بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
س/1- ما الذى ورد فى فضل الأيام العشر من ذي الحجة؟؟
لا شك أن هذه الأيام هى موسم من مواسم الطاعات والخيرات، فيها يتنافس المتنافسون، ويتسابق إليها المتسابقون، ولما لا وهى أفضل أيام الدنيا ، والعمل الصالح فيها خير من الجهاد فى سبيل الله.
أيام أقسم الله - تعالى – بها فقال تعالى: {والفجر (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} وهى عشر ذي الحجة في قول جمهور المفسرين، وقال به ابن عباس وابن الزبير ومجاهد.
وإقسام الله-سبحانه وتعالى - بها تنويه بقدرها وفضلها ولفت النظر إليها.
قال ابن حجر: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه ، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ، ولا يتأتى ذلك في غيره. (فتح الباري (2/460)) ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضى الله عنهما -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ" (أخرجه البخاري والترمذى).
قال شيخُ الإسلام رحمه الله: "واستيعابُ عشر ذي الحجة بالعبادة ليلًا ونهارًا أفضلُ مِن جهادٍ لم يذهبْ فيه نفسُه ومالُه، والعبادةُ في غيره تعدِلُ الجهادَ للأخبارِ الصحيحةِ المشهورةِ، وقد رواها أحمدُ وغيرُه" "المستدرك على الفتاوى"، (3 / 104). قال الحافظ ابن رجب:
وهذا الحديث نصٌّ في أنَّ العمل المفضول يَصير فاضلًا إذا وقع في زمان فاضل، حتى يَصير أفضل مِن غيره مِن الأعمال الفاضلة، لفضل زمانه.
وفيه أنَّ العمل في عشر ذي الحِجَّة أفضل مِن جميع الأعمال الفاضلة في غيره، ولا يُستثنى مِن ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد، وهو أنْ يخرج الرجل بنفسه وماله، ثم لا يرجع منهما بشيء، فهذا الجهاد بخصوص يفضل على العمل في العشر، وأمَّا سائر أنواع الجهاد مع سائر الأعمال، فإنَّ العمل في عشر ذي الحِجَّة أفضل منها.ا.هـ (فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/12))
* وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.. قال: أفضل أيام الدنيا أيام العشر. [صحيح الجامع الصغير) (1133)
س/2 * أيهما أفضل: عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان ؟
قال ابن القيم: وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل عديدة من مسائل التفضيل فأجاب فيها بالتفصيل الشافي فمنها:
أنه سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟
فقال: "أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة" ا.هـ
قال ابن القيم معلقًا: وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيًا كافيًا ؛ فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة ، وفيهما يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية ، وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر. فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة. (بدائع الفوائد، 660/3)
قال ابن رجب: وأمَّا نوافل عشر ذي الحِجَّة فأفضل مِن نوافل عشر رمضان، وكذلك فرائض عشر ذي الحِجَّة تُضاعف أكثر مِن مضاعفة فرائض غيره. (فتح الباري شرح صحيح البخاري»6/ 119)
*س /3: ما هى الأعمال الفاضلة التي ينبغي على المسلم أن يحرص عليها في هذه الأيام ؟ :
1-شكر اللهِ على هذه النِّعمة:
فعلى كل مسلم أن يشكر الله – تعالى - على أنْ بلَّغه هذه العَشر، الّتي هي أفضل أيّام الدنيا؛ فإنّ مِن أسباب زيادة النعم أن يقابلها العبد بالشكر قال – عزّ وجلّ -: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾
قال ابن رجب: فأما من حَسُن عمله وكثر، فإنه ينبغي له أن يشتغل بالشكر عليه فإن ذلك من أعظم نعم الله عَلَى عبده. فيجب مقابلته بالشكر عليه وبرؤية التقصير في القيام بشكره. (مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي) (4/405)
2 - الإكثار من ذكر الله تعالى:
قال تعالى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، وقال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) (الحج/28) وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هى أيام العشر.
قال ابن عباس: " واذكروا الله في أيام معلومات: أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق. (رواه البخاري في الصحيح معلقًا ، ووصله ابن حجر فى التغليق وصححه) ***و في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ما من أيام اعظم عند الله و لا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التهليل و التكبير و التحميد (رواه أحمد پسند صحیح)
وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. (رواه البخاري معلقًا )
قال ميمون بن مهران، قال: أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر، حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها، ويقول: إن الناس قد نقصوا في تركهم التكبير. (فتح الباري لابن رجب (9/9))
* ومن صيغ التكبير:
ومما صح من تكبير علىّ و ابنُ مسعود رضى الله عنهما: (كانا يقولان: اللهُ أكبر اللهُ أكبر، لا إلهَ إلَّا الله، واللهُ أكبر اللهُ أكبر، ولله الحَمْد)) (مصنف ابن أبى شيبة (2/168))
وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - أنه كان يكبر من غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق ، وكان تكبيره: " الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله الله أكبر، الله أكبر على ما هدانا ". (ما صح من آثار الصحابة في الفقه (1/503))
3 -الدعاء:
ومن الذكر: الدعاء، فهو العبادة، وهذه الأيام أيام دعاء. إذا كان فيها المسلم صائما قائما ذاكرا متصدقا فليكثر من الدعاء وخاصة في يوم عرفة، ففي الحديث: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة» ، وأفضل ما قلته أنا والنبيئون قبلي " لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير " ». (أخرجه الترمذى/3585)))
4- * تفطير الصائمين:
ومن باب حرص المسلم على مضاعفة أجره في صيام هذه العشر فيستطيع ذلك بالسعى في تفطير الصائمين ، إما من ماله أو بإرشاد أهل الخير إلى ذلك ، فهو بنيته والمتصدق سواء.
عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا " أخرجه الترمذى (807)وقال "هذا حديث حسن صحيح".
5- قراءة القرآن:
ومن أفضل القرب في هذه الأيام الصالحة قراءة القرآن ، عن عبد الله بن مسعود-رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف", (أخرجه الترمذى (2910) [وقال الألباني]: صحيح)
فلنحرص على وضع خطة لختم كتاب الله –تعالى – لمرات في أيام وليالى عشر ذى الحجة.
6- قيام الليل:
هى عبادة عظيمة ، كفاها قدرًا أنها " شرف المؤمن" ، وليس لأى أحد أن يوفق إليها ، إلا أناسًا اصطفاهم الله –تعالى – لخيره و ربَّاهم على عينه واصطنعهم لنفسه.
قال تعالى عن هديهم مع الليل (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)) (الذاريات (/17)) ، وقال تعالى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)) (السجدة/16)
قال سعيد بن جبير: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر ، تعجبه العبادة. (سير أعلام النبلاء (4/326))
7-الصدقة:
قال تعالى (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ( (39) (سبأ/39)
وقال النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ " ، «رواه الترمذى ، وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»
وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ثلاث أُقسم عليهن، وأحدِّثكم حديثًا فاحفظوه، -قال-:ما نقص مالُ عبدٍ من صدقة، ولا ظُلمَ عبدٌ مظْلمةً صبرِ عليها؛ إلا زاده الله عِزًا، ولا فتح عبدٌ باب مسألةٍ؛ إلا فتحَ الله عليه باب فقرٍ . «رواه الترمذى ، وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»
* فليكن له أخى ورد من الصدقات فى يوميات العشر ، ولا تحقرنَّ من الصدقة شيئًا ؛ فرُبَّ شق تمرة لا تلقى لها بالًا يثقل به ميزان حسناتك فتكون بها نجاتك، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَن استطاع منكم أنْ يَستَتِر من النار ولو بشق تمرة؛ فليفعل". (متفق عليه)
أنفق ولا تخاف فقرًا ولا تخشى ، قال تعالى (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/268)
قال تعالى (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) (محمد ( (38)
الصوم:
ولا شك أن الصوم من أفضل القربات والباقيات الصالحات ، وكفى فى فضل الصوم قول الله تعالى (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)
و قال النبي صلى الله عليه و سلم: عليك بالصوم فإنه لا مثل له (أخرجه أحمد ، و صححه الألبانی)
و قال النبي صلى الله عليه وسلم: من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا (رواه مسلم)
والصوم داخل في الأعمال الصالحة التي حث الشرع على ملازمتها في عشر ذي الحجة.
و قد روي عن النبي - صلى الله عليه و سلم- أنه كان يصوم تسع ذي الحجة) ( (حم) 22334) (د) 2437) (وهو حديث فيه مقال عريض فى الكلام على اضطراب سنده ومتنه ، وقد استقصى الإمام النسائى فى "المجتبى " (4/205)طرق هذا الحديث وبيَّن هذا الاضطراب سندًا ومتنًا)
قال النووى: وصوم هذه العشر مستحبة استحبابًا شديدًا لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة ا.هـ (شرح مسلم (8/71 ـ
و من آكد الأيام التي يحرص المسلم على صيامها في أيام العشر هو يوم عرفة
** عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن صوم يوم عرفة ؟ فقال يكفر السنة الماضية و الباقية) مسلم (1162)
إشكال وجوابه: روى مسلم عن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أنها قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي العشر قط. (رواه مسلم/1176)
* وجواب ذلك من وجوه:
1- أن يحمل قولها - رضى الله عنها- أنه لم يصم العشر لعارضٍ من مرض أو سفر أو غيرهما ، أو أنها لم تره صائمًا فيها، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر لأنها إنما نفت رؤيتها ،وبمثل هذا قال: القرطبى في «المُفهِم لِما أشكل مِن تلخيص كتاب مسلم» (3/ 253) والنووي فى المجموع شرح المهذب (6/ 388)
2- أن ترك النبي - صلى الله عليه وسلم – لصوم العشر إنما كان من ترك بعض العمل وهو يحبه ؛ خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم.
وبيان ذلك فيما قالته عائشة - رضي الله عنها –كما في الصحيحين: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدع العمل ، وهو يحب أن يعمل به ؛ خشية أن يفرض علي الناس . ونظير تركه صلى الله عليه وسلم لقيام رمضان في جماعة. وهذا الجواب قد ارتضاه ابن حجر في «الفتح » (2/ 534) وابن خُزيمة ـ في «صحيحه» (2103)
3- أن يحمل تركه لصوم تلك الأيام لتشاغله فيها بما هو أفضل منه ، وليس ذلك بمانع أحدًا من الميل إلى الصوم فيها ، لا سيما من قدر على جمع الصوم مع غيره من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل سواه. (مشكل الأثار (7/419)) 4- أن يحمل قول عائشة ــ رضي الله عنها ــ على أنَّه صلى الله عليه وسلم لَم يَصُم العشر كاملًا. وقد أجاب بهذا الجواب الإمام أحمد ، كما في كتاب «لطائف المعارف» (ص:368)
5- أن نفي رؤيتها لصومه –صلى الله عليه وسلم- لا يستلزم نفي وقوع صومه صلى الله عليه وسلم ؛ فقد قالت رضى الله عنها: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ ) (رواه مسلم) ، وقد سئلت كما عند مسلم من حديث معاذة: كَمْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَى؟ قَالَتْ: «أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ».
* وكذلك قد قالت رضى الله عنها: "من حدَّثكم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال قائمًا فلا تصدقوه " ،وقد أثبت حذيفة –رضى الله عنه- خلاف ذلك ، فقال «أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - سباطة قوم فبال قائمًا) والقاعدة: " إن نفي العلم ليس علمًا بالعدم "
6- أن قول عائشة –رضى الله عنها- غاية ما فيه أنه نفى لما أثبتته غيرها من نسائه أنه صام العشر ، هذا على فرض صحة هذا الحديث الوارد فى الإثبات.
قال صاحب الزاد: والمثبت مقدم على النافي إن صح. (زاد المعاد (2/63)) وبمثل هذا قال قال البيهقي بعد تخريج الحديثين: "والمثبتُ أَولى من النَّافي"؛ [السنن الكبرى للبيهقي (4/ 285) وانظر ("فيض القدير" (5 /474) * ثم نقول: مما يؤيد مشروعية صيام العشر: أن صوم هذه الأيام ثابت عن عدد من الصحابة رضى الله عنهم ، ولا مخالف لهم في ذلك. فقد صح ذلك عن أبى هريرة رضى الله عنه ،كما عند عبد الرزاق في «مُصنَّفه» (رقم:7715) ، وكذلك صح عن عبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهما ، كما روي ذلك ابن الجَعْد في «مسنده» (2247):
3-وما يستدل به على مشروعية صيام عشر ذي الحجة: اندراج الصوم في الأعمال الصالحة الذى رغَّب الشرع فى تحصيلها فى عشر ذى الحجة ، بل الصوم مِن أفضلها وآكدها.
ولم يزل السلف يستدلون على استحباب صوم عشر ذى الحجة بحديث فضل العمل الصالح فى تلك الأيام.
كما هو صنيع الأئمة فى: الكافي فى فقه فقه الإمام أحمد (1/ 362) وشرح صحيح مسلم» (8/ 320) وفتح الباري شرح صحيح البخاري» (2 /534) والمُفهِم لما أشكل مِن تلخيص كتاب مسلم (3/ 253) والمُحلَّى (7/ 19) ونيل الأوطار (4/ 239)
*الحاصل: أنا ننتهى إلى رؤوس أقلام:
1- القاعدة المعمول بها هنا " نفى الدليل المعين لا يستلزم نفى المدلول " ؛ والمعنى: أن ضعف الحديث الوارد فى إثبات صوم النبى- صلى الله عليه وسلم – للعشر لا يستلزم منه عدم مشروعية الفعل ؛ وذلك لورود النص العام فى فضيلة العمل الصالح فى أيام العشر ، فيدخل فيها الصوم.
2- ورود النص النافى لصوم النبي - صلى الله عليه وسلم – لأيام العشر لا يستلزم منه عدم المشروعية، وذلك لأمرين:
أ)الأول: أن هذا النص النافى قد اعتراه جملة من الاحتمالات قد أضعفته دالالته ، ومن المعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال ضعف به الاستدلال.
ب) الثانى: ولأن هذا الالتزام مخالف لما ثبت من فعل الصحابة رضى الله عنهم ، وفعل وسلف الأمة وأصحاب دواوين الأحاديث.
فرع:من كان عليه قضاء من رمضان هل يقضيه فى أيام العشر ؟؟ قد اختلفت أقوال الصحابة –رضى الله عنهم- فى ذلك على قولين: 1- القول الأول: أفضلية القضاء فى عشر ذى الحجة: قال قيس العبدى:
( (كان عمر –رضى الله عنه -يَستحِبُّ قضاءَ رمضانَ في عشرِ ذي الحِجَّة، وقال: وما مِن أيَّامٍ أقضِي فيها رمضان أحب إليَّ منها)) (أخرجه عبد الرزاق (7714) (وقد روى هذا مرفوعًا ، وفى سنده إبراهيم بن إسحاق الصيني ، قال الدارقطني: متروك الحديث.) (لسان الميزان (1/236)
قال أبو عُبيد:
نَرى أنَّه كان يَستحِبُّه لأنَّه كان لا يُحب أنْ يَفوت الرَّجل صيام العشر، ويَستحِبُّه نافلة، فإذا كان عليه شيء مِن رمضان كُرِه أنْ يَنتفل، وعليه مِن الفريضة شيء، فيقول: يَقضيها في العشر، فلا يكون يَبدأ بغير الفريضة، فيجتمع له الأمران.اهـ
2-القول الثانى: ما ورد عن على بن أبى طالب –رضى الله عنه – من كراهة ذلك.
قال إسحاق: ومَن كَرهه أراد أنْ يصومه تطوعًا، لِمَا يُستحب العمل فيه، وهذه رُخصة، لأنَّه حرَّضَه على التطوع، ويُؤخِر قضاء الفرْض.اه ـ«مسائله عن الإمامين أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه» للكوسج (ص/703):
ومعنى كلام الإمام إسحاق بن راهويه :
أنَّ مَن كَره مِن السَّلف الصالح قضاء ما بَقِي مِن أيَّام شهر رمضان في أيَّام عشر ذي الحِجَّة إنَّما هو لأجْل أنَّ ذلك يُفوِّت التطوع بصيامها، لأنَّها أيَّام يُستحب فيها الإكثار مِن الأعمال الصالحة، حيث حرَّض النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عليها، كما في حديث ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ المتقدِّم.
والمروي عن الإمام أحمد ، وأبي عُبيد، وإسحاق بن راهويه وغيرهم هو كراهة قضاء رمضان في العشر ؛ وذلك لأنَّه يُفَوِّت التطوع بصيامها، لأنّه يُستحب فيها الإكثار مِن العمل الصالح.
وقال ابن رجب:
وقد اختلف عمر وعليّ ــ رضي الله عنهما ــ في قضاء رمضان في عشر ذي الحِجَّة.
فكان عمر يَستحِبُّه لفضل أيَّامه، فيكون قضاء رمضان فيه أفضل مِن غيره، وهذا يدلُّ على مضاعفة الفرْض فيه على النَّفل.
وكان عليٌّ يَنهى عنه.
وعن أحمد في ذلك روايتان.
وقد عُلِّل قول عليٍّ: “بأنَّ القضاء فيه يَفوت به فضل صيامه تطوعًا”، وبهذا علَّله الإمام أحمد، وغيره.اهـ لطائف المعارف» (ص: 373) وقال أيضًا في شرحه على البخاري (6/ 119)
وحينئذٍ فصيام عشر رمضان أفضل مِن صيام عشر ذي الحِجَّة، لأنَّ الفرْض أفضل مِن النفل.
وأمَّا نوافل عشر ذي الحِجَّة فأفضل مِن نوافل عشر رمضان، وكذلك فرائض عشر ذي الحِجَّة تُضاعف أكثر مِن مضاعفة فرائض غيره.
وقد كان عمر يَستحب قضاء رمضان في عشر ذي الحِجَّة، لفضل أيَّامه، وخالفَه في ذلك عليٌّ، وعَلَّل قوله باستحباب تفريغ أيَّامه للتطوع، وبذلك علَّله أحمد وإسحاق.اهـ قلت: والأقرب في ذلك - والله أعلم – هو القول الثانى بأن يكون قضاء ما على المرء من رمضان فى غير أيام العشر ، وذلك لأمور:
1- أن القضاء هو واجب مفروض على الشخص لا يجمع مع غيره ، لذا ففعله فى أيام العشر قد يضيّع على المسلم فضل التطوع بالصوم فى هذه الأيام الفاضلة.
2- القضاء من الواجب الموسع الذى يمتد إلى ما قبل رمضان الذى بعده ، فالأولى أن ينشغل المرء – جمعًا بين المصالح- بالتنفل بصوم أيام العشر.
3- أن الخروج من الخلاف مستحب ؛ فمن قضى ما عليه في أيام العشر فسيرى من يقول له: " قد ضيَّعت على نفسك فضيلة التنفل بصوم العشر "، وأما من شغل أيام العشر بالصوم المسنون ، فلن ينكر عليه من رأى مشروعية القضاء في أيام العشر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد