بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
وغادرنا العم الشيخ عبدالرحمن بن صالح الشثري أبو هشام إلى رحمه الله تعالى ورضوانه في يوم الجمعة ١٦ محرم ١٤٤٧ه
نوائبُنا ثم العيونُ ودمعُها بمأتمِ حُزْنٍ أسكتت كلّ قائلِ
مضى عبدالرحمن إلى الله ربِّنا وموتُ رجال الفضل موتُ الفضائلِ
عرفناه ذا غوثٍ عظيمٍ ونخوةٍ ومنه استمدَ العونَ أهلُ العوائلِ
سقى الأرضَ معروفًا، وغادرَ صابرًا وما زال فينا طيفهُ غير زائلِ
لقد كان في عسرِ الليالي مبادرًا يواسي بعزمٍ كربَ كلّ مُكابلِ
إذا ضاق صدرُ الناسِ، فاضَ براحُهُ وحلَّت سجاياهُ مكانَ البلابلِ
تجلّت يدُ الرحمن تُنهي رحيله كأنّ الوفا طبعٌ لهُ في المحافلِ
فنمْ في ثراكَ، أبا هشام مكرّمًا بما شئتَ من حسنِ الجزاءِ الكاملِ
الحمد لله على قضائه وبلائه، والشكر له على نعمائه وآلائه، والصلاة والسلام على رسوله وآله وأتباعه.
بقلوبٍ يعتصرها الألم، وعيونٍ أغرقتها الدموع، نودّع العم الكبير أبا هشام، الشيخ عبدالرحمن بن صالح بن محمد الشثري ونشهد أن الأمة قد فقدت رجلًا من خيرة رجالها، ونحن، أبناؤه وأحبابه، قد خسرنا سندًا لا يُعوَّض، وقلبًا لا يُنسى، ووجهًا يبعث فينا العزيمة والطمأنينة.
العم أبو هشام، لم يكن مجرد عمّ، بل كان أبًا ثانيًا، ويدًا حانية، وصوتًا دافئًا يُنادي بالنُبل والصفاء، وكريم السجايا.
كان صادق اللسان، طيب السريرة، لا يعرف القطيعة ولا الجفاء، يصل من قطع، ويزور من نُسي، ويواسي من حزن، ويفرح مع من فرح.
من ذا الذي لا يعرف حرصه على صلة الرحم؟
من ذا الذي لم يُدهشه اهتمامه بكل قريب وصديق؟
كان يزور كبار السن قبل أن يُذكّره بهم أحد، ويحنو على الصغار وكأنهم أولاده، يتفقد الأقارب والجيران والأصدقاء ويسأل عنهم في جميع أحوالهم، وحلهم وترحالهم، وكان يضع صلة الرحم في رأس أولوياته، وهو الذي يعلم أن الله يرفع بها الدرجات، ويمدّ بها الأعمار، وانها معلقة بعرش الرحمن.
كم من مناسبة جمع فيها بين القلوب، وأصلح فيها ذات البين، كم من كربة سعى في تنفيسها وكم من عسر لم يتوانَ في تيسيره وكم وكم وكم من افعال الخير بذلها فكان رجلًا في زمنٍ قلَّ فيه الرجال أمثاله.
رحل العم أبو هشام الملاذ بعد الله في الشدائد، والوجه الباسم في الرخاء، والقلب الذي لا يعرف القسوة، واللسان الذي لا ينطق إلا بالخير، والعطاء الذي لا يحدّه ظرف ولا يوقفه عذر.
رحل من كان يصل رحمه كأنما خُلق لها، لا يهنأ حتى يَطمئن على القريب والبعيد، ولا ينام حتى يواسي، ولا يهدأ حتى يجبر.
كان بيته مفتوحًا، وصدره واسعًا، وخطاه لا تكلّ عن سعيها في الخير.
ومن لا يعرف العم أبا هشام، لا يعرف معنى أن يكون الإنسانُ صلةَ وصلٍ بين القلوب، وجسرًا بين الأرحام، وصوتًا لا يعرف القطيعة وهو الذي عاش اليتم والوحدة بلا أخ ولا أخت وتجرع آلام الضنك والشدائد فأبدله الله خيرًا إلى خير وفضلًا الى فضل.
كما أننا ما نسينا معاناته الطويلة مع المرض، ولا تلك الأيام التي كان يصارع فيها الألم بصبرٍ عجيب، وجَلدٍ نادر.
كان يبتسم وفي عينيه ما يُوجِع،
كان يحمد الله، وجسده يُنهك يومًا بعد يوم.
سنوات وهو يذوق مرارة الدواء، ووخز الإبر، وساعات الانتظار، ومع هذا لم يشك ضيقًا، ولم يك متأفّفًا، بل كان كما عهدناه: كريم الخلق، نقيّ القلب، راضيًا بقضاء الله، محتسبًا أجر الصابرين.
ايه ياعم، إنّ في قلبي وفي قلب والدي صنوك ونديمك وصفيك وفي قلب اهلك وذريتك وفي قلب كل محبيك وجعًا لا يصفه الكلام، وفي الصدر غصّة لا يطفئها الزمن،
لكنّي أعلم أن ربّك أرحم بك منّا، وأنه أكرم من أن يُضيع صبرك، وأرحم من أن يهمل دمعتك، وأعدل من أن ينسى ما قدّمت من خير وصِلة وبِرّ ومعروف، والشفيع الأكبر لك توحيد الله ونقاء العقيدة وصفاء المنهاج.
اللهم إن عبدك العم عبدالرحمن قد طال بلاؤه، فاجعل رحماتك أعظم من آلامه،
اللهم اجعل مرضه رفعةً له في الدرجات، وتكفيرًا لكل السيئات
اللهم اجعل قبره بردًا وسلامًا، ونزّله منازل الصابرين الشاكرين في عليين.
اللهم اجبر كسر قلوبنا فيه، وبلّغنا به منازل الرضا والرضوان، اللهم اجعل كل دعاء يُقال له نورًا في قبره، وشفاعة له يوم العرض عليكإنا لله وإنا اليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.