بسم الله الرحمن الرحيم
غالبا ما يعتقد أن هذا المسار الجديد ’ مسار العولمة يشكل ظاهرة لا رجوع عنها ’ وأنها الطريق الوحيد للمستقبل ولكن المنظور التاريخي من وجهة نظر (هارولد جيمس) في كتابه نهاية العولمة 2002 وغيره يملى علينا ضرورة الحذر من إطلاق مثل هذا التعميم باعتبار أن التجارب التاريخية للعولمة أو أشباهها تشير إلى أن لكل عولمة في التاريخ لها خصوصيتها كما يري (جيمس) وبالتالي فلا نستطيع أن نقول بأن ما حصل في الماضي سوف يحصل في المستقبل بالضرورة فالتاريخ لا يكرر نفسه بنفس الطريقة ’ أو بشكل كامل ومماثل ولكن لا نستطيع أن نهمل دروس التاريخ.
إن المقصود بتوقعات نهاية العولمة ليس العولمة بإطلاق في القرية الكونية للعالم التي أتخمت بثورة المعلومات وتقنيات الاتصالات وشاعت ملكيتها واستخداماتها على أطراف المعمورة ولم تقتصر أسرار فنون المعرفة لها (Know How) على الولايات المتحدة. إنما المقصود هو نهاية عولمة الرأسمالية الأمريكية المتوحشة التي لا يقف في طريق تحقيق مقاصدها الاستغلالية أي حائل فوسيلتها الاختراق بالقوى العسكرية إن ضاقت عليها السبل بالوسائل السلمية.
ألا توجد صيغة أكثر إنسانية وعدالة للعولمة؟ ألا توجد قواسم مشتركة بين مصطلحي العالمية والعولمة. حيث يستوعب الأول (العالمية )المردود الحضاري لكل الثقافات والمدنيات وأنساق القيم والأخلاقيات الإنسانية وكل الأفكار والمعارف والعلوم النافعة للمجتمع الإنساني بتنوعاته شعوبه وأعراقة وقومياته. فالعالمية رغم بعدها الإنساني الشامل فإنها لا تنكر السمات القومية لشعب من الشعوب وتحترم خصائصهº بينما يوحى مصطلح العولمة بانه نظام مصنوع هبط لتهديد القوميات بقصد انتهاك السيادة لحدود الدول خاصة الدول النامية وإذابة مصائر الأضعف فى مصالح الأقوى. كما تحمل العولمة قسمات و أفكار ومذهبيات (ايديولوجيات) صانعيها التي ستحمل بالضرورة تناقضات وصراعات المصالح والأفكار بين الأقوى والأضعف من الشعوب. ألم تحمل الديانات السماوية الكبرى وخاتمها الإسلام سمة العالمية بقصد التوحيد والتقارب والتعارف بين البشر و جعل تقوى القلوب والإحسان والإتقان في العمل ونبذ العداوة والتآخي بين البشر جميعا هو دستور العلاقة بين الناس. أما العولمة الجديدة التي خرجت من العباءة الغربية الأمريكية فنها تسير عكس العالمية بمضمونها الفطري والإنساني وتصطنع مواقف الصراع على المصالح مرجّحة مصالحها ولو على حساب القيم الإنسانية والأخلاق وسحق المعارضين إلى درجة الإفناء.
ستختلف الحجج والبراهين بالنسبة لاحتمالات نهاية العولمة الجديدة إنما الكفة راجحة الآن إزاء مؤشرات زوال العولمة الرأسمالية الأمريكية الجشعةº فربما كانت (سياتل) هي بداية القرن الواحد والعشرين فالمظاهرات الضخمة التي حصلت ضد النظام الاقتصادي العالمي الذي تحاول أمريكا ترسيخه كانت تعنى أن المعركة أصبحت مفتوحة بين الظرفين وربما كان ذلك هو بداية نهاية العولمة. نقول ذلك وبخاصة أن معظم المتظاهرين كانوا من أبناء الدول الغنية لا الفقيرة.
فربما دمرت الرأسمالية الجشعة نفسها بنفسها بسبب تناقضاتها الداخلية الحادة. ألم تر كيف أدت الأزمات المصرفية الكبيرة في دول النمور الآسيوية 1977 وكادت أن تؤدى إلى انهيار اقتصادها ؟ ألم تر فضيحة شركة (اينرون) الأمريكية التي ذهبت بفضيحتها المليارات مع أدراج الرياح. ثمة سبب آ خر سوف يؤدى إلى انهيار العولمة الرأسمالية الأمريكية الجشعة هو إهدار العدالة وتكريس الظلم والتفاوت الاجتماعي بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب. وقد زاد هذا التفاوت عن حده في السنوات الأخيرة بدلا من أن ينقص. وقد يؤدى هذا الوضع إلى الانفجارات والاضطرابات والقلاقل وهو حتما سوف يزعزع النظام العالمي الجديد الذي يحاول الغرب فرضه على العالم بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. ومهما يكن من الأمر فان العولمة الحالية سوف تنهار وتنتهي إذا ما استمرت على هذا النحو من احتقار ملايين الفقراء في العالم. فهذه العولمة التي بدأت في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين كانت فد انهارت سابقتها في بحلول الانهيار الاقتصادي العالمي في مطلع الثلاثينيات ونشوب الحرب العالمية الثانية في نهايتها حتى منتصف الأربعينيات. ومن ثم فكل نظام جائر مهدد بالانهيار قربت ساعته أم بعدت.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد