات كبيرة على الأرض في ظل تصاعد الاستياء المحلي للوجود الأجنبي على أرض أفغانستان.
وعلى الصعيد السياسي أيضاً استطاعت حركة طالبان أن تحرز نجاحاً كبيراً في استعادة نفوذها الشعبي على القبائل المحلية في ظل أداء سياسي واقتصادي ومعيشي سيئ من الحكومة الأفغانية بقيادة كرزاي، وفي ظل استهداف الاحتلال للقبائل، والاستخدام المفرط للقوة مع المدنيين، والقصف الدوري والعشوائي للمناطق القبلية الآهلة بالسكان، مما أدى إلى زيادة الاستياء المحلي لقوات الاحتلال، والحنين إلى أيام سيطرة الحركة على البلاد، ومن أكبر المؤشرات على ذلك هو تصريحات الملا داد الله التي قال فيها: إنهم كانوا في السابق يبحثون عن الاستشهاديين، ولكن الآن الاستشهاديون هم الذين يبحثون عن الحركة للانضمام لصفوفها.
كما ظهر الحنين الشعبي لحكم الحركة في الكثير من المناسبات في ظل تدني الأحوال المعيشية، وانتشار الظواهر الاجتماعية الناشئة عن غياب السلطة المركزية المسيطرة مثل تجارة المخدرات، وجرائم القتل، وزيادة حالات الإيدز بصفة خاصة، والذي كان مرضاً غريباً على المجتمع الأفغاني المحافظ، فقد أشارت صحيفة نيويورك تايمز في 19/3/2007 إلى أن منظمة الصحة العالمية رصدت 69 حالة إيدز في البلاد، فيما يشير خبراء الصحة إلى أن الرقم الحقيقي بات يصل إلى ألفي حالة.
وعلى الجانب الآخر تقع الولايات المتحدة في ورطة حقيقية بسبب موقفها في كل من العراق وأفغانستان، فخلاف عدد القتلى الكبير للأمريكيين في كلا الجبهتين نجد أن عقد التحالف بدأ ينفرط مع إعلان أكثر من دولة عن نيتها في سحب قواتها من العراق وأفغانستان وعلى رأسها الحليفة الكبرى بريطانيا، والتي أعدت جدولاً زمنياً لسحب القوات من العراق، إضافة إلى قوات الناتو في أفغانستان، والتي أصبحت تخشى الاقتراب من الجنوب، وتدفع في المقابل الجيش الأفغاني غير المجهز إلى أتون المعارك مع حركة طالبان التي تتمتع بخبرة في حرب العصابات والقتال، ثم الانحياز إلى الجبال.
وقد نشرت جريدة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية في عدد 19 مارس 2007 أن "نصف المعدات الأرضية التي تمتلكها الولايات المتحدة تم نشرها الآن في العراق وأفغانستان، ومنذ بدء الحرب على العراق فقد الجيش الأمريكي ما يقرب من ألفي مركبة، وأعداداً كبيرة من العربات المدرعة والآليات، وقال التقرير: أن الطبيعة الجغرافية الوعرة لكلا الدولتين يستهلكان وحدهما العديد من الآليات، ويرهقان أطقم الصيانة بالجيش الأمريكي، فضلاً عن العبوات الناسفة والمفخخة، إضافة إلى أن لجوء الجنود إلى "تصفيح" العربات غير المصفحة أدى إلى زيادة وزنها، وبالتالي سرعة إجهادها بمعدل وصل إلى 9 أضعاف المعدلات العادية".
ولن نستفيض كثيراً في الجانب العسكري الأمريكي فقد بات واضحاً للعيان قدر الإنهاك الذي حل بالجيش في كل من العراق وأفغانستان، ولكن الداخل الأمريكي هو الأهم في الفترة الراهنة، مع بدء دخول الولايات المتحدة في معركة الانتخابات الرئاسية لعام 2008م، وتململ الشعب الأمريكي من المغامرات العسكرية غير المحسوبة لإدارة بوش والتي أغرقت أمريكا في مستنقع العراق وأفغانستان، وسنضرب مثالاً على هذا الشعور المتنامي بالاستياء بهذا التقرير الذي كتبه الخبير الاستراتيجي الأمريكي أنطوني كوردسمان في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في عدد مارس الحالي 2007 بعنوان "الحرب طويلة الأمد: أمريكا والجرح الذاتي"، في إشارة إلى أن الولايات المتحدة أحدثت جرحاً غائراً بذاتها، والذي تمثل في الآتي:
· خوض الحروب طويلة الأمد بحلول غير فعالة وجزئية وقصيرة الأمد.
· الاستهانة بالمخاطر والمكاسب والخيارات الأخرى مثل: الدبلوماسية، والاحتواء، والردع.
· خوض الحروب التي تريدها أمريكا بدلاً من تلك التي تواجهها بعدم وجود استراتيجية لإنهاء الصراع أو باستراتيجية شاملة.
· إنكار حجم وطبيعة التواترات الإقليمية وعلاقتها بالصراع مثل العوامل الطائفية، والقبلية، والعرقية، ومقومات الحكم.
· الخلط ما بين مكافحة التمرد وعمليات إحلال الاستقرار وبناء الدول.
· الاستخفاف بحجم المصادر المطلوبة، وعدم اتخاذ ردود فعل مناسبة رغم تطور الصراعات.
· إنكار خطورة الوضع مع تطوره أمام كل من الكونجرس والشعب الأمريكي، وأمام الإدارة الأمريكية ذاتها.
ومع هذا الجُرح الذاتي الغائر للولايات المتحدة لا يمكن بحال من الأحوال تجاهل خطورة المواجهة الأمريكية الإيرانية بمجلس الأمنº فبالرغم من أن كل المؤشرات تدل على أن إيران سوف تصل إلى حل سلمي مع الولايات المتحدة في النهاية - كما هو الحال دائماً مع الإبقاء على القنوات السرية مفتوحة -º إلا أن الولايات المتحدة الآن لا طريق أمامها سوى التصعيد "الظاهري" للوصول إلى أكبر المكاسب مع إيران، والتي سوف تنشر المزيد من أوراقها هي الأخرى للوصول إلى أكبر المكاسب من الجانب الأمريكي، فكلاهما عينه على طاولة المفاوضات في النهاية وليس الحرب بحال من الأحوال كما تشير حقائق التاريخ، ولكن هذا قد يتضمن بعض التوترات و"المناوشات" العسكرية إذا صح التعبير، وهناك العديد من العوامل التي تجعل أمريكا تفكر ألف مرة قبل أن تضرب إيران أهمها هو إغلاق مضيق هرمز، وتوقف ضخ النفط من الخليج العربي، وهو ما قد يقفز بسعر البرميل إلى أرقام فلكية.
ومن أجل الضغط على الولايات المتحدة تستطيع إيران أن تحدث توترات في المنطقة بامتلاكها لاثنين من المفاتيح الأساسية - إذا استثنينا حزب الله في الفترة الراهنة - وهي كالآتي:
1. قبائل الهزارة الشيعية غرب أفغانستان وشرق إيران.
2. الميليشيات الشيعية المسلحة داخل العراق.
فمع خروج حزب الله من مواجهة مع الكيان الصهيوني، وتوتر الأوضاع في لبنان، وعدم استطاعته حالياً تنفيذ أية خطط عسكرية إيرانية في المنطقةº تستطيع إيران إشعال الأوضاع بسهولة عن طريق نشر بضعة صواريخ ستريللا الروسية (المعروفة أيضاً باسم "سام7") المضادة للطائرات في كل من أفغانستان والعراق، وهو ما يبدو أنه قد حدث بالفعل لتوتير الأجواء، وللضغط على الولايات المتحدة، ولإلهائها عن خططها لضرب إيران في إطار خطة "اللسعة" والتي لا تعدو حتى الآن سوى مجرد حرب نفسية أمريكية اكتملت فصولها مع جلب حاملة طائرات في الخليج العربي، ونشر أنظمة صواريخ دفاعية مع الدول الحليفة لها بالمنطقة - وكل ذلك على عكس ما يبدو - فإنه يضعف من موقف الولايات المتحدة في المنطقة الممتدة من أفغانستان إلى العراق.
وللعودة إلى الداخل الأفغاني، ووضع حركة طالبانº فإن هناك مؤشرات سياسية أخرى تؤكد ارتفاع نفوذ الحركة، أبرز تلك المؤشرات هو طلب الاحتلال ذاته بإجراء مفاوضات مع طالبان كما أعلن ذلك الرئيس الأفغاني حامد كرزاي بالرغم من أن الحركة رفضت ذلك بسبب بقاء الاحتلال، وكذلك الاحتفاظ بعناصر الحركة معتقلين في جوانتانامو، كما جرت مفاوضات مؤخراً بشأن إطلاق الصحفي الإيطالي المحتجز لدى طالبان، والتي أفرجت عنه نظير تحرير عدد من قياديها الميدانيين وهو ما تم بالفعل.
وقد استطاعت الحركة اتخاذ خطوات ناجحة في تعبئة جنودها، فمع إعلان قوات الاحتلال عن نيتها في جلب المزيد من القوات المساعدة استطاعت طالبان أن تستثمر ذلك جيداً، ووضعته في الإطار الصحيح وهو أن "دول الكفر الصليبي حشدت قواتها ضد المسلمين في أفغانستان، فاستجاب المسلمون من حول العالم لذلك، وبعد أن كنا نبحث عن الاستشهاديين أصبحوا هم يبحثون عنا الآن" كما صرح الملا داد الله في حوار مع قناة الجزيرة الفضائية، كما أكد أن الحركة لديها علاقات قوية بالمجاهدين في العراق، وبعضهم يمكث شهر هناك ثم يعود، والعكس، ويتم تبادل للمعلومات والخبرات.
كما نجحت الحركة في خوض الحرب الإعلامية، واستفادت من خبرات مجاهدي العراق في ذلك، وقامت بتصوير عملياتها، وأدلت بتصريحات صحفية أصبحت تتناقلها وسائل الإعلام حول العالم، فالمحدد الإعلامي أصبح من أهم محددات المعادلة العسكرية في العصر الحديث بعد أن تم كسر احتكار الغرب للإعلام بعد انتشار الفضائيات والإنترنت، فهو من أهم عناصر الحرب النفسية والمعنوية التي لا تقل بحال من الأحوال عن القنبلة والمدفع.
مما سبق يتضح أن كل الظروف مواتية الآن لأن تجني حركة طالبان ثمار الانتظار لسنوات في الجبال، فالاحتلال لن يستطيع تحمل المزيد من الهجمات، خاصة التي توعدت بها طالبان في الربيع، وأعدت لها جيشاً من الاستشهاديين قوامه يصل إلى 10 آلاف مقاتل، فبعد تلك الهجمات سوف تصبح الساحة الأفغانية مهيأة للتسوية السياسية التي هي ثمرة الصراعات - تمهيداً لانسحاب الاحتلال -، ولكن هذا ربما لن يتم قبل عام 2009م بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقدوم إدارة جديدة، وبعد أن تتهيأ الساحة تماماً للانسحاب الأمريكي والناتو بالتبعية من أفغانستان، ولكن يجب على الحركة أن تضع نصب أعينها الآتي:
1. القبول بوجود تسوية سياسية في النهاية، فالمعارك وحدها لا تخرج الاحتلال، ولكن بعد الإثخان فيه يجب ترك نافذة مفتوحة له ليخرج محتفظاً ببعض ماء وجههº وإلا لن يخرج وسوف يستمر على الخطأ، والتجربة الفيتنامية خير دليل على ذلك، فبالرغم من المهانة الأمريكية هناك إلا أن القيادة الأمريكية ابتلعت كبرياءها لتخرج خروجاً أرادت له أن يكون غير مهين، بالرغم من أن التاريخ فضح القوة العظمى، وكشف بعد ذلك كل عورات وسوءات هذا الغزو الأمريكي، وتستطيع الحركة آنذاك أن تطالب بإطلاق سراح معتقليها كما فعلت في تجربة الصحفي الإيطالي التي كانت مثالاً وأنموذجاً على التسويات السياسية، وتستطيع إملاء ما تريده من شروط أخرى على رأسها خروج الاحتلال بالكامل.
2. القبول بإدماجها مع الحكومة الأفغانيةº فكرزاي نفسه لم يأت به الاحتلال للحكم إلا لأنه من قبائل البشتون ذات الأغلبية في البلاد، والتي تمثل 38% من السكان، والتي جاءت منها الحركة ذاتها، كما أثبت ضعفه وعدم قدرته على إدارة البلاد، واستجدائه للحركة للحوار، وأصبح ورقة مستهلكة لدى الأمريكان، ويجب على الحركة القبول بنظام الحكم الحالي كأساس وقاعدة يمكن الانطلاق منها نحو إنشاء دولة إسلامية فاعلة تطبق كل قواعد الشريعة الإسلامية، ولا تعادي أحداً من محيطها، وتمد يدها لدول الجوار - وخاصة باكستان -.
3. القبول بالمجتمع الدولي، وعدم الوقوع في الأخطاء السابقة التي أعطت الذرائع للغرب بتصفيتها، ومحاولة تحييد الأطراف الدولية، والتفرغ لبناء الدولة، وعدم التفكير في معاداة الآخر قبل الحفاظ على الكليات الخمس (الدين - النفس - العقل - النسل - المال) بعد خروج الاحتلال، وتحويل البلاد من ركام يعيش بينه الناس إلى دولة كاملة الأركان.
4. إعلان انفصال الحركة عن تنظيم القاعدة خاصة بعد اعترافات خالد شيخ محمد "الثمينة" بأنه هو المسئول عن أحداث سبتمبر من الألف إلى الياء، وتعلن أنها لن تقبل بوجود القاعدة على أرض أفغانستان، وتنأى في الوقت ذاته عن مطاردة عناصرها، وتغض الطرف عن وجودهم، لأن الاحتلال نفسه بإمكانياته فشل في اعتقال قادة التنظيم، ثم تصبح عملية دمج التنظيم في الدولة بعد ذلك مسئولية الحركة بعد خروج الاحتلال.
إن حركة طالبان في مجملها مجموعة من طلبة العلم الذين خرجوا في البداية لتوحيد الصفوف بعد اقتتال الفصائل، وانضم لهم بعد ذلك علماء ومجاهدون، وربما لم يحظوا بخبرات سياسية وعملية في إدارة الدول حالهم في ذلك حال المحاكم الإسلامية التي كانت تتكون من قضاة المحاكم الإسلامية في مقديشيو، وكلا الفريقين مارس شعيرة من أهم شعائر الإسلام ألا وهي الجهاد في سبيل الله، لكن كلاهما تم إزاحته عن الحكم بأخطاء صغيرة، وهفوات نتجت عن عدم الخبرة السياسية في إدارة الدول، وتغليب الخطاب الحماسي على الذكاء السياسي، ومعاداة المحيط الإقليمي بدون حنكة في تحييد الأعداء، وبناء الداخل قبل القفزات المحطمة، ومعاداة الخارج، فيجب على حركة طالبان أن تعيد حساباتها، وأن تستغل موسم ذوبان الجليد في أفغانستان في إذابة وصهر وصقل فكر الحركة، وعدم الاقتصار فقط على صقل السيوف التي لا تحافظ على الدول، ولا تضمن استمرار بقائها.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد