بسم الله الرحمن الرحيم
كان الغرب قد تعلَّم - منذ الحروب الصليبية - أن الحرب الصريحة المعلنة بالجيوش لضرب الإسلام نتيجتها الهزيمة، فقد استجاشت في صدور المسلمين النار الخطرة، التي استعرَّ لهيبها ما يزيد على القرنين،
حتى تم اندحار المعتدين على يد القائد المسلم - الكردي - صلاح الدين، وجنده المسلمين على اختلاف أجناسهم، وكان على الحقد الغربي أن يتريثº ليغير أسلوبه للوصول إلى غرضه القديم، وهو اغتصاب كل الأرض التي انتشرت عليها العقيدة الإسلامية، وحصر أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله في جزيرة العرب، بعد تمزيقها أشتاتاً في قبائل جاهلية مرتدة عن دين الله الحق، يضرب بعضها أعناق بعض.
وكان الغرب قد نجح - بالغدر ونقض العهد والإرهاب - في محو الإسلام نهائياً من أرض الله أسبانيا (أندلس المسلمين) عام 1609 م (أيام العصر الشيكسبيري بعد تأليف هاملت، وقبل وفاة شكسبير بسبع سنوات، أيام العصر الذهبي للحضارة والثقافة الغربية في (أوروبا) - ويشهد المستشرق نيكلسون على أسلوب إبادة المسلمين من أرض الله (أسبانيا)، فيقرر هذه الأسطر (الصفعة) على وجه الحضارة والرقي الأوروبي المزعوم، فيقول نيكلسون - في كتابه التاريخ الأدبي للعرب (ص441) - ما أترجمه حرفياً: في عام 1492م فُتحت آخر قلاع عرب الأندلس لفرديناند وإيزابيللا، وحلَّ الصليب محل الهلال على أبراج غرناطة، وأظهر المنتصرون تعصباً وحشياً، بلغ من بشاعته أنه انتهك تعهداتهم المغلظة، بأن يحترموا الدين وممتلكات المسلمين، وتناقض تعصبهم تناقضاً كاملاً مع التسامح والمعاملة التحرٌّرية (الليبرالية)، التي تمتع بها المسيحيون تحت الحكم الإسلامي، وأمام الإجبار على الاختيار بين الردة أو الهجرة - فضَّل الكثير من المسلمين الهجرة، أما هؤلاء الذين بقوا فقد تعرضوا لاضطهاد بشع حتى جاء عام 1609، فتم بأمر من فيليب الثالث - طرد كل مَن كان من أصل عربي، وتم طردهم من الأرض الأسبانية طرداً جماعياً.
وهكذا بعد موقعة النصر - بالغدر والإرهاب - على مسلمي الأندلس الغافلين، استمرأت الشهية الغربية لحوم المسلمين، ووجدوا أن في الصيغة المؤلفة من الخديعة والتسلل مع الإرهاب والغزو - ما يمكِّنهم من الانتصار على صلاح الدين، ولو بعد حين، ومن ثم حين ماج القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بمخاض بعث إسلامي - كانت حربة إبليس ذات الثلاث أسنان قد صُوِّبت ونشبت في لحم المنطقة مجهضة طفل الإسلام الشريف، طارحة - في المقابل - أطفالها: بهائية، صهيونية، ماسونية: توائم دميمة ثلاثة لمنطلق واحد واستراتيجية واحدة، وبتكتيك يختلف باختلاف الموقع والتكليف:
- فالبهائية: تطلب السلام بين القاتل والمقتول، ونزع السلاح من المظلومين والمجني عليهم، بينما تتسلل تفكك عُرى المسلمين مع شريعتهم عروة عروة، حتى الانسلات الكامل.
- والصهيونية: تمارس الاغتيال والإرهاب، واغتصاب الأرض شبراً شبراً، ثم وطناً وطناً.
- والماسونية: تلف حبائلها لتشد وتشل - إلى قيادتها وتوجيهاتها - عقول المثقفين والأدباء والشيوخ والعلماء والقادة الاجتماعيين والساسة، وتصنع على عينيها الأحزاب السياسية، التي تسرق البعث من الإسلام، والوحدة من المسلمينº ليصير البعث بعثاً من العصبية العرقية الجاهلية قبل الإسلام، وتكون الوحدة بين كل مَن تبرأ في سلوكه من الإسلام - بدعوى شعار براق آخر هو مسايرة العصر - وكل مَن انحاز للادينية (العلمانية)، وتبنَّى النقاط السبع الجوهرية في البهائية، وأهمها:
1- فصل الدين عن الدولة. 2- إباحة الربا. 3- نزع حجاب المرأة.
إن أحداً لا يماري في أن المرأة المسلمة في العالم - وفي مصر - كانت قبل وعند مطلع القرن العشرين، ترسف في أغلال تراكمات السنوات الطويلة من الإهمال والجهل والحرمان من حقوقها الشرعية، التي كفلها لها الإسلام في التعلم والدراسة واختيار الزوج.. الخ، وكانت في إطار الظلم العام، والتآمر الذي كان واقعاً على المواطن المسلم على مساحة الوطن الإسلامي - كانت تعاني ظلماً مضاعفاً، وتتهدد بتآمر أخطر، وكان بعض علماء الدين التقليديين قد ركنوا إلى قواقع، هربوا إليها، منسلخين من مسئوليتهم الإسلامية الجوهرية في ريادة الأمة، والاضطلاع بحمل متطلباتها السياسية والاجتماعية والثقافية، في الوقت الذي لم تأخذ قضية تحرير المرأة المسلمة شيئاً يُذكر من اهتمام الطليعيين من علماء الشريعة، فكان حظ المرأة المسلمة من الالتفات - إسلامياً - لمحنة ظلمها الاجتماعي، الذي أعادها إلى عذابات موروثات من العقلية الجاهلية قبل الإسلام، التي يسودٌّ وجهها كلما بُشِّرت بالأنثى، فتلجأ إلى وأدها، كان حظ المرأة المسلمة ترديداً مبتوراً للآية الكريمة: ﴿وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرٌّج الجاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرا﴾ [الأحزاب: 33]، مع إغفال الآية الملحقة: ﴿وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خبِيراً﴾ [الأحزاب: 34]، مع ما تعطيه هذه الآية الكريمة من منهج قرآني مرسوم لمهمة المرأة المسلمة، التي أُمرت من قِبَل القرآن بالتزام بيتها - لا لكي تجلس، كما كان يحدث لقرون طويلة، في فراغ أو زحام من الجهل والتفاهة واللافاعلية- ولكن لتأدية عديد من المهمات لإعدادها كادراً إسلامياً، لها موقعها الأساسي في المجتمع الإسلامي منها:
أولاً: المهمات التعبٌّدية:
رياضة لجسمها وروحها ﴿وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً﴾[الأحزاب: 33].
ثانياً: المهمات التعليمية:
بناءً لعقلها وثقافتها ووعيها، ومن ثم فاعليتها في جسم المجتمع الإسلامي: ﴿وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خبِيراً﴾[الأحزاب: 34]، وعند كلمة الحكمة تنبجس - أمامنا - المئات من عيون المعرفة والخبرات، وأبواب توظيفها، وتتشكَّل أمامنا - تربوياً وعلمياً وثقافياً - تلك المرأة المسلمة، كما يرسمها القرآن الكريم، ويريدها الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - ونرى بعين الرؤية الإسلامية: امرأة نظيفة، نشطة، جادة، لها زيها المتميز عن الجاهلية وعن الكتابية {ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلا يُؤذَينَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً[الأحزاب: 59] تغض بصرها، لكنها لا تخضع بالقول، فهي قوية نابهة، تدربت إسلامياًº لتعرف الفرق بين التهذيب والضعف، الذي يثير الطمع، وهي متفقهة في دينها، تعرف كتابها، وتوجيهات رسولها - صلى الله عليه وسلم - وتتلقى من منابعهما الحكمة، التي تربي وعيها، كذلك لتتعرف على إمام زمانها، الذي عليها أن تبايعه، وتتبعه نصرة لله والرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي امرأة قارئة، كاتبة، متأملة، مفكرة، مستنبطة، مستوعبة، تعرف تفاصيل قوانين شريعتها وفقهها، كما تعرف أصول حكومتها، وتدرك كيف يكون الحاكم العادل، ومتى يصير - بالمفهوم الإسلامي - جائراً، فتُلزم، وتؤمر - مع مجتمعها المسلم - بتقويمه ونصحه، أو مجاهدته.
هي نصف متزامل مع الرجل المسلم في حشد بديع، يأتي به القرآن صفاً من ضياء وعبق المسك، كما ورد في الآية الكريمة: ﴿إِنَّ المُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخاشِعِينَ وَالخاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجهُم وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغفِرَةً وَأَجراً عَظِيماً﴾[الأحزاب: 35].
هذه الصورة الكريمة الناصعة للمرأة المسلمة - كما حدد معالمها القرآن الكريم - طُمست وتلاشت (إلا في حالات استثنائية نادرة) عبر القرون التي اتخذ فيها المسلمون ﴿هَذَا القُرآنَ مَهجوراً﴾[الفرقان: 30]، فتحولت المرأة المسلمة إلى كائن جاهل خامل، متخلف الحس والإدراك، فاقد الوعي، منكمش في تواجد باهت على هامش المجتمع، وكان لا بد أن يؤدي هذا الطمس والجور - على قانون الله - إلى سرقة مطلب تحرير المرأة من منطلقاته وتصوراته الإسلامية، بعد أن تقاعس علماء المسلمين عن أن يكونوا أول مَن يقود الحملة لمحو أمية المرأة، والدفاع عن حقوقها الشرعية، وإعادتها إلى ملامح ومعالم صورتها، كما قررها القرآنº لتنبعث حرة عزيزة من أرضيتها العقائدية، وتراثها الثقافي والفكري.
وهكذا - وفي غياب المبادرة الإسلامية للتصويب - وقعت قضية تحرير المرأة المسلمة في أيدي غير الأمناء، ممن لا ينطلقون من أرضية أو تصوٌّر إسلامي، وتقدم كل مَن هب ودبº ليدلي بدلوه في مسألة تحرير المرأة المسلمة: ما بين صديق جاهل، وعدو ماكر، استطاع في نهاية الأمر - بعدائه ومكره - أن يكتِّل الصديق الجاهل إلى معسكره المعادي للإسلام، ويستثمر جهله لضرب معاقل المسلمات، وهتك سترهن، كجزء من المخطط الأسود الشامل على كل الأصعدة لضرب الإسلام والمسلمين، وإلغاء شريعتهم - لا سمح الله - حيلولة، ومنعاً لانبعاثهم الحتمي رحمة للعالمين، ولو كره الكافرون.
وفي مولد هذا الشعار البَرَّاق - تحرير المرأة - انفسخ المجال أمام الرواد العظام من تجار الشنطة الثقافية، القادمين من أوروبا ومن أمريكا أخيراً - ليصولوا ويجولوا، محمَّلين بأشكال وأنواع بضاعة الثقافة الغربية، بموروثاتها الجاهلية الوثنية الإغريقية، ومعها نماذج المرأة الأوروبية والأمريكية، التي كانت قد نالت حريتها حديثاً، متشكلة من رصيد فكري واجتماعي وديني خاص بها وحدها، لا تنتمي إليه، ولا يمكن أن تنتمي إليه المرأة المسلمة بحال.
وككل الباعة الجائلين، كانت أصوات تجار الشنطة الثقافية - هؤلاء - أعلى الأصوات، وأكثرها صخباً، وككل الباعة الجائلين - كذلك - كانوا يعرفون الكلمة التي تقال لتبهر وتجتذب، والبضاعة التي تُدس لتسلب، ونعجب الآن - ونحن ننظر إليهم على بُعد ما ينيف على النصف قرن - كم كان واضحاً كونهم مندوبي مبيعات شامخي الأنوف مع مواطنيهم، مهدوري الكرامة للرؤوس الأوروبية الغربية الداهية، من صهاينة وصليبيين وماسون، وكم كان واضحاً - على الرغم من الحذلقة - تشتٌّتهم الفكري، وسطحيتهم - كنقال ببغاويين - بنداءاتهم الفجة، التي لا تخلو من وقاحة وسوقية، لهجر التأصيل من الذات لحساب التبعية الفكرية لغرب يمقتنا، ديناً وجنساً وتاريخاً، ويمارس معنا فوقية وغطرسة واحتقاراً، وهو يحضر الأنشوطة وراء الأنشوطةº لتلتف حول أعناقنا، جاذبة جباهنا عند أقدامه: جباهنا نحن المسلمين أصحاب العزة من الله: ﴿وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8].
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد