بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عباد الله: يقول الله تبارك وتعالى: "وما بكم من نعمة فمن الله"، وتتوالى نعم الله على عباده، بالانفراجات المتوالية، والبشائر المتتابعة، فبعد أن شهدت المراحل الأولى خلال عام مضى من التعامل مع جائحة كورونا قيوداً على الحركة، وإغلاقاً للكثير من المرافق والمنشآت؛ بدأت مراحل العودة التدريجية للحياة شيئاً فشيئاً، حتى تيسر بفضل الله ومنته فتح المساجد للجمع والجماعات، بعد انقطاع دام لأكثر من أشهر في ظل الإجراءات الاحترازية المتخذة للتصدي لهذه الجائحة.
لقد توافد المصلون على المساجد لأداء الصلوات بكل شوق وفرح وابتهاج، حامدين الله تعالى على هذه النعمة العيمة، وإن هذه النعمة تستوجب منا أن نتوجه إلى الله تعالى بالحمد والشكر والثناء، فكم هي نعمة عظيمة أن نقف بين يدي الله تعالى في بيوته مصلين وراكعين وساجدين، فلله الحمد والمنة، وكلنا أمل في أن تتوالى البشارات، وتطوى فصول هذه الجائحة بإذن الله وكرمه.
ومما يتوجب علينا إزاء هذه النعمة الجليلة، نعمة فتح المساجد، أن نسعى للمحافظة عليها، بالالتزام التام بكافة الإجراءات الوقائية التي حددتها الجهات المختصة، وأن يحرص كل منا على أن يكون سبباً في دوام هذه النعمة، وألا يكون سبباً في سلبها، باستهتار أو تهاون، فيكون بذلك سبباً في إغلاق هذا المسجد أو ذاك، وإن بقاء إقامة الصلاة في المساجد يعتمد على قياس مدى التزام المصلين بالإجراءات الاحترازية، فلنكن مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وعوناً لدولتنا ومؤسساتها في دوام هذه النعم.
ولأهمية التوعية، ونشر المفاهيم الصحيحة في هذا المضمار أقول: إنه يجب التزام المصلين بالإجراءات الاحترازية والوقائية عند دخول المساجد وأداء الصلوات فيها مثل: لبس الكمامة، والتباعد الجسدي، وعدم المصافحة، وغيرها، فالالتزام بذلك واجب شرعي، وذلك لا يخلّ بالصلاة، بل هو من واجبات هذا الوقت والظرف، للأدلة القرآنية والنبوية والقواعد الشرعية التي توجب على المسلم المحافظة على النفس، وعدم الإضرار بها، كما قال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
والوقاية من الأمراض المعدية بالعزل والحجر وعدم المخالطة، هديٌ نبوي قال عليه الصلاة والسلام: «لا يُورِدَنَّ مُمرضٌ على مُصحٍّ»، بل تعدت عناية الشرع الحنيف في هذا الباب حتى شمل منع إيذاء الآخر ولو برائحة مؤذية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا ، فَلْيَعْتَزِلْنَا ، أَوْ قَالَ : فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ » رواه البخاري ومسلم.
ومن ذلك عدم سماح الأبناء لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة بالذهاب للمساجد، وأن ذلك لا يعد عقوقاً لهم، بل هو من تمام البر بهم، مع بيان الأمر لهم بالحسنى وجبر خواطرهم بالكلمة الطيبة.
وقد سعت الدولة - وفقها الله - منذ اليوم الأول إلى مكافحة الوباء وحماية المجتمع منه، وتعزيز الوعي المجتمعي للالتزام بالإجراءات الاحترازية، كما سنت الأنظمة الحازمة لمنع الإخلال بذلك، وخاضت الدولة، ولا تزال، معركة شاملة ضد هذا الوباء، وأبلى جنودها بلاء حسناً، سواء جنود الخط الأمامي من أطباء وممرضين ورجال شرطة ومتطوعين وغيرهم، أو عامة الأفراد من مواطنين ومقيمين، الذين ساهموا في إنجاح هذه الجهود بالتزامهم بالإجراءات الوقائية.
فللعاملين في المجال الطبي والأمني أجزل الشكر وأعطره، على ما يبذلونه من جهود حثيثة ومتواصلة في قيادة سفينة المجتمع لتخطي الأزمة بأقل الأضرار، بل بإنجازات نوعية متوالية.
عباد الله، رواد المساجد، هم خير مثال على الطهر والخير والحرص على الامتثال والنظام في حياتهم وهم يستشعرون أهمية مسؤولية الحفاظ على أنفسهم وعلى من خلفهم من أسرهم ومجتمعهم بالالتزام بالإجراءات المحددة للصلاة في المساجد، ومن ذلك ارتداء الكمامة، وإحضار كل مصلٍ سجادة الصلاة الخاصة به، والالتزام بالتباعد الجسدي بين المصلين، وترك التجمعات والمصافحة قبل الصلاة أو بعدها، وكذلك عدم ارتياد المصاب بالمرض للمسجد، أو من يشتبه بإصابته، أو المخالط لحالات مصابة، وعدم التهاون في ذلك بأي شكل من الأشكال.
إن التزام رواد المساجد بهذه الإجراءات الاحترازية، سبب لاستدامة نعمة فتح المساجد والصلاة فيها، وخاصة مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، الذي لم يتبقَ عليه سوى القليل، وكلنا أمل في أن ييسر الله تعالى لنا أداء صلاة التراويح وقيام الليل في المساجد، وكل ذلك مرهون بمدى التزام المصلين بالتدابير الوقائية، وفي الإخلال بهذا الباب من قبل البعض سبب لإغلاق المساجد، وحرمان الناس من الصلاة فيها.
ومحافظة الجميع على إجراءات السلامة لبنة أساسية لإنجاح جهود الدولة في التصدي للوباء، وهو قبل ذلك واجبٌ شرعيٌ فهم في طاعة لله تعالى، وطاعة لولي الأمر، ويساهمون في حفظ ضرورة من ضروريات الإسلام الكبرى، وهي حفظ الأنفس، وصيانتها من أسباب الضرر والهلاك.
نسأل الله تعالى أن يوفق رواد المساجد للمحافظة على هذه النعمة، وأن يحفظ ديننا وأمننا وبلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، وأن يرفع الوباء عنا وعن العالم أجمعين.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وكفى، وسمع الله لمن دعا، وبعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا -حماكم الله- أن هذه المرحلة الاستثنائية من حياتنا تقتضي، تقوية قيم الإيمان والتعلق بالله توكلاً وقصداً ورجاءً، والبعد عن الذوب والمعاصي، وأخذ الحيطة والحذر، والوعي التام بجميع الإجراءات الوقائية التي حددتها الجهات المختصة، والتي تكفل بإذن الله المحافظة على هذه النعم العظيمة واستدامتها، والانطلاق المشرق نحو العودة التدريجية للحياة الطبيعية.
نسأل الله الحيَ القيوم ذا الجلال والإكرام أن يرفع عنا الوباء والبلاء، وأن يقضى حوائجنا، ويشفي مرضانا، ويرحم موتانا، ويبلغنا رمضان في عافية وحسن حال.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد