بسم الله الرحمن الرحيم
تقف مقدونيا ـ أصغر جمهوريات البلقان مساحة وسكاناً ـ على شفير حرب أهلية تنذر بإشعال المنطقة كلها من جديد وتزج بها في أتون الحرب الرابعة خلال عقد واحد من استقلال الجمهوريات التي كانت داخلة ضمن الاتحاد اليوغسلافي السابق والتي كانت مقدونيا إحداها.
ويشعر المجتمع الدولي بقلق متزايد إزاء تسارع الأحداث في مقدونيا وخروجها عن نطاق السيطرةº مما يهدد بتورط أطراف أخرى من الدول المجاورة في الصراع، بدأت بوادره بقيام عدة دول مجاورة مثل: اليونان، وبلغاريا، وصربيا، وربما روسيا، بتقديم مساعدات عسكرية عاجلة للحكومة المقدونية لتمكينها من القضاء علي الحركة الألبانية الانفصالية.
ويتركز الصراع الذي اندلع في مقدونيا مؤخراً، بين السكان من العرق السلافي (المقدونيين)، ويشكلون أغلبية السكان، 66 في المائة، وتقودهم السلطات المقدونية وبين الحركة الألبانية المسلحة التي يقودها (جيش التحرير الوطني)، وتحظى بتأييد واسع في صفوف الألبان المسلمين الذين يشكلون ربع سكان مقدونيا البالغ إجماليهم مليوني نسمة.
مطالب الألبان:
ويطالب (جيش التحرير الوطني الألباني) بإجراء تعداد عام للسكان تحت إشراف دولي لتحديد نسبة السكان الألبان بشكل دقيقº حيث يشككون في التقديرات الحالية للسكان والتي أجرتها الحكومة المقدونية ولا يعترف بها الألبان، ومن ثم فإنهم سيحددون وفقا للإحصاءات المحايدة التي يطالبون بها بنصيب عادل في إدارة البلاد بصورة قد تحول مقدونيا إلى اتحاد فيدرالي يكون الألبان فيه كيانا على قدم المساواة مع كيان المقدونيين.
كما يطالب جيش التحرير باعتبار اللغة الألبانية لغة رسمية للبلاد بجانب المقدونية، والاعتراف الواضح بجامعة (تيتوفو) التي سبق للألبان تأسيسها قبل 6 سنوات دون الحصول على التراخيص الرسمية، و(تيتوفو) هي ثاني أكبر المدن المقدونية بعد العاصمة (سكوبيا) ويعتبرها الألبان عاصمة لكيانهم والتي تواجه قصفا من السلطات المقدونية رغم أن المقاتلين الألبان الذين كانوا يتخذونها معقلا لهم قد هجروها وتحصنوا بالمناطق الجبلية الوعرة القريبة منها.
يقبلها الألبان ويرفضها المقدونيون:
وإذا كانت مطالب جيش التحرير تلقى قبولا واسعاً في صفوف الشعب الألباني في مقدونيا بمن فيهم الحزب الديمقراطي الألباني الذي يتزعمه اربن جعفيري المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي، والذي هدد بانسحاب حزبه من الائتلاف إذا ما أصرت الحكومة على مواصلة خيار القوة لحسم الأزمة فإن المقدونيين يرفضونهاº لأنهم يرون فيها تهديداً للدولة يقودها إلى التفتيت بانفصال الألبان عنها، الأمر الذي يشكل تدميراً لمقومات دولة صغيرة المساحة في الأصل (25 ألف كم2) وضئيلة السكان (مليونا نسمة).
ويبدو أن ألبان مقدونيا لن يحظوا بالدعم الذي لقيه ألبان كوسوفو، على الرغم مما لقيه الأخيرون من صنوف القتل والتنكيل على يد القوات الصربية الإجرامية مثلما واجه من قبل أشقاؤهم مسلمو البوسنة على يد الصرب أيضاً..
وبخلاف الدعم العسكري والمعنوي الذي يلقاه ألبان مقدونيا من أشقائهم ألبان كوسوفو فإن الأوائل يواجهون كراهية من قبل دول الجوار متمثلة في اليونان وبلغاريا ويوغسلافيا وأوكرانيا البعيدة نسبياً وربما روسياº حيث ترجمت هذه الدول كراهيتها في شكل مساعدات عسكرية عاجلة للسلطات المقدونية كان من نتائجها التحول في الموقف العسكري لصالح الأخيرة.
ويسود الاعتقاد بأن السلطات المقدونية تحاول من خلال خطة أعدتها بمساعدة دول الجوار فرض سيطرتها العسكرية على مدينة (تيتوفو) معقل المقاتلين الألبان الذين هجروها إلى المرتفعات المجاورة وضمان عدم استيلاء المقاتلين عليها، كما تتجه قوات مقدونية أخرى إلى الشمال في اتجاه الحدود مع كوسوفو والسيطرة على المواقع الحصينة للمقاتلين الألبان في هذه المنطقةº لضمان منع وصول أي إمدادات أو دعم عسكري من كوسوفو لألبان مقدونيا، ومن ثم إخماد الحركة المسلحة وفرض النفوذ المقدوني وإجهاض التطلعات القومية للألبان المقدونيين.
غياب الدعم الأمريكي والأطلسي:
ولعل أكبر تحد يمكن أن يواجه المقاتلين الألبان ويهدد طموحاتهم القومية فقدانهم للدعم الأمريكي ومن ثم دعم حلف الأطلسي واللذين شكلا أهم مقومات بقاء ونجاح أبناء عمومتهم ألبان كوسوفو عندما تدخل حلف الأطلسي بدعم قوي من أمريكا لحماية الألبان وشن حملة حيوية مكثفة لمنع قوات يوغسلافيا من القضاء على الألبان.
ومن جهة واشنطن فقد عبرت عن موقفها المنحاز للسلطات المقدونية من خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية الأمريكي (كولن باول) مع الرئيس المقدوني (بوريس ترايكو فسكي) أما من جهة حلف الأطلنطي فقد عبر من جانبه عن انحيازه للحكومة المقدونية بالسماح لوحدات من الجيش والشرطة اليوغسلافية بالانتشار في المنطقة العازلة من إقليم كوسوفو، المنطقة المحاذية لحدود الإقليم ـ الذي يسيطر عليه الأطلسي ـ مع صربيا والجبل الأسود، مما يعني منع خروج مساعدات من كوسوفو للمقاتلين الألبان في مقدونيا.
أين المسلمون؟!
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن على عالمنا الإسلامي هو: هل سنظل نشاهد ونتابع ما يجري في مقدونيا حتى تكتمل خيوط المؤامرة؟ وخطة القضاء على الألبان المقدونيين وارتكاب الفظائع بحقهم؟ وممارسة جرائم التطهير العرقي ضدهم؟ ثم نفيق على مشاهد القتل والمذابح. ومن ثم نتحرك لدعمهم مثلما فعلنا من قبل مع مسلمي البوسنة وألبان كوسوفو والشيشان؟؟
أليس من واجب الأمة الإسلامية التحرك مع بداية الأزمة وقبل فوات الأوان بجانب أخوة العقيدة الذين يواجهون ليس في مقدونيا فحسب وإنما في جميع دول الشرق والغرب مخاطر ومخططات إضعافهم أو الإجهاز عليهم؟؟ أسئلة حائرة..تنتظر الإجابة والتحرك..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد