بعد مرور عامين على توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية في يناير2005مº بعد جولات عديدة شهدت عاصمة نيجيريا وحدها ثلاث جولات، ومدن كينيا أكثر من سبعة جولات، وكان لفرانكفورت بألمانيا أيضاً حظاً من المشاركة في مسيرة بحث السودان عن السلام وإيقاف الحرب التي تعد أطول حروب القارة الأفريقية، والتي راح ضحيتها أكثر من 2 مليون سوداني حسب بعض الإحصاءات، وأسلمت حوالي ثلاثة ملايين إلى الملاجئ والنزوح..كيف يرى الخبراء والسياسيون حصاد هذين العامين المنصرمين، وإلى أين تسير قافلة السلام بالسودان، وكيف ستنتهي السنوات الست التي هي عمر اتفاقية السلام أبالوحدة أم بالانفصال؟! توجهت (شبكة المشكاة الإسلامية) بهذه الأسئلة وبغيرها لعدد من الخبراء السودانيين، هذه رؤاهم ونترك للقارئ أن يحكم على الاتفاقية وتنفيذها أيضاً..
الشريكين نجحا في تنفيذ بعض مقررات الاتفاقية كما اتفقا عليها في نيفاشا ونصت عليها الجداول الزمنية لتنفيذ الاتفاقية، وكذلك أخفقا في تنفيذ كثير مما اتفقوا عليه
تنفيذ الاتفاقية
يرى الدكتور حسن حاج علي الأزرق رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخرطوم أن الحكم على تنفيذ الاتفاقية بالنجاح والفشل بالإطلاق صعب جداً، حيث يرى حاج علي أن الشريكين نجحا في تنفيذ بعض مقررات الاتفاقية كما اتفقا عليها في نيفاشا ونصت عليها الجداول الزمنية لتنفيذ الاتفاقية، وكذلك أخفقا في تنفيذ كثير مما اتفقوا عليه في موعدها الموضوع كتكوين المفوضيات، وأداء تأخير تكوين هذه المفوضيات أدى إلى تأخير كبير في تنفيذ بعض جوانب الاتفاقية المطلوب تنفيذها بهذه المفوضيات.
وللدكتور علي محمد سعيد الخبير في شؤون القرن الإفريقي أن الاتفاقية في أصلها كانت مثالية في مقرراتها وأفكارها الأساسية أكثر من كونها اتفاقية واقعية تنطلق من الواقع في قضاياها ومقرراتها، وهذه المثالية اصطدمت بالواقع عند محاولة تنفيذها، ويشارك د. قطبي المهدي د. علي سعيد هذه الرؤية حول الاتفاقية، ويقطع د. علي بأن الانتخابات المقررة بعد عامين من الآن ستتأخر، وكذلك إجراءات استفتاء تقرير المصير لجنوب السودانº حيث لم يتم حتى الآن إجراء الإحصاء السكاني للجمهورية كما هو مقرر له، ولن يشفع في ذلك إجازة الحكومة إجازة البرلمان لقانون الانتخابات العامة.
وحول الأسباب التي أدت لتأخير تنفيذ الاتفاقيةº يعزو د. علي التأخير لجملة أسبابº منها أن الحكومة قد شُغلت بقضايا أخرى كبيرة بالإضافة لقضية الجنوب وتنفيذ الاتفاقية، فقد شغلت الحكومة بقضية دارفور والضغوط الدولية حولها، وكذلك بقضية شرق السودان، وغيرها من المشكلات التي صرفت الحكومة - التي شكل فريق التفاوض من الحكومة والحركة أغلب أعضائها- عن العمل الجاد لتنفيذ الاتفاقية، ويضيف د. علي محمد سعيد سببا جوهريا أثر في تنفيذ الاتفاقº حيث يرى أن الشريك الجنوبي غير حريص الآن على قضايا الاتفاق غير المتعلقة بالشأن الجنوبي حتى الانتخابات القادمة نفسها، حيث يظهر هذا الشريك ميول انفصالية لا يخفيهاº كما نرى في السلوك السياسي للنائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب، حيث يبدو غير راغب في المشاركة في أعباء الحكومة القومية بل البقاء لفترة طويلة بالخرطوم.. وهذا الرأي يعاضده ما ذهب إليه د. حسن حاج عليº الذي يرى أن العلاقة بين الشريكين غير منسجمة تماما بدليل الإشكالات التي ظهرت بوضوح خلال العامين الماضيين من عمر الاتفاقية، وعدم الانسجام - حسب تعبير حاج علي- يبدو أكثر وضوحا في القيادات الوسيطة والقواعد الدنيا التي يقع عليها عبء تنفيذ الاتفاقية، مما ألقى بظلال سالبة على مجمل تنفيذ الاتفاقية.
الشريك الجنوبي غير حريص الآن على قضايا الاتفاق غير المتعلقة بالشأن الجنوبي حتى الانتخابات القادمة نفسها، حيث يظهر هذا الشريك ميول انفصالية لا يخفيهاº وللدكتور قطبي المهدي مستشار رئيس الجمهورية السابق ومدير جهاز الأمن والمخابرات الأسبق رأياً مختلفاًº حيث يرى أن الاتفاقية قد تم تنفيذها لحد كبير وقد خرجت آثار التطبيق للعلنº حيث أُلغي دستور السودان الدائم للعام 1998م، وأصبحت الاتفاقية هي الدستور الحاكم ليس للجنوب فقط ولكن لعموم السودان، وقد أصبح هناك مجلس رئاسة، وأصبح الرئيس مقيداً بقرارات هذا المجلس، وانفردت الحركة الشعبية بحكم الجنوب وتشارك في حكم الشمال، وخرج الجيش السوداني من كل الجنوب، وغيرها من التغيرات الأساسية في بنية السودان وتوجهه الحضاري، ويرى د. قطبي أن الجنوب قد انفصل عمليا حتي أن صلاحيات الحكومة القومية المركزية التي كفلتها الاتفاقية لها في الجنوب قد أصبحت معدومةº حتى فيما يتعلق بقضايا صغيرة كالجمارك وتعيين موظفي الطيران المدني.
استفادة الجنوب
اتفق الخبراء الذين استطلعتهم (المشكاة نت) على أن الجنوب لم تظهر عليه ثمار اتفاقية السلام بعد، حيث مازالت البُنى التحتية على الحالة التي كانت عليها أيام الحرب، وكذلك الأوضاع الاقتصادية للمواطن الجنوبي رغم ضخامة المبالغ المالية المحولة للإقليمº حيث تصل إيرادات النفط إلى(80 مليون دولار شهريا)، يقول د. حسن حاج علي: "رغم أن الحركة انفردت بحكم الجنوب سياسيا إلا مشكلات أمنية كثيرة تضرب جسد الجنوب"، ويعزو عدم الاستفادة من موارد الجنوب إلى قلة الكوادر المؤهلة في الحركة الشعبية اللازمة لإدارة هذه الأموال، وكذلك لانعدام الخبرةº حيث انتقلت قيادة الحركة الشعبية وكوادرها من الغابة إلى ديوان الحكم مباشرة دون تجربة إعداد كافية، بينما يرى د. علي محمد سعيد أن الفائدة الوحيدة التي جناها المواطن الجنوبي هو إيقاف الحرب، حيث اقتصرت الفائدة المادية على النخبة الجنوبية، أما سياسيا فهو يرى أن الجنوب لم يستقر حتى الآن حيث مازالت الحركة الشعبية الحاكمة تجري التعديل تلو الآخر في المناصب السياسية والإدارية.
مستقبل الاتفاقية
الإشكالات التي تواجهها التي تواجهها الحركة الشعبية على الأرض، والصراعات داخلها لن تصب في صالح الوحدة
يرى د. علي محمد سعيد أن الاتفاقية من الواضح من سلوك الشريك الجنوبي والضامن الدولي أن الانفصال بين الشمال والجنوب هو الاحتمال الراجح، وخاصة أن الضامن الدولي - وخاصة أمريكا -كما يبدو قد تبنت إستراتيجية "الفوضى الخلاقة " حيث أصبحت لا تعتمد في تسير مصالحها وحمايتها على الحكومات المركزية كما رأينا في العراق وأفغانستان، والأوضاع في السودان والثورات التي انطلقت في الأقاليم تشير إلى أن السودان يمكن أن ينزلق في فوضى، ويتخذ د. حاج علي موقف أكثر تحفظا حيث قال (للمشكاة نت): إن من الصعب التكهن بمستقبل الاتفاقية ومآلاتها من خلال النظر إلى تجربة السنتين الماضيتين، وبناءً على اتفاقية السلام ونصوصها لأن الوحدة والانفصال تعتمد في المقام الأول على المجريات العملية للأوضاع السياسية والاقتصادية في الشمال والجنوب فلو تحسنت هذه الأوضاع وشعر الجنوب بأن الوحدة كما جربها خلال الفترة الانتقالية خير له ستكون الوحدة هي الخيار الجنوبي الوطني، وإن كانت الثانية فالانفصال. والانفصال قد وقع منذ توقيع الاتفاقية -عند د. قطبي المهدي- الذي يعتبر أنه محروس بضمانات دولية، تضمن بقاء الاتفاقية على الورق، ويدعم الخط الانفصالي، خاصة وأن الإشكالات التي تواجهها التي تواجهها الحركة الشعبية على الأرض، والصراعات داخلها بين التكتلات القبلية والمناطقية، بل وحتى المناطق الشمالية التي سيطرت عليها الحركة الشعبية أصبحت فيها مشاكل كثيرة أيضاًº هذه كلها لن تصب في صالح الوحدة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد