بعد هلاك بطرس السابع هل يتبدد حلم الإسكندرية؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

مفكرة الإسلام: لم يكن بوسع قائد الطائرة التي تحطمت فوق شبه جزيرة هالكيديكي اليونانية الواقعة في بحر إيجه أن يعصي أوامر سيده بطرس السابع الذي أصر على قائد الطائرة أن يدور في الفضاء في جولة تأملية حول الجزيرة [المقدسة] ومجمعات الأديرة المنتشرة عليها، فكانت آخر جولة في حياته، حيث تحطمت الطائرة التي لم يمر على شرائها سوى ثمانية عشر شهراً، ولقي بطريرك الإسكندرية للروم الأرثوذكس حتفه قبل أن يحتفل بـ[عيد دير الفاتوبيذي] على الجزيرة اليونانية.

وبعدما ووريَ جثمان بطرس السابع بطريرك الإسكندرية وأفريقيا في تراب مصر القديمة اهتزت أحلام الروم الأرثوذكس في اليونان وفي مصر بجعل الإسكندرية عاصمة النصرانية الأرثوذكسية، ومركز [للحوار بين الأديان] في العالم، وهذا ما كان يسعى إليه بطرس السابع سعياً محموماً على قدم وساقº مستخدماً خبراته الطويلة حول العمل المسيحي عموماً، والعمل التنصيري على وجه الخصوص من خلال ترأسه لأسقفية كينيا وأوغندا ومدغشقر والكاميرون.

وهاهو البطريرك الجديد ثيودوروس الثاني أسقف زيمبابوي - 50 عاماً - الذي انتخب قبل أسابيع، وحصل على نسبة عالية من أصوات الروم الأرثوذكسº يقسم على مواصلة ما بدأه سلفه الذي عمل معه بالإسكندرية بعد ترأسه لأسقفية الكاميرون ثم زيمبابوي.

وبنظرة سريعة على منهج ووسائل بطرس السابع للوصول إلى غايتهº نستطيع أن نضيق دائرة التوقعات حول مستقبل الروم الأرثوذكس ومشروع الإسكندرية.

أولا: علاقة بطرس السابع بالروم الكاثوليك:

كانت تربطه بيوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان علاقة تبدو في ظاهرها شخصية إلى حد بعيد، وهاهو البابا يقول عن بطرس السابع :'إنني أتذكر بامتنان شديد تبادل الرسائل الأخوية فيما بيننا، فقد شاركت البطريرك الراحل وبابا الإسكندرية بطرس السابع في لقاءات وأحداث تحمل معانٍ, بالغة الأهمية'.

 

ثانياً: علاقته بالأقباط الأرثوذكس:

لا توجد فوارق عقدية وفكرية ذات بال بين الروم الأرثوذكس والأقباط الأرثوذكس، والخلاف بينهم يكاد ينحصر في الجوانب التاريخية والعرقية، فالأقباط يرون أن الرومان القدماء كانوا يسومونهم سوء العذاب قبل الفتح الإسلامي لمصر، وعليه فإن الأقباط يرغبون في السيادة على أرضٍ, يقولون: إنهم أصحابها الأصليون.

لكن بطرس ومدرسته التي تركها من بعده أرادت تنحية الخلاف الأرثوذكسي - الأرثوذكسي حتى حين، لأن ذلك في المقابل يساعد على تمدد الكنيسة الرومانية في أفريقيا التي تعد ساحتها المفضلة.

ومهما يكن من أمر فإن الواقع يؤكد أن الأقباط الأرثوذكس يبسطون نفوذهم في شمال مصر وجنوبها وشرقها وغربها، وهم كذلك متغلغلون في أجهزة الدولة, بل ويتخذون من الإسكندرية مقراً لكرازتهم المرقصية.

وفي النهاية فإن كلا الفريقين مستفيد من المكاسب التي يحققها الآخر، لذا فإن وقت الصدام بينهما لم يحن بعد.

 

تلاقي المصالح والأهداف مع الأقباط:

لا شك أن شنودة الثالث بابا الإسكندرية خطا خطوات واسعة نحو هدف بطرس لكن على طريقة الأقباط، بيد أنه بذلك فتح أبواباً كانت موصدة أمام الرومان الذين سارعوا إلى مؤتمر الحوار بين الإسلام والمسيحية بالعاصمة القطرية الدوحة الذي عقد في مايو 2004.

وكذلك اقتفى الرومان أثر الأقباط في الحوار مع المسؤولين المصريين لاسيما المؤسسة الأزهرية التي وقَّع شنودة مع شيخها اتفاقات [التقارب بين الأديان]، والتي نصت على التعاون بين معتنقي 'الديانتين' في القضايا الدينية والثقافية والإنسانية، و'احترام الأخوة المتبادلة'، وتحقيق المصالح المشتركة، كما نصت الاتفاقية على عقد لقاء سنوي للحوار بين الديانتين حول موضوعات تتعلق بحوار الحضارات.

لكن الموت لم يمهل بطرس السابع كي يلبي دعوة محافظ الإسكندرية الدكتور عبد السلام المحجوب بالتحضير لمؤتمر التحاور بين الأديان المزمع عقده خلال أشهر بمدينة الإسكندرية.

 

توقعات المرحلة القادمة:

إذا تقرر لدينا أن أية مكاسب تحققها طائفة من الطوائف المسيحية في مصر أو أفريقيا تعد مكاسب لبقية الطوائفº فلنا أن نقول: إن ثيودوروس الثاني - اليوناني المولد والنشأة - سوف يبدأ من حيث انتهى بطرس السابعº وعليه فسوف يشارك باعتباره ممثل عن الروم الأرثوذكس في 'مؤتمرات الحوار الإسلامي المسيحي' التي أصبحت سمة لمصر والعالم العربي عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

ويقوي هذه الرؤية تأييد دولة مهمة مثل اليونان لتوجه مدرسة 'بطرس السابع' وحلمه القديم، وقد حضر الرئيس اليوناني كوستاس كارمانليس بنفسه مع وفد دبلوماسي من السفارة اليونانية الاحتفال بتنصيب بطريرك الإسكندرية الجديد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply