بسم الله الرحمن الرحيم
يعيش الواقع الموريتاني حالة من التقلّب الشديد في ظل حكومة ولد طايع التي باتت تلتحف بعباءة التطبيع الصهيوني والنفوذ الأمريكي في غرب أفريقيا، ومحاولاته المستمرة لمصارعة النفوذ الفرنسي في تلك المنطقة الهامة، والتي تلعب أدواراً عدة لما تحويه من الملفات الحيوية مثل: أمن الأطلنطي، وبترول نيجيريا، وموريتانيا، وغرب أفريقيا.
ولعل السياسة الموريتانية حالياً باتت تسبح في فلك تلك الأهداف الصهيوأمريكية بصورة مزعجةº فبينما يتم التضييق على كافة الاتجاهات القومية والإسلامية في موريتانيا رغم إدانات منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني الغربي والأوربي والإسلامي لما يحدث من محاكمات هزلية لقادة التيار الإسلامي والمعارضةº في ضوء مسرحيات الانقلابات العسكرية والمدنية الذي برع فيها النظام ولد الطايع ضد معارضيه منذ اعتلائه كرسي الحكم (خمس محاولات انقلاب فاشلة)، وبين ذلك التضييق والاستبداد بحق الإسلاميينº انفتحت الساحة الموريتانية بصورة غير مطمئنة تماماً للمنصّرين والمنظمات التنصيريّة في موريتانيا.
التنصير هدف قومي!
ولعل النظرة المتأنية لصفحات ذلك الملف الملتهب تكشف أن أجندة التنصير في موريتانيا بدأت نشاطها منذ وقت مبكر، غير أنها ازدهرت منذ وصول ولد طايع للسلطة في انقلاب عسكريº إثر إعلان سلفه لتطبيق الشريعة الإسلامية، والذي أثار وقتئذ حُنق الدوائر الاستعمارية والتنصيريّة الغربيّة، حيث حرَّكت أجندتها باتجاه موريتانيا مستغلة ظروف الجفاف والكوارث/ والآثار المدمرة لحرب الصحراء، فأتاح ولد الطايع لها مجالاً واسعاً للعمل والانتشار، وخصوصاً أنه ذو خلفية معادية للقيم الإسلامية، وقد صرح عام 1985م لمجلة (جون أفريك) الفرنسية: أنه إنما جاء لإيقاف دولة الشريعة، ومنذ ذلك الحين وهذه المنظمات تجد كل التسهيلات، في الوقت الذي تشن فيه حرب واسعة على العمل الإغاثي الإسلامي كما حصل سنة 1994م، حيث أغلق أكثر من عشر منظمات إسلامية عاملة في المجال الخيري، وكما حصل سنة 2003 و2004م حيث أغلق أكثر من عشر جمعيات إسلامية من بينها كلية للشريعة ومعهدين إسلاميين، بينما تحمي السلطات كل الوسائل غير المشروعة التي تستخدمها هذه المنظمات التنصيريّة الصليبيّة بهدف كسر الوازع الديني، وقد صُودرت عدة صحف في السنوات الماضية بسبب تطرقها لعمل المنظمات التنصيرية، خاصة وأن السرية تغلف مجال عمل وسائل هذه المنظمات نظراً لحساسية الموضوع بالنسبة لها، ورغبتها في الوقت نفسه بعدم إثارة الحمية الدينية في المجتمع ضد مشروعها الذي يعتمد على تخطيط مرحلي هادئ، وطويل النفس.
المرأة كلمة سرّ المنصّرين:
كما أن هذه المنظمات نشطة وتجد تجاوباً كبيراً من المجتمع بسبب عوامل الفقر والجهل والمرض، فقد بلغت هذه المنظمات العاملة في هذا الميدان ذات الأهداف التنصيريّة أكثر من مئة منظمة تنصيريّة غربيّة تجد لها امتداداً واسعاً في إطار إحصاء للجمعيات الأهلية العاملة، أما الجمعيات غير الحكومية فهي (319) جمعية تعمل في هذا المجال، وبعض المراقبين يرى أنها تتعدى الألف، إضافة إلى مئات التعاونيات النسوية التي تجد فيها هذه المنظمات بغيتها، حيث هي نافذتها على المجتمع، وتنفذ من خلالها مشاريع اختراق مهمة لاستراتيجيّتها، حيث تدعم منظمة "كاريتاس" وحدها فقط مئة تعاونية تعمل في قطاعات الزراعة والتحويلات الغذائية، وكذا الأعمال التجارية والحرفية، كما تشرف ذات المنظمة على حوالي (60) فصلاً تضم أكثر من (2000) دارس لبرامج محو الأمية - بل محو الهوية - مدعومة ببرامج صحية تستفيد منها أكثر من (150000) امرأة في (36) وحدة صحية، وحسب بعض المراقبين فإن ميزانية كاريتاس تزيد عن (300) مليون أوقية موريتانية ( 254 أوقية تساوي دولاراً )، وهذه المنظمات تعمل بخُطا حثيثة لتحقيق أهدافها، في الوقت الذي لا تبذل جهود مضادة كافية لسد الثغرات التي تنفذ منها، مع ضعف الوعي بأخطارها.
كما تركز هذه المنظمات على مناطق محددة، وعلى فئات بعينها تعاني حالة التهميش التي تعيشها بعض الطبقات نتيجة ظروف مختلفة منها الاقتصادي، وحتى السياسي، وتنشط هذه المنظمات مركزة جهودها في الجنوب والشرق والشمال، على مدن بعينها مثل (كيفة، ومقطع لحجار، وروصو، وتنفوند سيفى، وأطار) تركيزاً كبيراً، كما تهتم هذه المنظمات باليتامى، وتكفل آلافاً من هؤلاء، وتشرف على عدة مراكز لتربيتهم، ولاشك أن هؤلاء بعد سنوات قليلة سوف يشكلون نواة مهمة لتحقيق أهداف هذه المنظمات.
ويتم ذلك عبر عدد من المنظمات ذات الصبغة الإنسانية الحكومية مثل: "هيئة السلام الأمريكية" أو المنظمات التي تعمل من خلال واجهات أخرى محلية مثل: "الهلال الأحمر الموريتاني"، و"البرنامج الوطني لمكافحة السيدا الإيدز"، وتستخدم هذه المنظمات وسائل كثيرة لاختراق المجتمع منها المؤسسات الحكومية، والمنظمات الأهلية، وقادة الرأي.
ولعل الغريب في الأمر والذي يحتاج إلى وقفة على المستوى الإسلامي الذي طبقت دوله مقررات الإرهاب الأمريكية فأوقفت المساعدات الإسلامية، وأوقفت برامج التعليم الإسلامي في موريتانيا واليمن وغيرها من مؤسسات إسلامية تعاني العنت الحكومي في سبيل أمركة مقرّراتها التعليمية، وأن هذه المنظمات التنصيرية تقوم ببناء المساجد، بل وتدريس القرآن من خلال دفع رواتب لمدرسيه إمعاناً في تجسير العلاقة مع المجتمع تمهيداً لبلبلة القيم والثوابت كمقدمة أولى للاختراق التنصيري، وذلك لإحكام السيطرة، ودفع الريبة عن نفسها في مجتمع إسلامي شديد التمسك بدينه كالمجتمع الموريتاني.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد