بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
بعد أن أنهيت حديثي في اليوم الثالث من أيام دورة ((كيف تربح في زواجك)) التي أقامها مكتب مساجد محافظة ((حولي)) في مسجد الوزان ؛ اقترب مني شاب تجاوز الثلاثين من عمره وهمس في أذني قائلاً: أرجوك أنجدني فإن زواجي مهدد بالانهيار.. علاقتي بزوجتي في أسوأ أحوالها منذ أن تزوجنا قبل عشر سنوات! قلت له: بعد أن نصلي العشاء نذهب معاً إلى بيتك.. وإن شاء الله يكون الأمر خيراً .
صلينا العشاء، وخرجت مع الشاب وركبت معه سيارته، وتركت سيارتي في مواقف مسجد الوزان، وانطلقنا معاً إلى بيته .
في الطريـق دعوته ليحدثني عن الخلاف المتأزم بينـه وبين زوجتـه فأخبرني أن زوجتـه ((عصبية))، سريعة الغضب، تصرخ في وجهه وعلى الأولاد، وأحياناً تدعو عليهم .
سألته: وهي ماذا تشتكي فيك؟ قال: تقول إنني لا أعطف عليها، ولا أسمعها كلاماً طيباً، وتتهمني بالجفاف والجفاء .
سألته: وهل هذا صحيح؟ أجاب: الأمر ليس في يدي، هكذا نشأت، كان أبي قاسياً يضرب أمي ويضربنا جميعاً .
قلت له: وماذا تحمد في زوجتك وترضاه فيها؟
قال: كثير فيها أحمده وأرضاه ..
قلت: اذكر لي بعضه .
قال: زوجتي طيبة القلب، متدينة، تحب أولادها، تعينني بمالها ولا تضن بشيء منه عليَّ وعلى أولادها، وهي تحبني .
قلت: جميل. وماذا أيضاً؟
قال: حريصة على بيتها، نظيفة في نفسها وبيتها .
قلت: أدعو الله أن يوفق بينكما مادمتما تريدان الإصلاح. هل أخبرت زوجتك بقدومي معك؟
قال: نحن متخاصمان ولا يكلم أحدنا الآخر .
قلت: إذن هي لا تعلم بقدومي معك؟
قال: طلبت من ابنتي الصغيرة أن تخبرها .
وصلنا إلى العمارة التي يسكن في إحدى شققها. ركبنا المصعد وضغط بأصبعه على الرقم 9 .
قلت: تقيمون في الطابع التاسع؟
قال: نعم .
بعد أن وصلنا فتح باب بيته بمفتاحه ثم دعاني للدخول فاستقبلني ثلاثة أطفال وجوههم مضيئة بريئة، طفلة في الثامنة وأخرى في الخامسة وطفل في الثانية .
قلت: ما شاء الله. يكفي هؤلاء الأطفال ليكونوا سبباً لاتفاقكما وإبعاد خلافاتكما .
كانت نوافذ الصالة تـطل على ساحة جميلة من هذا الارتفاع الذي يحتله البيت في الطابق التاسع .
بعد أن لاطفت الأطفال قليلاً ولاعبتهم قالت طفلته الكبرى: ماما لا تريد أن تخرج إلينا .
قلت: اذهب إليها وأقنعها .
قال: كما تعلم فأنا لا أكلمها .
ناديتها من وراء الباب: يا أم محمد، الله يرضى عنك، أعينيني على الإصلاح بينكما، فليتك تتفضلين لأسمع منك .
مضت دقائق قليلة جاءت إلينا أم محمد وهى تلقي علينا السلام .
رددت تحيتها ودعوتها لتجلس وقلت لها :
أهنئك على ما أثنى به زوجك عليك ونحن قادمان إلى بيتكم فقد ذكر لي أنك طبية القلب، متدينة، تحبين أولادك، وتعينين زوجك بمالك ولا تبخلين منه بشيء عليه وعلى أولادكما، وأشاد بنظافتك في نفسك وبيتك .
ارتاحت أم محمد لكلام زوجها عنها وأشرق وجهها، عندها سألتها: وماذا ترضين أنت في زوجك؟
قالت: هو أيضاً طيب القلب، كريم، حريص على صلاته، يصلي الصلوات الخمس في المسجد، يحب أولاده كثيراً ويعطف عليهم .
قلت: وماذا تشتكين فيه؟
قالت: عصبي (كثير الغض )، لسانه جارح، لا يسمعني أي كلام طيب، لا يقدر ما أفعله له ولأولاده، يكثر النظر إلى النساء فلا يقدر مشاعري وأنا معه .
التفتُّ إلى زوجها وسألته: وماذا تشتكي في زوجتك؟
قال: هي أيضاً كثيرة الغضب، تضرب الأولاد وتدعو عليهم .
قلت: أنتما زوجان طيبان متدينان بشهادة كل منكما لصاحبه، وخلافاتكما، وشجاراتكما تمكّن الشيطان منكما وتنصره عليكما. وإني لأرجو أن تنتصرا عليه فلا تمكناه منكما .
دعوت الزوج ليجلس إلى جوار زوجته فتردد وسألني: لماذا؟ قلت مازال الشيطان يمنعك من أن تقترب من زوجتك وتلين لها .
كررت دعوتي له ليقوم من مقعده ويجلس إلى جوار زوجته، فاستجاب هذه المرة وقام من مقعده وقعد إلى جانب زوجته .
قلت له: مُدَّ يدك فصافح يد زوجتك .
نظر إليَّ مبتسماً ابتسامة عدم اقتناع بفعل ما أدعوه إليه .
علقت زوجته: هل رأيت مدى جفائه وقسوته !
قلت: افعل ما أطلبه منك. خذ بيدها وصافحها .
استجاب أخيراً وصافح زوجته التي ظهر التأثر الإيجابي في وجهها وقد صارت يدها في يد زوجها .
قلت: انظر في عينيها وانظري في عينيه .
نظر الزوج في وجهي بدلاً من أن ينظر في عيني زوجته، فقلت في حزم وعطف: أرجوكما لينظر كل منكما في عيني صاحبه .
أخيراً صار كل منهما ينظر إلى صاحبه فبدأت بقراءة حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله إليهما نظرة رحمة؛ فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما))، عندها انسابت الدموع غزيرة على وجنتي الزوجة فبادر الزوج على الفور إلى مسحها بيده في حنو بالغ زاد في مشاعر الزوجة الإيجابية .
قلت: هذه آثار نظر الله إليكما نظرة رحمة، كما جاء في الحديث ((نظر الله إليهما نظرة رحمة))، فابتعد الشيطان عنكما، ورحم بعضكما بعضاً، فبكيت يا أم محمد ومسحت دموعها يا أبا محمد. لقد فتح الله تعالى لكما صفحة جديدة فليفتح كل منكما لصاحبه صفحة جديدة وتعاونا معاً على قهر إبليس ودحره بعيداً عنكما …
بعد مرور دقائق قليلة من هذا الجو الإيماني الإيجابي الطيب الذي قام خلاله الزوج بتقبيل رأس زوجته في مودة وعطف وحب ورحمة، بعد هذا مددت يدي إلى الزوج وقلت له: صافحني أنا الآن .
تساءل الزوج: ولكننا لسنا مختلفين؟!
قلت: أجل، ولكنني أريدك أن تعاهدني .
قال: علام؟
قلت: مُدَّ يدك .
مد يده فصافحته وشددت علي يده وقلت له: ردد خلفي: أقسم بالله العلي العظيم .
ابتسم ضاحكاً وقال: على أي شيء تريدني أن أقسم؟
قلت: ردد القسم أولاً ثم ستعرف ما أريدك أن تقسم عليه .
ردد الزوج: أقسم بالله العلي العظيم .
قلت: أن أُسمع زوجتي كل يوم خمس كلمات طيبات. سحب يده من يدي في حركة واضحة إلى أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك. وضحكت زوجته قائلة: إنه لم يسمعني منذ أن تزوجنا خمس كلمات طيبات فكيف تريده أن يسمعني كل يوم خمس كلمات طيبات؟!
مددت يدي إليه من جديد وصافحته وأنا أشد على يده قائلاً: ستستطيع إن شاء الله وستنجح، وافعل هذا شهراً واحداً فقط بدءاً من اليوم، وبعد أن تجد آثار ذلك ستواصل إسماعها تلك الكلمات الطيبات دون قسم .
قلت: أقسم بالله العلي العظيم .
قال: أقسم بالله العلي العظيم .
قلت: أن أسمع زوجتي خمس كلمات طيبات كل يوم بدءاً من الغد وطوال شهر كامل .
ردد القسم برضا وطمأنينة .
قالت زوجته: إنه إذا أقسم على شيء عمله ولم يحنث بقسمه. لهذا تردد في البداية .
قلت: هذا ثناء منك على زوجك جزاك الله خيراً .
مددت يدي ثانية إلى الزوج وصافحته فقال لي: ماذا أيضاً؟
قلت: أريدك أن تقسم على أن لا تنظر إلى النساء وتغض بصرك عنهن .
قال: هذا صعب، كيف أضبطه؟
ابتسمت زوجته ووجها يطفح بالبشر .
قلت: أقسم بالله العلي العظيم أن أغض بصري عن النساء ما استطعت ذلك .
ردد أبو محمد القسم .
قلت: الآن جاء دورك يا أم محمد. رددي بعدي: أقسم بالله العلي العظيم أن لا أدعو على أولادي .
رددت الزوجة القسم .
قلت للزوجين: الحمد لله الذي وفق بينكما وألّف بين قلبيكما. ولا تنسيا أن تدعوا لنفسيكما دائماً: اللهم أصلح ما بيننا ووفق بين قلبينا .
في مساء اليوم التالي (اليوم الرابع من أيام دورة ((كيف تربح في زواجك)) جلس الزوج إلى جانبي في المسجد قبيل إقامة الصلاة وهمس في أذني: أدركني: لقد قلت لها اليوم ثلاث كلمات طيبات.. وبقيت اثنتان. قلت له: سأرسل لك من هاتفي الآن رسالة رقيقة أعد إرسالها لزوجتك وحين ترجع إلى زوجتك بعد أن تؤدي الصلاة قل لها: لقد اشتقت إليك يا خير زوجة .
اتصلت بهما بعد يومين وسألتهما: كيف تسير الأمور؟
أجاباني وهما يسمعاني عبر جعل الهاتف مفتوحاً ليتكلما ويسمعا معاً: الحمد لله بخير. قال الزوج: أنا محافظ على قسمي بإسماعها خمس كلمات كل يـوم. وقالت الزوجـة: جزاك الله خيراً.. كأننا ولدنا من جديد. وأنا أمنع نفسي من الدعاء على أطفالي حين أغضب .
قلت لهما: الحمد الله الذي وفقكما إلى هذا وأعانكما عليه، وأوصيكما بمواصلة الدعاء إليه سبحانه أن يوفق بينكما ويؤلف بين قلبيكما .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد