بسم الله الرحمن الرحيم
بالرغم من بعض التعارضات الجدية الأوروبية-الأمريكية بصدد طريقة إدارة السياسة الإمبريالية في العراق وفلسطين والمنطقة العربية عموماً، والرغبة المشروعة لدى أطراف عربية رسمية وشعبية عديدة للاستفادة من تلك الخلافات في توسيع هامش مناورتها، فإننا نكون سذجاً لو تصورنا دوافع وآليات عمل الاتحاد الأوروبي مختلفة جوهرياً عن مثيلتها الأمريكية، أو لو تصورناها تلعب في المنطقة العربية خارج الخطوط الحمر والسياق الاستراتيجي الأمريكي-الصهيوني.
بالتأكيد، أوروبا الحضارة ليست بالضبط مثل أمريكا البراغماتية المقطوعة الجذور. كما إن منسوب التفهم والتعاطف النسبي مع قضايانا في الشارع الأوروبي يتجاوز مثيله في الشارع الأمريكي بسنوات ضوئية. بيد أن ذلك لا ينفي النزعة الإمبريالية المنبثقة من ثنايا الشرائح المعولمة في الدول المكونة للاتحاد الأوروبي، ولو كان يخفف من اندفاعها أحياناً ويغير من شكلها أحياناً أخرى.
على أية حال، وبغض النظر عن تصاعد وخفوت حدة التعارضات الأوروبية-الأمريكية حول توزيع الغنائم حسب الوزن النسبي لكلٍ, منهما إزاء نزعة الاستئثار الأمريكية، كما في العراق مثلاً، فإن ما تجب رؤيته في هذا المفصل المحدد من تاريخ أمتنا هو دور الاتحاد الأوروبي في الترويج للتطبيع ومشروع «الشرق الأوسط الكبير»، وهو ما يزيغ عن الأبصار أحياناً في زوبعة العدوان السافر الأمريكي-الصهيوني علينا.
في عام 1995 بالتحديد، جاء إعلان برشلونة تحت عنوان «الشراكة الأورو-متوسطية» لإقامة سوق مشتركة أوروبية-متوسطية تضم تركيا و«إسرائيل» على خلفية معاهدات وادي عربة وأوسلو والمؤتمرات الاقتصادية «الشرق أوسطية». وهو ما تكامل مع الجهود الأمريكية للترويج للتطبيع والعولمة في المنطقة العربية، ولكن من بوابة أوروبية، تعطي للفئات الحاكمة في أوروبا مدخلاً للمشاركة في غنائمها الاقتصادية وغير الاقتصادية.
أهمية هذا الجهد طبعاً أنه ذو طبيعة استراتيجية ومؤسسية تتجاوز آثارها طويلة المدى هذا اللقاء التطبيعي أو ذاك. واليوم، بعد الاندفاعة الأمريكية الجديدة لتأسيس «الشرق الأوسط الكبير»، والتي سبقها إعلان بوش بعد شهر من سقوط بغداد بالضبط عن مشروعه لإنشاء منطقة حرة أمريكية في «الشرق الأوسط»، عادت عجلات «الشراكة الأورو-متوسطية» للدوران من جديد لتتمم الجهد الأمريكي في الهدف ولتجاوره في المحتوى. فقام وزراء خارجية الأردن وتونس ومصر والمغرب يوم 25 شباط/فبراير 2004 بالتوقيع في الرباط على اتفاقية إقامة منطقة للتبادل الحر بين الدول العربية المتوسطية كجزء من استحقاقات الانضمام لمنطقة التبادل الحر الأورو-متوسطية. وكالعادة، صدر بيان يضلل الجمهور العربي بالقول أنها خطوة على طريق السوق العربية المشتركة.
ولكن كريس باتن المفوض الأوروبي للعلاقات الخارجية نشر مقالاً في صحيفة يديعوت أحرونوت في 26/2/2004، أي بعد يوم بالضبط من توقيع الاتفاقية في المغرب، يربط فيها بوضوح ما بين تلك الاتفاقية كالتزام واضح للشراكة الأورو-متوسطية المتجسد في إعلان برشلونة، وما بين الترويج للتطبيع والعولمة. مثلاً، يقول باتن: «فهدفنا هو التوصل إلى سياسة توفر لجيراننا التقدم تجاه الحريات الأربع الأساسية للاتحاد الأوروبي ألا وهي: حرية انتقال البضائع والخدمات والأموال والأفراد، وذلك مقابل إصلاحات سياسية واقتصادية ملموسة والتي يجب على جيراننا اتخاذها لمصلحتهم الخاصة».
ومن الجدير بالذكر أن مصر والأردن والمغرب وتونس التي تقدم وزراء خارجيتها الصفوف لفتح أبواب التطبيع والعولمة و«الإصلاح» في المنطقة العربية أوروبياً، تشبه إلى حد بعيد الدول التي تم تداول اسمها إعلامياً غداة إعلان بوش عن مبادرته لسوق حرة «شرق أوسطية» في 9 أيار/مايو 2003 لكي تتقدم الصفوف في اتفاقيات تجارة حرة منفصلة مع أمريكا على نظام المناطق الصناعية المؤهلة الذي يقوم دائماً على ثلاثي الدولة الموقعة- أمريكا-«إسرائيل»، والذي تم تطبيقه في الأردن في التسعينيات.
باختصار، اتفاقية الشراكة الأورو-متوسطية لا تمت بصلة للسوق العربية المشتركة، لا في أهدافها ولا في أبعادها!! لكن على الأقل لن تتردد الدول العربية الموقعة على هذا الاتفاق بتنفيذه...وفي جميع الأحوال، فلننتبه للدور الأوروبي.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد