بسم الله الرحمن الرحيم
تتوالى الأحداث على الأمة يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام، وتعيش الأمة حالة من الضعف والهوان، حيث تكالب عليها أعداؤها، ففي الشرق والغرب اضطهاد للمسلمين، واستضعاف لهم، وتحقير لشأنهم، بين حرب إعلامية، وحرب عسكرية، وحرب فكرية، ولكن المتأمل يرى أنه يكاد يجتمع على الأمة كل من سواهم، من يهود في العالم عامة، وفلسطين خاصة، ومن النصارى بجوار إخوانهم اليهود في العراق وأفغانستان ونيجيريا وغيرها من بلدان المسلمين، بالإضافة إلى الشيوعيين في روسيا، والهندوس في الهند وكشمير، وفي عدد كبير من بلدان المسلمين يضطهدهم كل من يخالف دينهم.
والعجيب في هذا أن يتهم الإسلام بأنه دين إرهابي، ودين دموي، ولا يعرف كثير من الغربيين عن الإسلام إلا أنه يدعو للعنف والقتال، أما المذابح الجماعية للمسلمين والتي كانت تخفى قديماً لعدم اتساع آلة الإعلام، أصبحت الآن عياناً بياناً، يراها من يبصر، ويسمعها من لا عين له، ثم يصر الغرب ومن تبعه في عداء المسلمين أن يتهم المسلمون المستضعفون بأنهم أناس إرهابيون.
ومن عجيب ما يحدث أن يقوم أتباع السيد المسيح - وهو منهم بريء - ومن ينادون بأن دينهم دين السماحة والمحبة بقتل المسلمين في مجازر جماعية كان آخرها في نيجيريا، في قرية "يلوا شندام" بولاية بلاتو وسط نيجيريا التي يقطنها مسلمون من قبائل الهاوسا، قدرهم البعض ما بين مائتين ومائتين وخمسين، مع غياب عدد من الأطفال والنساء والرجال في عداد المفقودين الذين لا يعرف أين هم الآن؟
فهل تعاليم المسيح - عليه الصلاة والسلام - دعت أتباعه بأن يفعلوا هذا بغيرهم؟ وهل دين السماحة تحول إلى دين دموي يقتل دون أن يكون له قيمة عند أتباعه، إننا نجد في القرآن عندنا في صحيح عقيدة السيد المسيح - عليه السلام - أن قتل النفس الواحدة يعادل قتل البشرية جميعاً، وقد حكى لنا القرآن هذا حين قال: " مِن أَجلِ ذَلِكَ كَتَبنَا عَلَى بَنِي إِسرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفساً بِغَيرِ نَفسٍ, أَو فَسَادٍ, فِي الأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَن أَحيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَد جَاءَتهُم رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنهُم بَعدَ ذَلِكَ فِي الأَرضِ لَمُسرِفُونَ" (المائدة:32 ).
إن الإسراف سمة ظاهرة في تفكير أهل الكتاب، إسراف في تحريف الكلم عن مواضعه، وإسراف في غش الشعب والرعية، وإسراف حتى في قتل الأبرياء والشرفاء، وهل كل خلاف بين أهل عقيدتين يوجب القتال؟ ما كانت هذه تعاليم المسيحية، ولا هي تعاليم الإسلام، وما كان الإسلام يوماً من الأيام يُعمل القتل في خلق الله لأجل اختلاف العقيدة، بل سطر القرآن دستوراً وتنظيماً عدم الإكراه في الدين، وطبق المسلمون ذلك حقيقة في واقعهم، قال – تعالى-:" لَا إِكرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرٌّشدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكفُر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤمِن بِاللَّهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" ( البقرة: 256)، وقال – تعالى-:" وَقُلِ الحَقٌّ مِن رَبِّكُم فَمَن شَاءَ فَليُؤمِن وَمَن شَاءَ فَليَكفُر" ( الكهف:29).
والقرآن الكريم حين يتحدث عن رفع السلاح ضد الغير فإنما يتحدث عن دفع الاعتداء على المسلمين، ولعل النظر إلى آيات الأولى في الجهاد، والتي أذنت للمسلمين برد اعتداء عدوهم بالقتال والجهاد توضح هذا، يقول – تعالى-:" إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبٌّ كُلَّ خَوَّانٍ, كَفُورٍ, أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصرِهِم لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ, إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبٌّنَا اللَّهُ وَلَولَا دَفعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ, لَّهُدِّمَت صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيُّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُم فِي الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ " ( الحج:38-41)، وتنطق الآيات أن الجهاد دفع لاعتداء العدو، وأن الله – تعالى- أذن للمؤمنين أن يدافعوا عن أنفسهم بعد أن كان محرماً عليهم أن يشهروا السلاح في وجه أي أحد، وأن الجهاد إنما هو سياج لعقيدة التوحيد، وليس نشراً للإسلام بحد السيف، فالقتال ليس غاية في الإسلام وإنما هو وسيلة حماية للمستضعفين من الذين شردت نفوسهم عن الهدي الإلهي، والسمت الإنساني، وكم من الناس لا يصلح معهم الحسنى ماداموا معتدين.
وإن كان مذكوراً في الإنجيل عن السيد المسيح - عليه السلام -: "إذا ضربك أحد على خدك الأيمن فقدم له خدك الأيسر"، وإن كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد صرح بحرمة اعتداء المسلم على أخيه المسلم، بل حرم الاعتداء على غير المسلم حين قال في الحديث الذي يرويه ابن مسعود وقال عنه الحاكم: حسن "( من آذى ذمياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة)، وإن كانت نصوص القرآن وما هو موجود في الإنجيل من تحريم قتل الأبرياء، فمن أين أتت التعاليم الدموية التي تزهق أرواح العباد، ثم تلبس بزي التعاليم السماوية، وكأن الله – تعالى- يشجع عباده على القتل؟
إن الإسلام يقول: إن المسيحية التي جاء بها عيسى - عليه السلام - دين سماوي يدعو للمحبة والسلام للبشر جميعاً، ولكن أتباع هذا الدين بأفعالهم يخالفون تعاليم دينهم، بل يحرفونه حسب أهوائهم، وهذا يعني إن كان من كتاب حفظ التعاليم السماوية من التوراة والإنجيل والقرآن فهو الكتاب الخالد القرآن الكريم، وأن النصارى إن أرادوا في هذا الزمن الذي طمست فيه حقائق السماء أن يرجعوا للكتاب السماوي الأوحد الذي حفظ عن التحريف ليعرفوا تعاليم دينهم فليرجعوا إلى القرآن الكريم دون خوف أو حذر.
ونحن نناشد ونخاطب كل من يدين بالمسيحية إن قلت لك: إن تعاليم دينك التي تراها تدعو لسفك الدماء، وتعاليم ديننا تقول: إن تعاليم دينك لا تدعو لمثل هذا، بل تدعو إلى التعايش السلمي، وحرية الأديان، فأي الكتب حفظ المسيحية على حقيقتها، وأي دين ترى أنه أولى بالاتباع، دين دموي أم دين سماوي؟
هذا سؤال مطروح لأهل الكتاب من النصارى واليهود ليجيبوا عليه، فإن عاندوا وأصروا "فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنَةَ اللَّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ"( آل عمران:61).
وإن عرفوا أن الإسلام هو الدين الأوحد الموجود الآن الذي يدعو للسلام مع اتهامه بالإرهاب والقتل كان واجباً عليهم إن لم يتبعوه أن يرفعوا أيديهم عن الأبرياء المستضعفين من المسلمين، أو يتبعوا تعاليم المسيح دون تزوير أو تحريف، وقد خاطبنا القرآن حاكياً عن أهل الكتاب من النصارى أن منهم أناساً رقيقي القلب، عائدين إلى الله متى عرفوا الحق، يقول قرآننا عنهم:"لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوَا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسِّيسِينَ وَرُهبَاناً وَأَنَّهُم لاَ يَستَكبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعيُنَهُم تَفِيضُ مِنَ الدَّمعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكتُبنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لاَ نُؤمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الحَقِّ وَنَطمَعُ أَن يُدخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ القَومِ الصَّالِحِينَ فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ, تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء المُحسِنِينَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصحَابُ الجَحِيمِ" ( المائدة:82- 86).
إن الإسلام دين الرحمة لا القسوة، ودين الحب والتسامح لا دين البغض والعدوان، وهو دين جمع الله – تعالى- فيه جميع العقائد السابقة ليكون هو الخاتم، وما كان للدين الخاتم أن يكون دين اعتداء على أحدº لأننا نؤمن أن كل الأنبياء من عند الله، فهل يقاتل من يؤمن بالمسيح من كانت عقيدته توجب عليه حب المسيح والإيمان به؟ ولو كان المسيح بيننا في الأرض لكان أول من أنكر على من يدعي اتباعه قتلهم الأبرياء.
ونقول للنصارى: اقرؤوا في تاريخكم جيداً، وانظروا الحروب الصليبية التي قتلت الآلاف من المسلمين الأبرياء، وما زال حكامكم وعلماؤكم يسوقونكم بعيداً عن تعاليم المسيح - عليه السلام -، فاتبعوا تعاليم المسيح إن كنتم من أتباعه حقاً، أو اكشفوا عن الوجه الحقيقي لكم، فالمسيح ومحمد - صلى الله عليه وسلم - من سفكة الدماء براء.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد