بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يعتبر المجتمع، بمجموعات الناس المختلفة فيه، هو ساحة الصراع المفتوحة والمعتادة بين الأفكار المتنوعة بل والمتضادة والمتناقضة فيما بينها. ومن أهم اللبنات التي يُبنى عليها أي مجتمع، العائلة، التي تمثل حجر الزاوية فيه، وقطب الرحى.
ومؤسسو الفكر الشيوعي الكبار، كفريدرك إنجلز وكارل ماركس، من أجل تأسيس وتدعيم أفكارهم الحزبية، وللإطاحة بأفكار مخالفيهم، حرصوا كثيرًا على توجيه همتهم إلى دراسة وتحليل أصل العائلة وتاريخها؛ بما يضمن تفكيك بنية الخصم= "العائلة البرجوازية"، وتأكيد توافق أصل العائلة مع مبادئ الشيوعية.
وتقوم استراتيجية رواد الفكر الشيوعي على البحث والتنقيب في التاريخ القديم للبشرية، عن أصل العائلة وحيثيات نشأتها، والاستناد في ذلك على ما كان سائدًا منذ البدء بين سائر شعوب الأزمنة القديمة من المتوحشين والهمجيين، كأصل "واقعي" يُعبر "حقيقة" عن بداية وتشكل العائلة في المجتمع البشر.
بالإضافة إلى الاستنجاد بالفرضيات، التي قدمها -تخرصًا في معظمها- بعض الباحثين بين الشعوب والقبائل المختلفة، التي تزعم أن الأصل في العلاقات الجنسية بين النَّاس هو الاختلاط (=اختلاط الأنساب بتعدد الذكور)، ولذا تكون السيادة بشكل طبيعي للأنثى (الأمومة)، وتنتفي سلطة الذكر (الأبوية).
وإذا كانت المرأة الأم هي التي تمتلك الحق المؤكد من كونها هي مصدر الأولاد الوحيد، فهي لهذا السبب -حسب هذه الفرضيات- هي من تستحق الاحترام والتقدير والتقديم والريادة والقيادة من قبل الجيل الجديد، ومن ثم آلت الأمور بشكل تلقائي وطبيعي إلى تسيد المرأة وإلى السيطرة النسوية المطلقة.
وكانت وحدانية الزواج، أي الذكر الواحد فقط لامرأة واحدة هو -في زعمهم-بداية نهاية سيعدة وسلطة النساء المطلقة، إذ تفرد الرجل الواحد بالمرأة الواحدة، فقدر على أن يسيطر عليها ويخضعها لسلطانه، وبهذا تعدى على حق المرأة وتعدى أيضًا على حقوق بقية الذكور المشاركين معه في المرأة نفسها!
لكن الدين، في زعم هؤلاء، هو الذي لعب دورًا مهمًا ومحوريًا في تغيير وقلب الأوضاع الخاصة بالمرأة رأسًا على عقب، حيث انتقل من تعدد الأزواج للمرأة الواحدة إلى وحدانية الزواج لوحدة النسب، ومن الحق الأمومي إلى الحق الأبوي، ومن السلطة النسائية المطلقة إلى السلطة الذكورية "المطلقة".
يقول فريدريك إنجلز: "المرأة عند جميع المتوحشين وجميع القبائل البربرية، لا تتمتع بالحرية فحسب، بل تشغل أيضًا مركزًا مشرفًا جدًا".
ويقول فريدريك إنجلز مبينًا السبيل لتحطيم نظام "العائلة البرجوازية" و"النظام الأبوي":
"ألن يكون هذا [تفكك العائلة وتحول مهمة العناية بالأطفال إلى مؤسسات المجتمع] سببًا كافيًا لكي يقوم -تدريجيًا- مزيدٌ من الحرية في العلاقات الجنسية، ولكي يتكون من ثم رأيٌ عامٌ أكثر تساهلاً حيال شرف العذارى وحشمة النساء؟".
لقد أدرك الشيوعيون أنَّ السبيل لتحطيم جميع أعدائهم في المجتمع، الذين يطلقون عليهم أسماء متعددة: كالرأسماليين والإقطاعيين والبرجوازيين والرجعيين والمتدينين، لكن يكون إلا من خلال قلب مفاهيم المجتمع نفسه، ومفتاح ذلك هو العائلة وتفكيكها، والاستحواذ على قلبها النابض، وهو المرأة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد